حالة من الارتباك شهدها الإعلام المصري، التابع لأجهزة المخابرات، في تعاطيه من المظاهرات التي شهدتها البلاد، في القاهرة وعدة محافظات، مساء الجمعة، وطالبت بتنحي الرئيس “عبدالفتاح السيسي” وإسقاط نظامه.
ورغم محاولة إنكار خروج مظاهرات تارة، والتقليل منها تارة أخرى، وتشويهها تارة أخرى، ظلت القنوات التلفزيونية، بث أغاني وطنية حماسية، وبرامج تسجيلية عما أسمته إنجازات “السيسي”.
بدأ الحشد الإعلامي المضاد والمحذر مع تناول دعوات خروج مظاهرات الجمعة، حيث حاولت وسائل الإعلام المختلفة، حشد المصريين نحو المكوث في منازلهم، تارة بالتخويف من “التظاهر غير القانوني”، وتصوير الدعوات أنها لهدم مصر، وتارة بسوء الأحوال الجوية.
إلا أنه عقب خروج المظاهرات، عاشت وسائل الإعلام في البداية حالة من الإنكار، ومحاولة تصدير إلى المواطنين في المنازل، ومتابعي وسائل التواصل الاجتماعي، أن المشاهد التي بثتها قنوات عربية وانتشرت على مواقع التواصل “مفبركة ومكررة”.
وأفرد الإعلامي الموالي للنظام الحاكم “عمرو أديب”، مساحة كبيرة في برنامجه المذاع على قناة “إم بي سي مصر” السعودية، للتشكيك في مصداقية مقاطع الفيديو المصورة، وادعى أنها عبارة عن “عدد محدود من الثواني ويتم تكرارها للإيحاء بضخامة المظاهرات”.
كما زعم الإعلامي الموالي للنظام والقريب من دائرة “السيسي”، “رامي رضوان”، أن مقاطع الفيديو المصورة للمظاهرات “مفبركة”.
واستضاف “رضوان”، في برنامجه “مساء دي إم سي”، المملوكة للمخابرات، شخصا زعم أنه خبير في تقنية المعلومات، وادعى أن جميع المقاطع “مركبة” لزيادة عدد المتظاهرين الواضحين في الصور.
وأثناء ذلك، ظلت قناة “دي أم سي” المملوكة للمخابرات، في إذاعة أغان وطنية، وهو الأمر نفسه الذي قامت به قناة “سي بي سي”، التي ظلت تتجاهل المظاهرات حتى منتصف الليل.
كما أن قنوات رياضية وأخرى متخصصة في الجراما قطعت برامجها، لإذاعة هذه الأغاني، التي كان منها ما يمجد في “السيسي وإنجازاته”.
ووفق مراقبين، فقد بدا أن القائمين على وسائل الإعلام، وكثير منهم منتمون لعصر نظام الرئيس الأسبق “حسني مبارك” (أطاحت به ثورة شعبية في 2011)، قد تعلموا درس الثورة، ولم يعودوا لتصوير النيل بدلا من ميادين التظاهر، فانتظروا حتى جرى فض الميدان بالقوة، ثم صوروه.
ولاحقا قامت القنوات، بإذاعة بث مباشر من الميدان، يؤكد خلوه وسلاسة المرور فيه للراجلين والسيارات.
وأذاعت قناة “إكسترا نيوز” المملوكة للمخابرات، مقطع فيديو، يظهر جانبا واحدا من ميدان التحرير، بعد إعادة فتحه جزئيا، دون توضيح غلق بعض الشوارع ومخارج محطات المترو والتواجد الكثيف لمصفحات الأمن المركزي.
وحينها، اعترف “أديب”، بوجود “مظاهرات محدودة وتجمعات حول الميدان وبعض المحافظات”، متهما جماعة الإخوان بمحاولة ركوب احتفالات جمهور النادي الأهلي، وإظهارها بأنها مظاهرات ضد النظام.
وقال “أديب”، وقد بدا عليه بعض الاضطراب وتخلى عن طريقته المسرحية الصارخة، إن الميدان مفتوح والحركة معتادة فيه، والمترو لم يغلق، مرحّبا بالمظاهرات، ولكن بعد “استقرار البلاد”.
وأشار المذيع المقرب من دوائر المخابرات المصرية، إلى أن قنوات “الأعداء”، ويقصد بها قنوات المعارضة بالخارج، سوف تتلاعب بالفيديوهات وتضخم الحدث البسيط.
وقال إنه ليس لديه ما يخفيه ولا يخشى الحديث عنه، مؤكدا أنه “يتناول الشأن المصري بالصور الحية وليست المسجلة ولا المفبركة كما تفعل قوات أخرى”.
أما قناة “المحور”، المملوكة لرجل أعمال المقرب من النظام “حسن راتب”، فظلت تبث برامج مسجلة عن إنجازات النظام.
وتجاهلت قناة “النهار”، الأحداث تماما، وهي تتابع مهرجان الفضائيات العربية، وكذلك فعلت قنوات التلفزيون المصري (ماسبيرو) التي خلت من أي إشارة إلى الأحداث، واكتفت ببث برامج اعتيادية ترفيهية واجتماعية وأفلام قديمة.
أما الصحف المملوكة للسلطة والقريبة منها، فقد ركزت على خطاب موحد، مفاده أن “الإخوان يعرضون فيديوهات مفبركة وينشرون مقاطع تعود لعام 2011 على أنها جديدة”، وهو ما تم خلال صحف “اليوم السابع” و”البوابة” و”فيتو”.
وخرجت مساء الجمعة، مظاهرات في ميدان التحرير والشوارع المحيطة به، وعدد من المحافظات، تطالب بتنحي “السيسي”، وإسقاط نظامه.
جاء خروج المصريين، فور انتهاء مباراة كاس السوبر المصري بين فريقي “الأهلي” و”الزمالك”، استجابة لدعوة رجل الأعمال والمقاول الذي فضح الفساد في الجيش “محمد علي”، وطالب الشعب، الخميس، بالتظاهر للمطالبة برحيل “السيسي”.
ويتعرض “السيسي” لانتقادات حادة، وسط دعوات للنزول إلى الشوارع والميادين للمطالبة برحيله، بعد اعترافه ببناء قصور واستراحات رئاسية لا حاجة لها، زاعما أنه “مخلص ووطني وشريف”، وأنه “يبني دولة جديدة”، متجاهلا تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وتفاقم حجم الديون الداخلية والخارجية.
اضف تعليقا