يبدو أن استهداف منشآت النفط السعودية، منتصف سبتمبر 2019، والأضرار الاقتصادية التي ترتبت على ذلك، مع عدم استطاعة المملكة الرد، دفع بالرياض لاتخاذ سياسة استراتيجية منخفضة السقف في حرب اليمن ضمن التوجه الأمريكي في المنطقة.
ورغم اتهام السعودية لإيران باستهداف منشأتي “بقيق” و”خريص” النفطيتين شرقي المملكة، وتبني الحوثيين للحادثة مع بُعد المسافة وعدم توفر الإمكانيات لديهم، فإنّ التوجه نحو وقف إطلاق نار في اليمن يدلل على تغير في التناول السعودي للملف برمته.
تهدئة جزئية مع الحوثي
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، يوم الجمعة (27 سبتمبر 2019)، عن أشخاص مطلعين على الموقف السعودي من وقف جزئي لإطلاق النار (لم تسمهم) قالوا: إن “هذا الإجراء يأتي رداً على إعلان جماعة الحوثي قبل أيام وقف الهجمات ضد السعودية”.
وقالت الصحيفة: إن “الرياض وافقت على وقف محدود لإطلاق النار في 4 مناطق، من بينها العاصمة اليمنية صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون منذ عام 2014”.
وأضافت: إنه “في حال نجح هذا الأمر فسيسعى السعوديون إلى توسيع الهدنة لتشمل أجزاء أخرى من اليمن”.
وحول ذلك قال المحلل السياسي عمر عياصرة: إن “السعودية تريد التهدئة في الملف اليمني؛ بسبب أن الضربة الكبيرة في الفترة الأخيرة ضد أرامكو كانت مؤذية، حيث انكشفت السعودية عسكرياً، وتراجعت هيبة الحكم أمام الرأي العام السعودي، ما اضطر المملكة إلى أن تلتقط أنفاسها أو التعجيل نحو استراتيجية خروج، وهو السبب الرئيسي”.
وأضاف عياصرة في حديث خاص مع موقع “الخليج أونلاين”: إنّ “هناك توجهاً أمريكياً جاداً لنزع ورقة الحوثيين من إيران وإغلاق هذا الملف، وهناك ضغط في المؤسسات الأمريكية حول ذلك، وقد قال ديفيد شينكر (مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى)، في الأيام الماضية، إن الحوثي والمجلس الانتقالي والحكومة الشرعية كلهم أطراف في العملية السياسية، والسعودية تستجيب بشكل كبير للمقاربة الأمريكية”.
وبيّن عياصرة أن هذا “جاء لتخفيف الضغط على الإيرانيين والحوثيين؛ لأن الضربة ولّدت ضغطاً كبيراً على طهران، وأصبحت هناك محاولة شيطنة لإيران، ومحاولة سحب للخطاب الدبلوماسي الذي قدّمته بشكل جيد أمام الأوروبيين، والمبادرة الحوثية كانت للتخفيف عن ذلك، وأيضاً حتى يضع السعودية أمام مسؤولية أن الحوثي يريد أن يكون طرفاً رئيسياً، وأنهم من قام بالضربة، ونتوجّه إلى حوار سياسي وطاولة وتهدئة وحسن نية”.
وكانت جماعة الحوثي قد أعلنت، الجمعة الماضي، “مبادرة سلام” تتمحور حول وقف الهجمات على السعودية “بالطيران المسير والصواريخ الباليستية وكافة أشكال الاستهداف”، قائلة: “ننتظر رد التحية بمثلها أو بأحسن منها” من جانب الرياض.
وشدد عياصرة على أنه “ثمة تنسيق وخطوط مفتوحة تحت الطاولة بين الإمارات والحوثيين، وكذلك بين الإمارات وإيران، لعدم استهداف دبي وأبوظبي بنفس طريقة استهداف المدن السعودية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية؛ لأن الإمارات لا يمكنها تحمل أي شيء مشابه، كما أن أجندة أبوظبي في الجنوب اليمني مختلفة، ويمكن أن تكون مساعدة لتوجه الحوثيين؛ لوجود مصالح متبادلة فيما بينهم”.
الصحيفة نقلت أيضاً عن مصادر مطلعة قولها: إن “إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تستعد لبدء محادثات مباشرة مع الحوثيين”، مضيفة أن واشنطن ستحث السعودية على المشاركة في محادثات سرية مع قادة الحوثيين في سلطنة عُمان.
