“لم يعد افتراض حسن النية فيما تقترفه قناة “العربية” السعودية بحق التجربة التونسية الوليدة في عالم الديمقراطية العربية مقبولاً بعد الآن”، هكذا أصبح لسان السواد الأعظم من التونسيين ينطق بحق الفضائية المثيرة للجدل، التي تدار من داخل الديوان الملكي السعودي.
وقائع وأحداث كثيرة قطعت الشك باليقين، وجعلت المواطن التونسي المتردد يجزم بأن القناة السعودية “لا تريد خيراً بتونس وشعبها وتجربتها، التي قادت ثورات الربيع العربي، ومنحت أملاً للشعوب العربية من المحيط إلى الخليج”.
ممارسات القناة السعودية تأتي في وقت تقف فيه تونس على بُعد أقل من أسبوعين على الانتخابات الرئاسية المبكرة، لاختيار خليفة للراحل الباجي قائد السبسي، وهي انتخابات من المتوقع أن تكون حامية الوطيس، بالنظر إلى أسماء المرشحين، على غرار رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي، ونائب رئيس حركة النهضة عبد الفتاح مورو، فضلاً عن الرئيس السابق المنصف المرزوقي.
ومنذ ظهورها المثير للجدل إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، سطع نجم “العربية” كقناة رائدة في الدفاع عن الأنظمة العربية والترويج لسياساتها، والعمل بشدة على تلميع صورتها، وإقناع المواطن العربي بأن استمرارها “ضرورة حتمية، ورحيلها يعني خراباً ودماراً ودماءً في كل مكان”.
السعودية أرادت من وراء إطلاق “العربية” مواجهة غريمتها “الجزيرة” القطرية، التي حملت على عاتقها تطلعات الشعوب العربية وأفردت مساحة واسعة للحديث عنها في مختلف برامجها ونشراتها الإخبارية.
ورفع التوانسة أصواتهم عالياً في مختلف المناسبات والمظاهرات للحفاظ على الديمقراطية، إلى جانب الهجوم الدائم على السعودية والإمارات، ووصفهما بـ”محور الشر العربي”، وهو مصطلح لاقى رواجاً واسعاً في البلاد.
آخر سقطات “العربية”
القناة الإخبارية السعودية تلقت انتقادات لاذعة بعد وصفها مدينة “الذهيبة” الحدودية بأنها “العمق الاستراتيجي لتنظيم الدولة”، حيث تسعى لتشويه الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها حركة النهضة، صاحبة الأغلبية البرلمانية في البلاد، كما يقول محللون.
وبثت قناة “العربية الحدث”، وهي سعودية تبث من الإمارات، تقريراً أعده الصحفي عمار الهندي، اعتبرت فيه أن مدينة الذهيبة، التابعة لولاية تطاوين، القريبة من الحدود مع ليبيا، تعجّ بالإرهاب والإرهابيين، مشيرة إلى أنها “بؤرة للإرهاب والمهربين”.
الرد التونسي كان عنيفاً؛ إذ طالبت “النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين”، (5 سبتمبر 2019)، القناة السعودية، بسحب التقرير التلفزيوني، واعتبرته “موجهاً وموظفاً سياسياً بغاية التشويه والتضليل، ولخدمة أجندات سياسية إقليمية”.
وقالت النقابة، في بيان، إنّ لجنة أخلاقيات المهنة الصحفية التابعة لها “تطالب قناتي العربية والعربية الحدث، وكل المؤسسات الإعلامية التي تنقل عنها التقارير الصحفية، وصفحاتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي و(موقع) يوتيوب، بسحب التقرير فوراً”.
وعزت النقابة مطلبها إلى “ما شاب التقرير من عيوب أساسية، تمس من صدقية العمل الصحفي، ولما له من تأثيرات سلبية على التونسيين”، مشيرة إلى أنه “تضمن تزييفاً لشهادات المستجوبين، ومساً من صورة تونس عامة ومواطني منطقة الذهيبة (جنوب شرق) خاصة”.
وأكدت النقابة أن “اعتبار أكثر من 90% من سكان الذهيبة يمتهنون التهريب هو تشويه مرفوض لسكان المنطقة، وهو مخالف لكل المواثيق الأخلاقية المهنية وروح العمل الصحفي المرتكز على الأمانة والنزاهة والتعلق بالحقيقة”.
