الإمارات محبطة من فشلها في وقف تأثيرات الربيع العربي بعد نشوة انتصارها في مصر عام 2013، وأصبح حلفاؤها في هذا المضمار، مثل الجنرال المتقاعد “خليفة حفتر” في ليبيا، والرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي”، وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، عبئا عليها لأسباب عدة؛ فقررت تغيير استراتيجيتها بالمنطقة وإعادة صياغة العلاقة مع السعودية أوثق حلفائها.

ما سبق كان خلاصة مقال كتبه الباحث “حسن حسن”، مدير برنامج الجهات الفاعلة غير الحكومية في البيئات الهشة بمركز السياسة العالمية، في صحيفة “فوربن بوليسي”، تحت عنوان “الإماراتيون قضموا أكثر مما يستطيعون مضغه”؛ حيث حاول فيه البحث عن أسباب التحول اللافت في السياسة الإقليمية للإمارات خلال الأسابيع الأخيرة.

في بداية مقاله، يقول “حسن” إن الإمارات شرعت بتأكيد نفسها كلاعب سياسي وعسكري في الشرق الأوسط، ومنحها الانقلاب ضد الإخوان المسلمين في مصر عام 2013 الفرصة لممارسة دور حازم في تشكيل الأحداث بالمنطقة، وهي فرصة اقتنصتها بسرور.

ويضيف: “إلا أن الفرصة الحازمة ارتطمت بالجدار هذا الصيف؛ ففي يوليو/تموز الماضي، أعلنت أنها ستسحب قواتها من اليمن الذي تشارك فيه السعودية بشن حرب منذ عام 2015 ضد المتمردين الحوثيين”.

وبررت أبوظبي القرار بأنها تريد التركيز على الاستقرار ومكافحة الإرهاب، ثم بدأ الإماراتيون بإرسال رسائل تصالح إلى إيران. وفي بياناتها، لم تتهم الحكومة الإماراتية علانية إيران بتنفيذ تفجيرات تعرضت لها ناقلات نفط قبالة ميناء الفجيرة الإماراتي، في مايو/أيار الماضي، رغم تحميل واشنطن والرياض، طهران المسؤولية عن تلك التفجيرات.

ثم عقدت الإمارات لقاءً نادرا مع المسؤولين الإيرانيين في يوليو/تموز الماضي؛ لبحث ترسيم مناطق الصيد في الخليج. وحدث كل هذا في وقت كانت الولايات المتحدة تمارس أقصى ضغط على إيران وتدعو الحلفاء لعمل نفس الشيء.

ويرى الكاتب أن هذه الأولويات التي ركزت عليها الإمارات لم تتوافق مع تلك التي تركز عليها حليفتها السعودية.

ويحاول الكاتب البحث فيما وراء هذا التغيير، قائلا إن الإمارات لم تقدم تفسيرا واضحا لتحولاتها الجيوسياسية المفاجئة، لكن من المحتمل أنها تنبع من إعادة تقييم لاستراتيجيتها على مدى السنوات الست الماضية؛ حيث بات من المؤكد أن تأثير الإمارات بدأ في التراجع وتقلصت مكانتها السياسية وسمعتها في الولايات المتحدة. وحتى عندما حاولت أبوظبي رسم استراتيجتها في ظل شروطها الخاصة، كانت تلك الاستراتيجية أصعب بكثير عند التنفيذ.

ويرى الكاتب أن التحول في السياسة له علاقة، على ما يبدو، بتصويت مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة، هذا الربيع، الذي دعا إلى إنهاء المشاركة الأمريكية في الحرب باليمن، وتم تمرير القرار بواقع 54 صوتا مقابل 46 صوتا، رغم معارضة البيت الأبيض.

ويقول “حسن” إن أي شخص عادي يعرف أن الإمارات لم تكن لتتعامل مع قرار الكونغرس إلا بجدية؛ لأنها تريد البقاء ضمن الدول المرضي عنها في واشنطن. على سبيل المثال كان أحد أهم أسباب تخلي الإمارات عن دعم المعارضة السورية، خريف 2016، القانون الذي مرره الكونغرس ويسمح للمواطنين الأمريكيين بتقديم دعاوى قضائية ضد حكومات أجنبية وأفراد بتهم الإرهاب، أو ما عرف بقانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” (جاستا). وقال مسؤول إماراتي بارز له علاقة بالقرار إن الخوف كان هو احتمال توريط الإمارات في المحاكم الأمريكية بتهمة ارتكاب حلفائها جرائم.

ويضيف الكاتب: “عادة ما أخذت الإمارات بعين الاعتبار الرأي العام الأمريكي، والنقد النابع من مؤسسات الدولة الأمريكية، وما منعها من تغيير موقفها مبكرا هو تحالفها مع السعودية. وحسب مسؤولين بارزين ومصادر قريبة منهم، ظلت أبوظبي تعتقد أنها قادرة على تجاوز العاصفة المتعلقة بحرب اليمن والتصرفات الضالة للسعودية، بما فيها قتل الصحفي في واشنطن بوست، “جمال خاشقجي”، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018 بقنصلية المملكة في إسطنبول.

