تعلقت أنظار المصريين من جديد بوسائل التواصل الاجتماعي في أعقاب انتشار مقاطع فيديو لرجل الأعمال المصري الهارب “محمد علي”، التي تمت مشاهدتها على نطاق واسع، بسبب النطاق الهائل لفساد الجيش الذي تم الكشف عنه في هذه المقاطع.
وفي مقاطع الفيديو، التي يتم حظر بعضها بواسطة “فيسبوك”، اتهم “علي”، الذي يقول إنه عمل في مشاريع بناء مع الجيش المصري لمدة 15 عاما، الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” بالفساد والمحسوبية.
وتضمنت مزاعم “علي” تفاصيل ونفقات لمشاريع قام بتنفيذها الرئيس وزوجته والعديد من المسؤولين العسكريين، وقال “علي” بغضب إنه بينما ظل “السيسي” يؤكد علنا أن مصر فقيرة، فقد أجرت زوجة “السيسي”، انتصار”، تعديلات على أحد القصور الرئاسية بتكلفة أكثر من 25 مليون جنيه مصري، أي نحو 1.5 مليون دولار أمريكي.
وقد أكد “علي” على “فساد” القوات المسلحة التي تسند المشاريع بالأمر المباشر بدلا من جعل الشركات تتنافس فيما بينها عبر المناقصات.
ومنذ أن أطاح “السيسي” بالرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا، “محمد مرسي”، عام 2013، أصبحت الشركات المملوكة للجيش أكثر ثراء وأكثر قوة، ويقول الخبراء إن الجيش المصري يمتلك ما يصل إلى 60% من الاقتصاد المصري، وهو رقم أعلى بكثير من مزاعم “السيسي” المتكررة بأن اقتصاد الجيش لا يمثل سوى 1.5% من اقتصاد مصر.
ويتجاوز الاقتصاد العسكري المصري الاحتياجات العسكرية الفعلية، ليشمل العديد من المنتجات والخدمات غير الضرورية لعمل الجيش، وبالنظر إلى انعدام الشفافية المحيطة بعمل الجيش، يكاد يكون من المستحيل الحصول على أي أرقام دقيقة، ومع ذلك، يجمع الخبراء وغيرهم على أن القوات المسلحة المصرية تسيطر على كل قطاع اقتصادي تقريبا.
ولدى الجيش المصري أيضا أسهم في العديد من الشركات الحكومية والخاصة، خاصةً في مجالات البنية التحتية، وقد تم تخصيص المناصب العليا في المطارات وغيرها من المناصب التنفيذية في المحليات لجنرالات الجيش المتقاعدين منذ أعوام.
امتيازات خاصة للجيش فقط
وفي عام 2016، أصدر “السيسي” قانونا يعفي الجيش من دفع الضرائب على السلع والمواد الخام اللازمة للعمل في مجال البناء، وقد جعل هذا رجال الأعمال المصريين الكبار، مثل “نجيب ساويرس”، حذرين من القيام بأي عمل تجاري في بلادهم، وقد قال “ساويرس” علانيةً إنه ينبغي دراسة تقديم هذه الإعفاءات للشركات الخاصة أيضا من أجل ضمان عدالة المنافسة.
وقال “مختار كامل”، وهو موظف سابق في صندوق النقد الدولي، إن القانون لا يترك أي فرصة لمنافسة حقيقية من قبل القطاع الخاص، لأنه لا توجد شركة خاصة تستطيع التنافس مع الجيش، ومن المعروف أن غياب المنافسة الحقيقية يضر بالاقتصادات.
وأضاف “كامل”: “لا تتمتع شركات الجيش فقط بالإعفاءات من الضرائب، بل تدفع تكاليف عمالة لا تُذكر أيضا، حيث تستخدم الشباب المجندين إجباريا كعمال، مع مكافآت متواضعة للغاية، كما تستخدم أيضا السلطة السياسية لتوجيه الموارد للمشاريع الأكثر ربحية لها”.