وبينت أن المحادثات المزمع عقدها في عُمان تعكس عدم وجود خيارات عسكرية قابلة للتطبيق أمام التحالف في اليمن.
الخبير السياسي عياصرة اعتبر أنّ “عُمان وسيط ذو دور جيد ونزيه، وعلى ما يبدو فإن واشنطن تريد أن تكون المحادثات في السلطنة”.
كما كشفت مصادر “وول ستريت جورنال” أن الدبلوماسي المخضرم، كريستوفر هينزل، الذي عُين سفيراً في اليمن في أبريل الماضي، هو من سيقود هذه المحادثات.
وأشارت إلى أن مسؤولين أمريكيين سيلتقون هذا الأسبوع عدداً من المسؤولين السعوديين في واشنطن، بينهم الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي؛ في مسعى لإقناعهم بأهمية تبني نهج الدبلوماسية في اليمن.
لكن جماعة الحوثي علّقت على تسريبات الصحيفة الأمريكية، على لسان القيادي فيها محمد علي الحوثي بقوله: “مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى (للحوثيين)، مهدي المشاط، تنص على الوقف الكامل للعدوان، ولا صحة لأي تسريبات من جانب العدو عن وقف جزئي”.
وأردف: إن “التسريبات التي تناولتها بعض الصحف الأمريكية عن اتفاق مع السعودية لوقف القصف في 4 مناطق تظل تسريبات لا جهة رسمية تقف خلفها”، مؤكداً أن الحوثيين لن يقبلوا إلا “بوقف شامل للعدوان ورفع الحصار”.
المحادثات ليست جديدة
وإن كانت المحادثات مع الحوثيين ليست جديدة ولكنها كانت تخرج ضمن تسريبات لوكالات عالمية، دون تصريحات من قبل السلطات السعودية أو مسؤولي الحوثي.
ففي مارس 2018، كشف دبلوماسيون يمنيون عن وجود مباحثات سرية تجري بين السعودية ومليشيات الحوثي في سلطنة عُمان، دون علم الحكومة الشرعية.
ووفقاً لوكالة “رويترز” فإن المباحثات السرية في سلطنة عُمان بدأت منذ أكثر من شهرين، ويعقد الطرفان لقاءات متواصلة لبحث وقف الحرب في اليمن، بعد فشل عقد جلسات مشاورة بين الحكومة الشرعية والحوثيين منذ أكثر من عامين.
وكانت تلك المحادثات بدفع أمريكي للسعودية لإجراء مباحثات مع الحوثيين، في إطار الضغوط المستمرة من قبل الكونغرس على إدارة الرئيس دونالد ترامب، بشأن وقف المساعدة العسكرية الأمريكية للسعودية في حرب اليمن.
وأسفر الضغط عن تراجع هذا الدعم بعد أن أصدر الكونغرس إجراء في هذا الصدد وقف وراءه الجمهوريون والديمقراطيون، ما اضطر الرئيس دونالد ترامب إلى استخدام الفيتو، ولم ينجح الكونغرس في تأمين ثلثي الأصوات لتجاوزه.
وفي 9 سبتمبر الجاري، كشف ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشرق الأدنى، لأول مرة، عن محادثات ستجري مع الحوثيين بشكل مباشر، معلنة أنها بهدف إيجاد حل مقبول من الطرفين للحرب اليمنية.
بدوره قال عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي، عبد الملك العجري: إنه “في حال ذهاب الحوثيين إلى مفاوضات مع الولايات المتحدة فإن ذلك سيكون باعتبارها جزءاً من الحرب على اليمن”.
وأردف العجري أنهم ينظرون إلى الدعوات التي أطلقتها أمريكا للحوار بنوع من الريبة، ويشكّون في جديتها، وحمّل الولايات المتحدة المسؤولية القانونية والأخلاقية “عن العدوان على اليمن، وما يرتكب في حق اليمنيين من جرائم”.
وأوضح أن “الولايات المتحدة ترى في استمرار العدوان على اليمن مصدراً للتمويل من خلال صفقات السلاح”.
ويعيش اليمن أوضاعاً سيئة منذ انقلاب الحوثيين على الحكومة الشرعية، في سبتمبر 2014، والذي أعقبه تدخُّل السعودية والإمارات بتحالف، في مارس 2015، أودى بحياة آلاف من اليمنيين، جلُّهم من الأطفال والنساء، وسط انتشار مرض الكوليرا والمجاعة، نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه السعودية.
اضف تعليقا