كانت الإمارات مترددة في التخلي عن السعوديين؛ خشية أن تقوم الرياض بمتابعة مصالحها بطريقة لا تحبها أبوظبي، بما في ذلك رأب الصدع مع أنقرة والدوحة. وكان هذا أسوأ سيناريو دبلوماسي من منظور الإمارات.

وعلى نفس المنوال، يعتقد الإماراتيون أن تحالفهم مع السعوديين منذ عام 2015 ضد جماعة “الإخوان المسلمين” ودول مثل تركيا وقطر هو أهم إنجاز استراتيجي حققوه في السنوات الماضية.

ولم تتبن الإمارات سياسة السعودية تجاه سوريا، وكانت أول داعم للمعارضة السورية تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع نظام “بشار الأسد”، رغم دعم الرياض للسياسة الأمريكية والتشديد على النظام السوري ومنعه من السيطرة على شرقي سوريا.

لكن رغم هذه الاختلافات، حافظت أبوظبي والرياض على علاقة وثيقة، وعكفتا معا على إعادة رسم الخريطة السياسية والعسكرية في المنطقة، وتجنب أي احتكاك علني.

وأوضح الكاتب أن الإمارات تحاول الآن استعادة سمعتها في واشنطن وغيرها من العواصم الغربية، من خلال تصوير نفسها كدولة مسالمة تسعى لتحقيق الاستقرار والازدهار من خلال القوة الناعمة والمشاركة الاقتصادية، وتعارض بالتالي الحروب من جميع الأنواع في الشرق الأوسط.

لكن -والكلام لـ”حسن”- تتناقض هذه الرواية مع تصرفات أبوظبي على مدى السنوات الست الماضية؛ حيث حاول الإماراتيون -وفشلوا- في وقف آثار الربيع العربي بأي وسيلة.

وبهذا المعنى، فإن تحول سياسة الإمارات ليس مدفوعا فقط بمحاولة استعادة سمعتها بل يغذيه أيضا فشل السياسات التي أضرت بها.

ويقول الكاتب: “يبدو أن الإماراتيين يشعرون بالإحباط بسبب عجزهم عن تكرار دعمهم الناجح للانقلاب الذي أطاح بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي عام 2013؛ وما تبع ذلك من تراجع دور الإسلاميين في المنطقة بعد الربيع العربي. ومنذ ذلك الوقت، لم يحقق الإماراتيون إلا نجاحات محدودة، خاصة في اليمن وتونس وليبيا”.

ويضيف: “وفي أبريل/نيسان الماضي، شن الجنرال خليفة حفتر هجوما مفاجئا ضد الحكومة الليبية المعترف بها دوليا، وكان هجومه مقامرة دعمتها الإمارات لطرد الإسلاميين من العاصمة طرابلس وتأكيد سلطاته الديكتاتورية في كل ليبيا، لكن تلك المقامرة ارتدت بشكل عكسي، وتحولت إلى مأزق”.

ويردف الكاتب: في اليمن، حاول السعوديون إقناع الإماراتيين بالعمل مع حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي (الممثل للإخوان المسلمين في اليمن)، وقادت الجهود لدفع الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد للاجتماع بقادة هذا الحزب في الرياض، وهو الذي كرس حياته لسحق الإخوان المسلمين في كل مكان”.

ويرى “حسن” أن حلفاء الإمارات، مثل مصر والسعودية، باتوا عبئا عليها؛ فـ”السيسي” أصبح بعد الانقلاب يعتمد على التمويل الخليجي بدون أن يرد الجميل؛ حيث رفض المشاركة في حرب اليمن أو التوقيع على التحالف الذي أطلق عليه اسم “الناتو العربي”، الذي كانت ستقوده السعودية أو الإمارات.

بالمقابل، أصبح الحاكم الفعلي للسعودية “محمد بن سلمان” عبئا؛ بعدما فشل في تسويق نفسه كمصلح للغرب، وشوه سمعة من ارتبط به بعد مقتل “خاشقجي”. وبدعم الإماراتيين والسعوديين للرئيس “دونالد ترامب”، أصبحوا أنصارا له في لعبة السياسة بالولايات المتحدة.

ويختتم “حسن” مقاله بالقول إن المواقف الإماراتية الجديدة قد لا تنهي بالضرورة دعمها للجماعات الوكيلة في المنطقة، لكنها قد تغير من ديناميات العلاقة مع السعودية؛ فقد اعتقدت الدولتان أنهما تستطيعان إنشاء نظام جديد نابع من صورتهما الاستبدادية، إلا أن هذا الحلم انتهى على ما يبدو.

ويضيف: “يحاول الطرفان التغلب على خلافاتهما الآن، مع أن هذا لم يعد ممكنا في اليمن، وربما أجبر الانسحاب الإماراتي السعودية على تبني سياسات أكثر قسوة مخالفة للمصالح الإماراتية، ومع أن اليمن جمع الدولتين معا، إلا أنه قد يكون العامل الذي يجبرهما على الانفصال”.