أعادت عملية اغتيال الكاتبة الصحفية عروبة بركات وابنتها الصحفية حلا عمليات التصفية التي يمارسها نظام بشار الأسد للتخلص من معارضيه إلى الواجهة مرة أخرى.
فنظام بشار الأسد لا يختلف كثيرا عن نظام والده “حافظ الأسد” حيث يمتلئ السجل الأسود لهما بالكثير من عمليات الاغتيال والتصفية سواء في الداخل السوري أو خارجه.
اغتيال عروبة وحلا بركات
هربت عروبة بركات من مدينة إدلب في ثمانينيات القرن الماضي بعد مجزرة راح ضحيتها نحو 40 ألف شخص في حماة وإدلب ارتكبها نظام حافظ الأسد بذريعة قتال جماعة الإخوان المسلمين واستقرت في بريطانيا ثم انتقلت إلى الإمارات لتعيش مدة قصيرة هناك ، واستقرت مؤخرا في اسطنبول.
بعد انتشار خبر مقتل المعارضة السورية عروبة بركات وابنتها حلا تداول العديد من الناشطين السوريين تفاصيل العملية وتشير جميعها إلى أن القاتل كان معروفا للضحيتين لا سيما أن الشرطة لم تسجل أي علامات كسر أو خلع لباب المنزل وأن الجناة عمدوا إلى قرع الباب والدخول بشكل عادي وقتل عروبة وحلا بطعنهما بالسكاكين وتشويه وجوههما.
نجت عروبة من نظام حافظ الأسد الدموي لكن يد الغدر العابرة للحدود وصلت إليها في اسطنبول من نظام بشار الذي لا يقل دموية عن نظام أبيه، حيث أشار الناشطون بأصابع الاتهام إلى ضلوع “بشار” في هذه العملية حيث كانت تعمل عروبة وابنتها حلا في الأيام الأخيرة على إنتاج فيلم عن الثورة السورية.
كما كشف أقارب الضحيتين عن تلقي عروبة وحلا تهديدات من طرف النظام السوري قبل أيام بسبب موقفهما المعارض له وخاصة لدورهما في كشف جرائم نظام الأسد والانتهاكات التي يمارسها بحق الشعب السوري والمعارضين عبر العديد من الأفلام الوثائقية والمقابلات مع وسائل الإعلام الغربية والعالمية.
يذكر أن عروبة انضمت إلى “المجلس الوطني” المعارض في 2011، وعرفت بمواقفها المناصرة للثورة السورية والناقدة لمؤسسات المعارضة والتنظيمات الجهادية على حد سواء.
بينما شاركت حلا بركات التي لم يتجاوز عمرها 22 عاما في العديد من المقابلات وصناعة محتوى الأفلام حول معتقلات وسجون الأسد، ومناظرات حول سوريا، كما عملت محررة في القسم الإنجليزي لموقع “أورينت نيوز”، والتلفزيون التركي الرسمي بعد أن تخرجت من قسم العلوم السياسية من جامعة “إسطبنول شهير” في مايو الماضي.
الهدف من الجريمة
العملية بحسب الناشطين السوريين كان الهدف منها ترهيب المعارضين عامة والصحفيين الذين يعملون ضد النظام خاصة، مؤكدين أن العملية تحمل في طياتها العديد من الرسائل فمن جهة يبدو النظام وكأنه يقتل الثورة في جيلين ، ومن جهة أخرى يريد إيصال رسالة للمعارضين الأكثر شهرة بأن النظام يستطيع الوصول إليهم.
ولأن النظام يعتبر فضح جرائمه خطا أحمر لأنها تنسف ما يسوقه طوال السنوات الأخيرة على أنه الحل الوحيد والخيار الأفضل لسوريا حيث يسوق النظام نفسه أمام العالم بأنه يقاتل ضد قوى الشر والإرهاب وهو ما يجعل أمثال عروبة وحلا وغيرهما خطرا على وجوده.
اغتيالات نظام بشار
تكتنف الاغتيالات التي ينفذها النظام نوعا من الغموض وعدم توافر معلومات دقيقة أو تفاصيل عن هذه الأحداث التي تقع غالبا في وضح النهار وفي أماكن يفترض أنها محصنة أمنيا يرافقها تبريرات رسمية دفعت الكثير من المحللين إلى التشكيك في تلك الروايات.
من بين هذه العمليات تبرز حادثة تفجير مبنى الأمن القومي السوري والتي أسفر عنها مقتل كبار القادة الأمنيين في سوريا في العام 2012، وعملية اغتيال اللواء سمير الشيخ مدير إدارة الاستطلاع في عام 2014 ومقتل اللواء جامع جامع رئيس الاستخبارات العسكرية في أكتوبر من العام 2013 بمدينة دير الزور.
وتأتي هذه الاغتيالات بحسب مراقبين ضمن خطة لتصفية مجموعة من القادة العسكريين الميدانيين التي كانت لهم ذاتية في المعارك ، بالإضافة إلى شعبية هؤلاء القادة في أوساط المقاتلين والأوساط المؤيدة للأسد والتي قد تضعف من السلطة المطلقة التي يطمح إليها الأسد الذي اختار الانفراد بالقوة، بحسب المراقبين.
