لا أستطيع الوقوف على تفسير واضح لانسحاب القوات الأمريكية من بعض أراضي دول الشرق الأوسط خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، ذلك الانسحاب الذي صوحب برشق الجنود الأمريكيين بالخضروات الفاسدة أثناء مغادرتهم لأراضي شمال سوريا بعد إعلان دونالد ترامب رغبته في إخراج أمريكا من “حروب لا نهاية لها” في العالم الإسلامي.

هذه التصريحات الأخيرة بالنسبة لي أشبه بتعهدات باراك أوباما بإغلاق معتقل جوانتانامو، والتي لم تتنفذ، ولا أظن أن أحداً الآن غير أنصار ترامب المتشددين سيأخذ هذه التصريحات على محمل الجد.

القرارات الغريبة التي اتخذها ترامب منذ وصوله البيت الأبيض شكلت حيرة كبيرة للجميع، بما فيهم المستشارين والمراقبين، لم يفهمه أحد، ولم يستطع أحد تفسير تصرفاته، إلا أنه وبغض النظر عن كل هذا، فإن صدق في تصريحاته الأخيرة فهذا يعني أنه بدأ يسير على الطريق الصحيح حتى لو كانت بأساليب غير تقليدية، فعدم وجود قوات أمريكية في منطقة الشرق الأوسط، يعني أن العالم العربي سيحظى بفرصة أفضل لحل مشاكله الداخلية، حتى تلك الناتجة عن التدخل الغربي.

انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أثار غيرة جيرانهم العراقيين، الذين بدأوا في إعلانها صراحة أن القوات الأمريكية لم يعد مرحب بهم ولا داعي لاستمرار تواجدهم.

من ناحية أخرى، تسبب إعلان ترامب اعتزامه إبقاء القوات الأمريكية في العراق مع التأهب لاتخاذ أي اجراء ضد إيران التي أعلن أن تواجد قواته في العراق الهدف منه مراقبة إيران، وهو الإعلان الذي أغضب العديد من السياسيين العراقيين الموالين لطهران.

مع موجة الانسحابات الأمريكية من دول الشرق الأوسط، أتساءل: هل يمكن أن يتم انسحابهم من أفغانستان أيضاَ؟ في الواقع لم يكن هناك أي داعي أن تشن الولايات المتحدة حرباً ضد طالبان، ومنذ ذلك الوقت، وتحاول الإدارات الأمريكية المتعاقبة إيجاد طرق للخروج من هذه الحرب، أو هذا المأزق إن صح القول، كما فعل الاتحاد السوفيتي وحتى الجيوش البريطانية السابقة.

جينكيز سايمون، الصحفي في الغارديان، كتب مؤخراً “لا شيء في التاريخ الحديث للشرق الأوسط يوازي بشاعة الحروب الأمريكية التي تبعت 11 سبتمبر، حتى حركة طالبان أو انتهاكات نظامي صدام والأسد لم يكونوا بمثل هذه البشاعة التي لا تُصدق”، “لقد تصرف الأمريكان بلا رحمة”.

على الرغم من قرارات ترامب المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي لم تكن سوى تحطيم أي فرصة للسلام، بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل العام الماضي، وسحب تمويل اللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بضم تل أبيب “غير الشرعي” لمرتفعات الجولان في سوريا، لا زالت أمامه فرصة لتدارك الأمر ولو بصورة جزئية، وذلك بأسلوبه الغريب في القيادة.

أخيراً، ربما تشهد الفترة المقبلة بداية نهاية ما يقرب من قرن من التدخل الأمريكي المدمر في الشرق الأوسط، في اتباع لخطى الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن أقل تدميراً من الوضع الحالي.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا