القادة الإيرانيون لا يتوانون عن نفي رغبتهم في إعادة إنشاء الإمبراطورية الفارسية في الشرق الأوسط، على عكس التوقعات الدولية التي تؤكد رغبتهم في ذلك.
الولايات المتحدة مثلاً تؤكد ان إيران ليست قوة إمبريالية، وهو ما تؤكده الاحتجاجات اللبنانية الفترة الحالية، حيث أصبحت صلات إيران المالية والعسكرية الوثيقة بالمنظمة السياسية الشيعية الرائدة في البلاد، محور الاحتجاجات الغاضبة في الشارع خلال الأسبوع الماضي.
من الصعب أيضاً القول بأن إيران لها نوايا طيبة في تدخلها في صراعات العالم العربي، أو اعتبارها دولة مجاورة صديقة مع دعمها للحوثيين في حربهم في اليمن، والتي نتج عن تلك الحرب المستمرة منذ أربع سنوات أكثر من 100 ألف قتيل، معظمهم من المدنيين الأبرياء، وعلى ما يبدو فإن القطبين الإسلاميين الكبيرين في المنطقة قد استغلوا تلك الحرب لتحقيق مصالح شخصية، لتصبح الحرب بين إيران الشيعية والسعودية السنية، لتتنافس القوتين على الهيمنة الإقليمية.
التأثير الكبير لفيلق الحرس الثوري الإسلامي داخل المؤسسة الدينية “المتشددة” في إيران، وعلاقاته الوثيقة بالقائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، هي عوامل أساسية لخلق قلق داخل الوسطيين، وهي كذلك سياسة محفوفة بالمخاطر تتمثل في سياسة التواصل الجيوسياسي الغير آمنة، والتي أفرزا اللواء قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، وهو من أبرز “صقور اللواء” كما يتم تلقبيه.
العوامل السابقة كانت تمهيداً لظهور سليماني في العراق الأسبوع الماضي، والذي لم يكن مفاجئاً علي الإطلاق، في ظل الأجواء الحالية بعد خروج الشعب العراقي -بما فيهم الشيعة- في مظاهرات حاشدة في العاصمة بغداد وغيرها من المدن مطالبين بالإطاحة بالحكومة.
عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، مدين بمنصبه الحالي لإيران، التي بدورها أصبحت الآن “سمسار” القوة الرئيسي في العراق بعد انسحاب معظم القوات الأمريكية عام 2011، حيث تُعتبر العراق بلد آخر ضمن خطة “عدم إقامة إمبراطورية فارسية”، وبالطبع لا ينوي سليماني التخلي عنه.
سليماني فسر تواجده في العراق بأن “أمن العراق مهم بالنسبة لنا وقد ساعدناهم في الماضي”، وفي سياق متصل، صرح مسؤول إيراني آخر حول تلك الزيارة بأن “قائد قوة القدس يسافر إلى العراق ودول إقليمية أخرى بانتظام، خاصة عندما يطلب حلفاؤنا مساعدتنا”.
من الجدير بالذكر أنه في الواقع، كان سليماني يقرع الرؤوس في أعقاب تهديدات زعماء الشيعة الرئيسيين بالتخلي عن عبد المهدي.
نجاح سليماني في إصلاح الأمور يشير إلى أن احتمال استقالة رئيس الوزراء قد تراجع، وهو احتمال لا يبشر بالخير بالنسبة للعراق.
الجمعة الماضية، أي بعد يومين من تدخله، شهدت بغداد أكبر مظاهرة مناهضة للحكومة حتى الآن، طالب فيها المتظاهرون تطهيرًا جذريًا للنخبة الحاكمة في العراق- بغض النظر عن الولاءات الطائفية والعرقية – كذلك طالبوا بوضع حد للتدخل الإيراني في البلاد.
هذا التحدي للنظام القائم لم يسبق له مثيل في مرحلة “ما بعد صدام”، ليشكل بذلك مشكلة لطهران أيضاً، بل شكَّل مشكلة وجودية لنظام التقاسم الديمقراطي الهش الثلاثي للسلطة في العراق الذي تم تجميعه معا بعد غزو عام 2003.
لقد فشل قادة العراق في كثير من الأحيان في توفير الاحتياجات الأساسية للشعب، مثل المياه النظيفة والكهرباء، كما يعاني الشباب العراقي من البطالة وعدم توافر فرص عمل، كذلك فإن السياسيين، سواء كانوا من العرب السنة أو الشيعة أو الأكراد، يتم إهمالهم على نطاق واسع باعتبارهم فاسدين وغير أكفاء.
في بلد يعد ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، ويمتلك 12٪ من احتياطي النفط العالمي، فإن مثل الإخفاقات المستمرة من قبل الحكومة يصعب تبريرها، ومن ناحية أخرى، ما زال العراق يعاني من آثار الاحتلال الأمريكي المؤلم، ومن الحرب المميتة التي يخوضها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
على صعيد آخر، الكثيرون في الولايات المتحدة وبريطانيا يتعاملون مع الملف العراقي باعتباره مغلقاً، ومع هذا فلا يمكن إغفال مسؤوليتها تجاه ما يحدث في العراق، فإن الدول الغربية التي تصرفت بقسوة وبشكل غير قانوني قبل سنوات لتغيير النظام العراقي ومن ثم السيطرة على شؤونها الداخلية والتحكم فيها، منوط بها الاستمرار في إيلاء ذات الاهتمام للعراق حتى تعبر لها لبر الأمان وتضمن تحقيق الديموقراطية فيها، وكذلك ضمان تطهيرها من الإرهاب، ومساعدتها في استعادة استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.
تمتد هذه المسؤولية في المقام الأول إلى الشعب العراقي، الذي يطالب بصوت عال ببداية جديدة.
في الأيام الأخيرة قُتل نحو 250 شخصاً وجُرح الآلاف، بسبب إصرار الشعب على العبور للديمقراطية، والعيش في دولة حرة وعادلة، كانوا قد وُعدوا بها في 2003.
عدد القتلى يشير إلى أن مذبحة قد حدثت في صفوفهم، وإذا كانت هذه المذبحة قد حدثت في هونغ كونغ أو برشلونة، لكانت استجابة العالم مختلفة، وكانت ضجة ليس لها مثيل قد عمت أرجاء العالم، فلماذا لا نهتم بالعراق وفقاً لما ندعيه بأننا نهتم بحقوق الإنسان؟
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا