ترجمة عن مقال للباحث والأكاديمي جيمس دورسي

تسعى السعودية حالياً جاهدة لإنهاء الحرب في اليمن من خلال المفاوضات المستمرة مع الحوثيين في محاولة لفتح حوار مع إيران، وهي الجهود التي من شأنها أن تضعف الجبهة الأمريكية ضد إيران، فعلى الأرجح سيتوقف الدعم السعودي لحملة الضغط الأقصى التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد الجمهورية الإسلامية.

 

يأمل المسؤولون السعوديون أن تؤدي المحادثات التي تتم بوساطة سلطنة عمان وبريطانيا بين المملكة ومتمردي الحوثيين في اليمن إلى إحياء المحادثات المتوقفة بين المتمردين اليمنيين وحكومة عبد ربه منصور هادي المدعومة من السعودية والمعترف بها دولياً، وعليه فقد أوكل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شقيقه الأصغر ونائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان مهمة إنهاء الحرب اليمنية كجزء من تجديد أوسع للسياسة الخارجية السعودية.

 

سياسة التجديد تلك تتضمن العودة إلى سياسة خارجية ودفاعية أكثر حذراً تتبنى التعددية بعد عدة سنوات تبنت فيها المملكة مقاربة حازمة وقوية لوحدها أنتجت العديد من الأزمات، بما في ذلك التدخل العربي بقيادة السعودية في الحرب اليمنية منذ أكثر من 4 سنوات ونصف.

 

الجدير بالذكر أن التغير في الموقف السعودي لم يكن وليد اللحظة، بل أعقب الهجمات التي استهدفت اثنتين من المنشآت النفطية الرئيسية في المملكة في مصنع بقيق، والتي اتهمت فيها إيران، وعلى الرغم من ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة الدعم المطلوب للسعودية في مواجهة تلك الهجمات، في صدمة جعلت السعودية تعيد حساباتها، فتفاعل ترامب مع تلك الأزمة أعطى إشارة أنه لم يعد لدول الخليج أن تعتمد على الولايات المتحدة في وقت الأزمات.

 

وكان ترامب قد صرح في أعقاب تلك الهجمات أنه “كان ذلك هجومًا على المملكة العربية السعودية، ولم يكن هذا هجومًا علينا. لكننا بالتأكيد سوف نساعدهم”.

 

قال مسؤول أميركي “مشارك” في السياسة الخليجية مؤخرًا إن “الهجمات جعلت السعوديين ودول الخليج الأخرى تدرك أن تصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية سيجعلهم أهدافًا في بيئة قد لا تساعدهم فيها الولايات المتحدة كذي قبل”.

 

مسؤول أمريكي آخر رأى أن “الهدف الرئيسي للسعوديين الآن هو تقليل مشاركتهم في اليمن، وجعل الحوثيين يتوقفون عن كونهم نسخة من “المندوب”، بحيث يمكنهم (السعوديون) التعامل مباشرة مع إيران”.

 

من جهة أخرى صرح مبعوث الأمم المتحدة في اليمن مارتن غريفيث لمجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع بأن عدد الهجمات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية قد انخفض بنحو 80 في المائة في الأسبوعين الأخيرين.

 

هناك دافع آخر وراء هذا التغير وربما هو الأبرز، فالسعودية تطمح في أن تقدم صورة مختلفة عن نفسها في قمة G20 عام 2020 والتي تضم أكبر 20 دولة في العالم، صورة أفضل من تلك التي شوهتها المواقف السعودية الأخيرة، سواء تدخلها في الحرب اليمنية أو جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي العام الماضي، وكذلك الحملة الشرسة التي شنتها السلطات السعودية على المعارضة.

 

من جهة أخرى، فإن الجهود السعودية لإنهاء الحرب من جهة، والمقاربة التي اعتمدتها الإمارات العربية المتحدة تجاه إيران في الأشهر الأخيرة من جهة أخرى، لم تمنع كبار المسؤولين السعوديين والإماراتيين من تبني خط متشدد في حوار المنامة هذا الأسبوع.

 

“التهدئة ببساطة لا يمكن أن تكون الحل مع إيران. نحن نحمل إيران مسؤولية الهجوم على بقيق. لا نريد حرباً، لكن إيران بحاجة إلى محاسبة”، هكذا صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في المؤتمر الذي عقد في البحرين مؤخراً، وأضاف “السؤال هو ما إذا كان بإمكان إيران التخلي عن طموحها في نشر الفتنة واحترام السيادة الداخلية للبلدان”.

 

من ناحيته، قال أنور قرقاش، وزير الخارجية الإماراتي “ألمانيا في عهد هتلر، الاتحاد السوفيتي قبل عقود، إيران اليوم: الدول التحريضية تهدد النظام الدولي. مفتاح الاستقرار هو الردع مع تصميم المجتمع الدولي على ضرورة تغيير إيران…. إذا لم يكن الأمر كذلك، فيجب زيادة العقوبات، وليس تخفيفها”.

 

الوضع في إيران كذلك مشتعل وغير مستقر بسبب التغيرات الاستراتيجية الجديدة، فالحكومة هناك شددت من قبضتها على المعارضة، وأقامت حصاراً حول المعارضين في محاولة منها لقمع الاحتجاجات المناهضة للحكومة، هذا الحصار جعل من الصعب على المتظاهرين نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تنقل الواقع بدقة، ومع ذلك فأشارت تقارير للعفو الدولية إن أكثر من 100 متظاهر قُتلوا حتى الآن على أيدي قوات الأمن.

 

الرياح في الخليج الآن تشير أنها تهب في اتجاه تخفيف حدة التوتر على جميع الجبهات، بما في ذلك جبهة قطر التي قاطعتها عدة دول عربية بقيادة السعودية منذ عامين ونصف.

يؤكد ذلك نية الإمارات والسعودية والبحرين المشاركة في بطولة كأس دول الخليج لكرة القدم والمقامة في قطر، على الرغم من المقاطعة القائمة بينهم، وقد وصف ذلك خالد جار الله- نائب وزير الخارجية الكويتي، والوسيط الرسمي في النزاع مع قطر، بأن تلك الخطوة  “تقدم مؤشرا واضحا على حدوث انفراج في الأزمة”.

كما صرح مسؤول سعودي، في لفتة نادرة، للمراسلين في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر أن قطر قد اتخذت خطوة نحو حل الأزمة من خلال إقرار قانون تمويل مكافحة الإرهاب، وهو مطلب رئيسي لبلدان المقاطعة.

 

من ناحيته، اعتمد وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة على الدفع ناحية نهج أكثر تعددية الأطراف في تصريحاته في حوار المنامة، مع ذلك فقد رفض دعوة إيرانية لإقامة هيكل أمني يشمل دول المنطقة ]الخليج العربي[، وأكد أن “مقترحات إيران الأمنية الإقليمية معيبة بشكل أساسي، لا سيما لأنها لا تشمل قوى خارجية”.

 

أخيراً، فإنه من المؤكد أن يقل الدعم السعودي والإماراتي لحملة الضغط الأمريكية الأقصى إذا استمرت الجهود الخليجية للحد من التوتر الداخلي فيما بينها، خاصة فيما يتعلق بإيران. ستكون عملية السلام في اليمن وحوار الخليج مع إيران خطوتان مهمتان في هذا الاتجاه.

 

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا