منذ فوز قطر باستضافة كأس العالم في عام 2022، دعت أصوات كثيرة إلى نقلها إلى بلد آخر؛ ولكن منذ اندلاع أزمة مجلس التعاون الخليجي في منتصف عام 2017، اتخذت هذه القضية مستويات جديدة من التعقيد.

عندما فرضت البحرين ومصر والسعودية والإمارات حصارا على قطر في يونيو/حزيران 2017، فإنها بررت ذلك بتدخلات الدوحة المزعومة في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، ورعاية المنظمات “الإرهابية”، وعلاقتها الدافئة نسبيا مع إيران، والسياسة الإعلامية في قطر.

 

الصراع حول كأس العالم

لكن على رأس العوامل غير المذكورة غالبا التي ساهمت في أزمة الخليج، كان نية خصوم قطر في منعها من استضافة كأس العالم عام 2022، أو على الأقل إجبارها على مشاركة الحدث الرياضي العالمي مع دول الحصار.

في الواقع، بعد أربعة أشهر من فرض الحصار على قطر، صرح رئيس أمن دبي قائلا: “إذا تنازلت قطر عن كأس العالم ستنتهي الأزمة، لأن الأزمة قد نشأت لكسرها”.

من وجهة نظر الرياض وأبوظبي، شكّل صعود قطر تهديدا منذ منتصف التسعينيات، وازداد بشكل خاص منذ اندلاع ثورات الربيع العربي في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير في عام 2011.

وكشف القرار السعودي الإماراتي بحصار الدوحة قبل 28 شهرا عن مخاوف البلدين تجاه الدوحة. وكان من الممكن أن يحفز نمو العلامة التجارية القطرية، التنافس الصحي داخل دول مجلس التعاون؛ لكن ذلك لم يحصل.

وبدلا من ذلك، يُنظر إلى نجاح قطر في الرياضة العالمية على أنه مشكلة كبيرة بالنسبة لفرص دول الخليج العربي الأخرى في إنشاء علاماتها التجارية الرياضية الوطنية؛ ونتيجة لذلك، تحولت المنافسة بين قطر والإمارات تحديدا إلى “لعبة صفرية”، بحسب ما يصفها موقع “إنسايد أرابيا” الأمريكي المتخصص في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وبحسب ما ترجم “الخليج الجديد” عن الموقع الأمريكي، فإنه طوال أزمة مجلس التعاون، أبقت دول الحصار إفشال خطط إقامة كأس العالم 2022 في قطر بالاعتبار، وسعت إلى منع الدوحة من الاستفادة من الحدث العالمي.

ومما لا شك فيه، أن حدثا ناجحا مثل كأس العالم سيقوض بشدة آمال هذه الدول في إبعاد قطر وإقناع العالم بضرورة عزلها.

مجموعة من المقالات بعد فترة وجيزة من بدء الحصار، أثارت تساؤلات حول القدرة اللوجستية لدولة قطر على استضافة كأس العالم، وشكك الهجوم الإعلامي في إمكانات تنفيذ الحدث العالمي في بلد تعتبره العديد من الدول العربية ذات النفوذ محكوما بنظام “منبوذ” يزعزع استقرار الشرق الأوسط عبر الجماعات الإسلامية.

في نفس اليوم الذي دخل فيه الحصار حيز التنفيذ، نقلت مقالة نُشرت في صحيفة “الجارديان” البريطانية، عن “راينهارد جريندل”، رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، قوله: “على مجتمع كرة القدم في جميع أنحاء العالم أن يمنع ذلك. لا ينبغي أن تقام البطولات الكبرى في البلدان التي تدعم الإرهاب بنشاط”.

علاوة على ذلك، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في وقت سابق من هذا العام، أن الإمارات استأجرت شركة “كورنرستون غلوبال أسوشيتس” ومشرعا بريطانيا هو “داميان كولينز” لإطلاق حملة تهدف إلى تشويه صورة قطر لمنعها من استضافة كأس العالم 2022.

وفي يوليو/ تموز 2018، نشرت صحيفة “صنداي تايمز” مقالا بعنوان “حصري: قطر حصلت على كأس العالم 2022 من خلال عمليات سوداء”، نقلت فيه معلومات مزعومة عن “كولينز” الذي دعا الفيفا إلى التحقيق في مزاعم أن قطر حصلت على حق التنظيم في عام 2010 من خلال وسائل غير مشروعة، وطلب تجريد الإمارة من حقوق الاستضافة الخاصة بها إذا أكد التحقيق على الادعاءات.

 

حملات إماراتية

تتلاءم مثل هذه الأنشطة في مجال العلاقات العامة، مع الجهود الإماراتية الأكبر، التي تهدف إلى نبذ قطر في الغرب من خلال تمويل الحملات التي تهدف إلى دفع الصحفيين ومؤسسات الفكر والروابط الإعلامية في الولايات المتحدة وبريطانيا لتصوير قطر كدولة يجب عزلها.