تجارب سابقة
وللقناة السعودية تجارب سابقة كثيرة، أثارت خلالها جدلاً واسعاً في مناسبات عدة؛ إذ تحدثت سابقاً عن “نجاح العمليات الإرهابية في تونس”؛ ما تسبب بموجة استنكار واسعة دفعت نشطاء لاتهام السعودية والإمارات بالوقوف وراءها.
وخلال اتصال هاتفي أجرته القناة مع العميد سفيان الزعق، الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية، أواخر يونيو 2019، سألت المذيعة: “كيف تفسرون نجاح هؤلاء بالقيام بالأعمال الإرهابية، رغم المعلومات السابقة عن إمكانية حصولها”، ليقاطعها الزعق بقوله: “أنتم تقيّمون هذه العمليات بالناجحة ونحن نقيمها بالفاشلة”، لترتبك المذيعة محاولة تفسير كلامها.
وتولت القناة السعودية، التي يصفها البعض بـ”العبرية” لكونها تتبنى روايات “إسرائيل” دائماً على حد قولهم، مهمة الترويج لشائعة وفاة الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي، خلال وجوده في المستشفى العسكري، قبل نحو شهر كامل من وفاته رسمياً (25 يوليو 2019).
وكان نشطاء تونسيون قد هاجموا على مواقع التواصل الاجتماعي، الإعلامية اللبنانية بقناة “العربية” نجوى قاسم؛ بسبب سخريتها من الثورة التونسية في ذكراها السابعة (يناير 2018).
وكتبت “قاسم”، إحدى أبرز الوجوه الإعلامية في “العربية” على حسابها بموقع “تويتر” معلقة على الاحتجاجات في تونس: “الاحتجاجات تتسع في تونس نفس الخبر في نفس الموعد الذي وعدنا بالياسمين قبل سبع سنوات.. سبع عجاف عجاف عجاف حتى لم نعد نريد وعداً ونخشى كل موعد”.
احتجاجات عارمة
وأواخر نوفمبر 2018، بعد شهرين تقريباً من عملية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول التركية، زار ولي عهد السعودية محمد بن سلمان تونس في زيارة خاطفة لم تتجاوز الساعات، التقى خلالها بالرئيس الراحل السبسي، على وقع احتجاجات شعبية عارمة ضد الزيارة.
واكتفت الرئاسة آنذاك بدعوة المصورين، ولم تنظم مؤتمراً صحفياً، على عكس التقليد السائد في مثل هذه الزيارات، في محاولة على ما يبدو لتجنب إحراج الضيف السعودي.
واحتج الشعب التونسي ومسؤولون وإعلاميون على زيارة بن سلمان إلى تونس، ورفعوا شعارات ضد “جرائم الحرب” في اليمن، وشعارات أخرى المسؤول السعودي وتصفه بـ”القاتل” و”أبومنشار”، وتقول إنه “غير مرحب به” رافضة “تدنيس أرض تونس الثورة”.
المحلل السياسي المصري محمد عبد المولى صرح سابقاً لـ”الخليج أونلاين” بأن “الإمارات مستعدة وبأي ثمن أن تحول دون تثبيت حركة النهضة أقدامها في أي انتخابات بتونس، والسيطرة على الحكم كلياً أو جزئياً مع أي شريك آخر”.
وحين يتم الحديث حول الإمارات، وحاكمها الفعلي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فإن الكلام ينسحب أيضاً على ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي بات تابعاً لـ”بن زايد” ومنقاداً خلف سياساته المبنية على التدخل بشؤون الدول الأخرى، كما ذكرت تقارير غربية في أكثر من مناسبة.
وأوضح عبد المولى أن الإمارات ترى أن ديمقراطية تونس مهدِّدة لها في الوطن العربي، خصوصاً مع النجاح الكبير الذي حققته خلال الانتخابات السابقة، حيث تخشى أبوظبي أن تستلهم دول عربية تلك التجربة لتعيد الكَرة في بلدانها.
وأضاف: “حرب الإمارات على الإسلاميين تتسبب في تدمير شعوب، كما حدث بمصر واليمن وليبيا وربما يتكرر المشهد في السودان أيضاً، ولذلك يعمل بن زايد بكل ما يملك للقضاء على الديمقراطية في تونس، التي وقفت ضد كل مخططاته الرامية إلى إنهاء الإسلاميين فيها”.
وأشار إلى أن الإمارات لن يهدأ لها بال حتى تستطيع إفساد الديمقراطية بتونس، والإطاحة بحزب النهضة، كما حدث في مصر من انقلاب على “الإخوان”، والإطاحة بحكم الرئيس الراحل محمد مرسي”.
اضف تعليقا