كما يشير بعض المتابعين إلى أن ميليشا حسن نصر الله هي صاحبة الكلمة على الأرض في كل المعارك والمناطق التي تتواجد فيها وأنها تقوم باستخدام قوات النظام وتنسب كل الإنجازات الميدانية إليها فقط ، وهذا ما يجعل احتمال مشاركة حزب الله أيضا بتصفية بعض قوات الأسد الميدانيين احتمالا كبيرا كما يرى آخرون أن بعض الضباط رفضوا سيطرة حزب الله والقوات الإيرانية على الأراضي السورية والقرار العسكري ولذلك تمت تصفيتهم.
من جهة أخرى يصعب إحصاء عدد الشخصيات التي أقدم نظام الأسد على تصفيتها دون مسالة أو تحقيق دولي مما يوحي بأن هذه الاغتيالات كانت تتم بموافقة المجتمع الدولي.
المهندس هشام نجار المنسق العام للهيئة السورية للإعمار كشف عن جانب من هذه الاغتيالات التي مارسها نظام بشار الأسد وسط ما وصفه بالصمت المطلق وغياب المحاسبة من القوى النافذة الدولية.
وفي أحد مقالاته المنشورة بموقع “المركز العربي الأوروبي” وثق “نجار” العديد من عمليات الاغتيال التي نفذها بشار وحافظ الأسد، حيث استعان النظامين في تنفيذ هذه العمليات بحزب الله اللبناني وحزب القومي السوري وبمشاركة شخصيات مخابراتية لبنانية وعصابات فلسطينية تأتمر بأمر المخابرات السورية وتمت أغلب هذه العمليات في الأراضي اللبنانية، بحسب نجار.
فلم يتوقف نظام بشار الأسد منذ توليه السلطة عن سياسة الاغتيالات لتصل يده إلى كل من يشك بولائه ويملك معلومات هامة عن تورطه في الاغتيالات ونظم سلسلة من الاغتيالات بحق عدد من اللواءات الموالين له ليتخلص من أي منافس له يمكن أن يتم شراءه دوليا للاستيلاء على السلطة
ومن بين هؤلاء بحسب “نجار” اللواء غازي كنعان الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية وتم اغتياله في عام 2005 وتم تصوير الأمر على أنه انتحار، واللواء محمد سليمان الذي وجد في منزله مقتولا واللواء رستم غزالي الذي كان أحد أعمدة النظام السوري الذي توفى متأثرا بإصابته بعد أن تعرض للضرب على إثر خلاف مع اللواء رفيق شحادة رئيس شعبة المخابرات العسكرية، حول الدور الإيراني في محافظتي درعا والسويداء.
تنظيم الدولة يشارك في الاغتيالات
تاريخ النظام الحالي في سوريا مليء بالاغتيالات وخاصة في الفترة التي أعقبت الثورة السورية في 2011 ولم تتوقف عمليات الاغتيال على النظام بل شاركه فيها تنظيم الدولة الذي قام بعمليات تصفية أيضا خارج الحدود السورية لعدد من الصحفيين.
ومن أبرز الشخصيات السورية التي تعرضت للاغتيال علي يد تنظيم الدولة في تركيا الصحفي ناجي الجرف الذي اغتيل في أواخر 2015 في مدينة غازي عنتاب من قبل عناصر التنظيم، والإعلامي زاهر الشرقاط الذي تعرض للاغتيال في إبريل 2016 حيث كان يعمل معدا ومذيعا في قناة “حلب اليوم”
وفي الداخل السوري لا يختلف تنظيم الدولة “عن نظام الأسد وروسيا في استهداف الصحفيين، حيث بث التنظيم في منتصف 2016 تسجيلا مصورا، يظهر فيه عمليات إعدام لخمسة إعلاميين في مدينة دير الزور، مستخدما أساليب مروعة في القتل والعنف.
كما نفذ التنظيم العديد من العمليات داخل وخارج سوريا بحق فريق حملة “الرقة تذبح بصمت” ومن بينهم أحمد محمد الموسى الذي تم اغتياله أمام منزله ببلدة سنجار بريف إدلب منتصف ديسمبر 2015، وقبلها بأسابيع قام التنظيم بذبح زميله بالحملة إبراهيم عبدالقادر داخل منزله بمدينة أورفا التركية، كما أعدم المعتز بالله مراسل شبكة شام في مايو 2014.
ومع كل هذه الاغتيالات لا يمكن حصر العمليات التي نفذها التنظيم بحق المعارضين السوريين سواء داخل الأراضي الشامية أو خارجها.
وتعد سوريا من أكثر المناطق خطورة لعمل الصحفيين وفقا للجنة حماية الصحفيين التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، فمنذ اندلاع الثورة السورية وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ مارس 2011 وحتى إبريل 2015 مقتل 463 صحفيا وناشطا إعلاميا، على يد قوات النظام وداخل مقرات الاحتجاز ومراكز التعذيب بسجون الأسد.
اضف تعليقا