وكما ذكر موقع “ذا إنترسبت” في عام 2017، كانت محاولات الإمارات والسعودية المزعومة لشن حرب مالية ضد قطر بعد اندلاع أزمة الخليج، تهدف إلى إجبار قطر على التخلي عن المشاركة في كأس العالم 2022، استنادا إلى حجة مفادها أن الدوحة لن يكون بمقدورها تأسيس البنية التحتية اللازمة لاستضافة الحدث.

وكانت الخطة الإماراتية تهدف لإحبار الدوحة على إنفاق احتياطاتها الأجنبية على حماية العملة وأسواق الائتمان المحلية، من أجل تقليل الأموال المتاحة لتمويل الإنفاق على البنية التحتية.

 

زيادة عدد الفرق.. الخطوة الخاسرة

وفي وقت سابق من هذا العام، تم الحديث عن زيادة عدد فرق كأس العالم من 32 إلى 48 فريقا، وأثار ذلك العديد من الأسئلة حول دول الخليج الأخرى التي ستشارك حقوق ومسؤوليات الاستضافة مع قطر؛ لكن من الواضح أن الخلاف العربي أدى إلى تعقيد احتمالات ترتيب المشاركة.

لذلك، يقول تقرير الموقع الأمريكي الذي ترجمه “الخليج الجديد”، ما لم تنته الأزمة بين دول الحصار وقطر، لا يمكن توسيع كأس العالم ليشمل الدول المحاصرة، وكان هذا على الأقل، الاستنتاج الذي توصلت إليه الفيفا في دراسة جدوى من 81 صفحة نظرت في المتغيرات اللوجستية والسياسية.

وكان القرار هو أنه، طالما ظل حصار قطر من قبل جيرانها العرب مستمرا، فلن يكون بمقدور الفيفا أن تطلب من قطر مشاركة الألعاب مع دول الحصار.

وفي يناير/كانون الثاني، قال “محمد خلفان الرميثي”، رئيس هيئة الرياضة في الإمارات، إن أبوظبي ترحب بخطط بلاده لاستضافة كأس العالم 2022 مع قطر إذا أمكن حل النزاع الداخلي بدول مجلس التعاون أولا.

كما أعرب رئيس الفيفا “جياني إينفانتينو” بفكرة استضافة قطر وجيرانها الحدث العالمي كطريق نحو حل أزمة الخليج. ومع ذلك، فإن فكرة “إنفانتينو”، رغم أنها ممكنة في عالم مثالي، فقد كانت بعيدة عن الواقع.

في الحقيقة كانت الفكرة أبعد ما تكون عن الواقع، حيث تعد كرة القدم بطبعها رياضة عدوانية تتعلق بغزو النصف الآخر من الملعب، كما أنها تثير المشاعر والولاءات القبلية بطبيعتها، والتي غالبا ما تقسم ولا توحد، وفي حالات الصراع، تميل كرة القدم إلى توفير ساحة معركة إضافية.

 

خسائر اقتصادية

وقد عانت التنمية الاقتصادية في دبي من أزمة دول الخليج، وعلى الأخص مع خسارة ميناء “جبل علي” الكثير من الأعمال أمام الموانئ العمانية التي أصبحت مراكز لوجستية جديدة للتجارة القطرية والتجارة الدولية في قطر.

بالإضافة إلى ذلك، لم يعد القطريون يأتون إلى دبي كسائحين أو يشترون عقارات باهظة الثمن كما فعلوا قبل منتصف عام 2017، ومن المرجح أن استمرار انقطاع العلاقات سيكلّف الإمارة العديد من الفوائد التي كان يمكن جنيها بفضل كأس العالم 2022، فيما لو شاركت باستضافته.

وكان بإمكان دبي أن تستضيف المشجعين الذين يريدون أيضا تجربة دبي كسائحين، لكن غياب حل لأزمة الخليج، ستفقد مناطق الجذب السياحي الرئيسية في الإمارات فرصا للربح من كأس العالم الذي يقام في قطر القريبة.

علاوة على ذلك، مع فوز شركات المقاولات التركية بالعديد من المشاريع المتعلقة بكأس العالم في قطر، فقد حرمت شركة “إعمار” وغيرها من شركات المقاولات في الإمارات من فرصة الفوز بمثل هذه العقود.

وأخيرا، هناك تكاليف عاطفية يجب دفعها أيضا، وعلى افتراض أن الحصار لا يزال ساري المفعول في عام 2020، سيتم حرمان المشجعين البحرينيين والإماراتيين والسعوديين من الفرصة الأكثر إثارة لحضور أول بطولة كأس عالم تقام في الشرق الأوسط، ناهيك عن أنها تقام في بلد خليجي