خلال الحملة الانتخابية لبن علي يلدريم، مرشح حزب «العدالة والتنمية» لمنصب عمدة إسطنبول، ترددت طروحات جديدة اعتبرت مناهضة للاجئين السوريين في المدينة الكبرى.

وسواء كان ذلك لسحب هذه «الورقة» الشعبوية التي كانت رائجة لدى خصمه، مرشح حزب «الشعب الجمهوري»، أكرم إمام أوغلو، أم لا، فإن خسارة بن يلدريم لم توقف هذا الطرح داخل «العدالة والتنمية».

وجاءت خطوات بلدية إسطنبول لـ«تنظيم» وجود اللاجئين السوريين فيها، وطرد الآلاف منهم إلى المناطق التركية الأخرى، أو إعادتهم إلى سوريا، لتتناسق أحيانا مع اتجاه تركيّ عام، رغم جهود عديدة من مسؤولين أو صحافيين أو نشطاء أتراك لصدّ الموجة وإعادة البعض الذين أبعدوا من دون حق.

ومع تصاعد هجوم النظام السوري وروسيا وحلفائهما على أرياف حماة وحلب واللاذقية، والغارات الدموية العنيفة على أرياف ومدن محافظة إدلب ضمن ما يسمى «منطقة خفض التصعيد» حسب اتفاقات أستانة، وهروب مئات آلاف النازحين، تفاقمت إشكاليات قضية اللجوء السوري إلى تركيّا.

فتناظرت حملة طرد السوريين والخطاب السياسي الشعبوي ضدهم مع الأزمة الإنسانية الكبيرة داخل سوريا نفسها مما وضع الاستثمار السياسي التركي في «المسألة السورية» وخطاب حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي والإنساني في مأزق.

فلا التقارب التركي مع روسيا، والمفاوضات المستمرة على مدى سنوات أمّن حماية للمدنيين السوريين في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ولا التحالف التاريخي مع أمريكا، وانتماء تركيا إلى حلف «الناتو» أوقف اعتماد الأمريكيين على ميليشيات «حزب العمال الكردستاني» متعددة المسميات داخل سوريا، أو للسماح لأنقرة بالسيطرة على منطقة آمنة وواسعة بما يكفي لإعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها، أو لصد خطر قوات «الكردستاني» عن الحدود التركية.

وفي محاولة لفتح ثغرة في هذه القضية المركّبة بدأت أنقرة في الأيام القليلة الماضية اتباع سياستين متوازيتين:

– الضغط على واشنطن للبدء بتكريس «المنطقة الآمنة» داخل الحدود السورية، وكان آخر هذه الضغوط اتصال د. إبراهيم قالن، الناطق باسم الرئاسة التركية، بمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون، وحديث الرئيس رجب طيب اردوغان أمس أن بلاده عازمة على إقامة «منطقة آمنة» مع نهاية شهر أيلول/سبتمبر، وأنها مستعدة للتحرك منفردة إذا اقتضى الأمر،

– تهديد أردوغان بأن تركيا قد تفتح الطريق إلى أوروبا أمام المهاجرين، وهو أمر قد بدأ فعلا منذ عدة أيام.

يشير تحول قضية اللاجئين السوريين إلى أداة ضغط سياسية على أوروبا إلى نفاد صبر السلطات التركية من الوعود الأمريكية المعسولة، ومن التجاهل الأوروبي للمقتلة السورية وتبعاتها الكبرى على تركيا، وهي بإعادة فتح الباب لسياسة خروج اللاجئين إلى أوروبا تعيد وضع العالم أمام مسؤولياته.

وتكشف تنصله من التداعيات الخطيرة لترك الجغرافيا السورية للنظام الذي يسعى لحسم المعركة على الأرض دون أيما انشغال بعداد الدم المفتوح أو بحركة الفرار البشري الهائلة من المجزرة.