ولا يخيف الإعفاء الضريبي للجيش رجال الأعمال المصريين مثل “نجيب ساويرس” فقط، ولكن أيضا المستثمرين الأجانب الذين يشعرون بعدم الاستقرار بسبب تورط الجيش في الأنشطة المدنية، حيث يشكون من المزايا التي يتم منحها للشركات التي يملكها الجيش.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت اليد العليا للجيش المصري في الاقتصاد تخيف المستثمرين الأجانب حقا، أجاب “كامل”: “نعم، باستثناء الشركات الضخمة متعددة الجنسيات التي تدخل الاقتصاد المصري لاحتكار بعض المشاريع التي ليست بالضرورة مفيدة للاقتصاد ككل، أو التي قد تكون آثارها الجانبية الاجتماعية والبيئية سلبية بشكل واضح”.
وأوضح “كامل”: “لقد حصلوا على هذه الاحتكارات أو التنازلات بفضل العمولات الضخمة التي يدفعونها، وهناك أيضا الأموال الساخنة، التي تدخل وتخرج في وقت قصير جدا من التداول في سوق الأوراق المالية. وهذه ليست استثمارات مثمرة بالمرة”.
وحذر صندوق النقد الدولي في سبتمبر/أيلول 2017 أن أهدافا مثل تنمية القطاع الخاص وخلق فرص العمل “تواجه عقبات بسبب مشاركة الكيانات التابعة لوزارة الدفاع المصرية”.
خطوات لازمة لتعزيز الاقتصاد
وادعى صندوق النقد الدولي هذا العام أن الإصلاحات الاقتصادية التي تم فرضها في مصر بدعم من الصندوق ساعدت في تعزيز النمو والحد من البطالة.
ومع ذلك، يجادل “كامل” بأن الوضع الاقتصادي في مصر لا يمكن أن يتحسن إلا عندما يتم إصلاح النظام السياسي من الاستبداد إلى الديمقراطية، مع وضع آليات للمساءلة.
وقال: “إن الفصل الحقيقي بين السلطات أمر لا بد منه”.
ويقترح “كامل” أيضا بعض الخطوات الجريئة التي تعد شرطا أساسيا لتحسين الأداء الاقتصادي في مصر.
وفي ذلك قال: “لاقتلاع الاستبداد المتوغل في بلدٍ كبير مثل مصر، هناك حاجة إلى ثورة ذات رؤية تقدمية، لكن من الصعب للغاية تحقيقها، وعلى الأرجح، ستكون هناك فترة طويلة من الفوضى قبل ظهور شيء إيجابي، أشعر أن الإصلاح على طريقة الثورة الفرنسية قد يكون وشيكا في البلاد”.
وفي حين يتمتع الجيش بمكاسب مالية مربحة من تدخله المكثف في الاقتصاد المصري، تظهر رسالة تم تسريبها من رئيس البنك المركزي المصري أرقاما مذهلة فيما يتعلق بديون البلاد، فقد ارتفع الدين الخارجي إلى أكثر من 106 مليارات دولار أمريكي في عام 2019. وتمت طباعة 671 مليار جنيه مصري، أي أكثر من 61 مليار دولار أمريكي، بدون غطاء نقدي أجنبي.
وفي هذه الأثناء، بينما يواصل الجيش الاستفادة بقوة من هذا الفساد، يغرق الاقتصاد المصري أكثر فأكثر، ويعاني الناس العاديون في معيشتهم. ومع ذلك، خرج مئات المتظاهرين الشجعان في جميع أنحاء مصر إلى الشوارع مرة أخرى لأول مرة منذ عدة أعوام لشجب ممارسات الرئيس والمطالبة بإنهاء نظامه.
وتعمل مقاطع الفيديو الفيروسية المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي على تأجيج هذه الاضطرابات الاجتماعية في مصر، كما يحدث منذ عام 2018 في الجزائر والسودان، فهل تكون هذه المقاطع بداية لثورة جديدة؟
اضف تعليقا