ما بين عشية وضحاها يصدر قرار من رأس المملكة بحسم جدل دام عقودا.. فللمرأة الحق في قيادة السيارة.. هكذا قرر الملك سلمان بن عبد العزيز في مرسوم لا يملك أحد دفعه أو نقاشه..

ليست القضية في القرار الذي لو كان الأمر طبيعيا لاعتبره كثيرون من باب الحقوق المهضومة التي تعود لأصحابها.. وإنما القضية فيما كان من محاولات علمائية “سلفية وهابية” لتأصيل المنع، ثم ما بين الصمت على الإباحة ومحاولة جديدة لتأصيلها.. وكأن غطرة علماء المملكة جاهزة دائما لتغطية عورة قرار “ولي الأمر”..

يذكر أن أول إمراة عربية حصلت على إجازة قيادة سيارة، هي السيدة المصرية: عباسية أحمد فرغلى وذلك في 24 يوليو 1920.

وكانت السيدة امينة علي صائب الرحال، العراقية، صاحبة أول إجازة قيادة خصوصي حصلت عليها عام 1936 وقادت سيارتها في شوارع بغداد.. تلتها السيدة: آمنة عطية وهي أول امرأة سودانية تقود سيارة وذلك في عام 1945.

أما الشيخة بدرية سعود الصباح، فهي أول كويتية تقود سيارة في الكويت وكان ذلك عام 1947، وأخيراً هناك سيدة امارتية اسمها موزة، كانت أول إماراتية تحصل على رخصة قيادة في دولة الامارات في الخامس من أغسطس عام 1976.

موقف هيئة الكبار

حتى صدور القرار مساء الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 كان موقف هيئة كبار العلماء في المملكة رافضا وبشدة ووصل بعضهم إلى تحريم قيادة المرأة للسيارة بدعوى أنها تساعد على نشر الرذيلة في المجتمع ويترتب عليها مفاسد ومحاذير كبيرة.

وعلى خلاف ما روج له علماء المملكة جاء القرار الملكي الصادر عن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ليؤكد أن هيئة كبار العلماء ما هي إلا أداة يستخدمها النظام تحلل له ما أراد وتحرم له ما يشاء.

وبحسب ما جاء في القرار فغن هيئة كبار العلماء التي أصدرت عشرات الفتاوى في السابق تحرم قيادة المرأة للسيارة وافقت على قرار الملك واعتبرته أمرا مباحا مع إضافة جملة “وفق الضوابط الشرعية”.

ويأتي على رأس هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ والذي لم يتردد في أن يعلنها في أكثر من مناسبة وآخرها في إبريل الماضي حيث أكد أن قيادة السيارة “قد تفتح على المرأة أبواب الشر ولا تنضبط الأمور ، والمطلوب منا أن لا نقر هذا الأمر لأنه خطير ويعزز الشرور وربما تخرج المرأة وحدها بالسيارة وتذهب لكل مكان من دون علم أهلها”.

فتوى أخرى للشيخ عبد المحسن العبيكان المستشار بالديوان الملكي السابق والتي أعلن فيها تحريمه لقيادة المرأة للسيارة ومن بين الأسباب التي ساقها العبيكان الاختلاط والزحمة والخوف على المرأة من الفتنة وانتشار الرذيلة بالإضافة إلى أسباب أخرى اقتصادية وبيئية ، ودعى أولياء الأمور لتوفير سائق أجنبي لهم وهو الأمر الذي يعطي يتناقض مع أفتى به من احتمال الوقوع في الخلوة غير الشرعية، والمفاسد العظيمة التي يترتب عليها.

وعن ركوب المرأة للراحلة في عهد الصحابة  يقول الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء أنها لم تكن تمثل خطرا على المرأة ولم يترتب عليها مفاسد .

وخلال لقاء تلفزيوني أضاف الشيخ : ” قيادة المرأة للسيارة فيها مفاسد وخطر ومحاذير كبيرة فلذلك تمنع منها والمرأة إذا ملكت سيارة سارت تذهب لما شاءت ليلا ونهارا ولا أحد يمنعها وليس للرجل عليها سلطة، فهذا فيه مفاسد خطيرة”.

ووافقه الرأي كل من الشيخ محمد بن صالح العثيمين والشيخ عبدالعزيز بن باز الذي اعتبر قيادة المرأة للسيارة فساد وبلاء كبير.

آراء غريبة

من جهة أخرى يربط مجلس الإفتاء الأعلى في المملكة العربية السعودية، بين عذرية النساء والسماح لهن بقيادة السيارة، واعتبر المجلس السماح للمرأة بالقيادة يساهم في انتشار الرذيلة والشذوذ وتختفي معه عذرية البنات.

وذهب لأبعد من ذلك عضو هيئة كبار العلماء ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، والذي برر رأيه الفقهي بتحريم القيادة بأن للأمر تأثير فسيولوجي وعضوي على المرأة وأنها حين تقود ” سينشغل منها الذهن والفكر والعقل وحينما تجلس طويلا يرتد الحوض إلى الخلف وعن طريق الارتداد يحدث ضغط على المبايض”.

واعتبر كمال صبحي، الأستاذ السابق في جامعة الملك فهد، قيادة المرأة للسيارة تهدد عذريتها، وبرر ذلك بأن قيادتها للسيارة سينتج عنها زيادة في معدلات الدعارة والطلاق.

واستشهد الداعية عيسى بن مانع بالعديد من القواعد الفقهية في حكمه على عدم جواز قيادة المرأة للسيارة في المملكة من بينها القاعدة التي تقول”ما غلب خيره فهو جائز وما غلب شره فهو محرم”، وقاعدة “درء المفاسد أولى من جلب المصالح” وقاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، وقاعدة “أن ما أفضى إلى محرم فهو محرم”، وعدد “مانع” 16 ضررا سوف يجنيها المجتمع السعودي من قيادة المرأة.

ومن بين هذه الأضرار بحسب فتواه المنشورة على موقع صيد الفوائد ” إثارة الناس أو كثير منهم على ولي الأمر وإثارة الفتنة داخل المجتمع السعودي، وزيادة عدد السيارات في السعودية، وتمرد المرأة على أهلها وزوجها، وكثرة الحوادث، والدعوة للاختلاط لأن المرأة بحاجة لرخصة والرخصة بحاجة لإدارة مرور وإدارة المرور بحاجة لمراجعة والمراجعة بحاجة .. “.

ومن بين الأضرار التي ساقها الداعية الإماراتي زيادة نسبة الطلاق والتفكك الأسري وانتشار الشكوك والخلافات الزوجية، وضياع الأبناء والبنات وزيادة نسبة الأعباء الاقتصادية على الدولة، ونزع جلباب الحياء و انتهاك الأعراض و انتشار الرذيلة، وخلع الحجاب.

آراء عقلانية

في المقابل كانت هناك آراء أكثر نضجا وعقلانية لبعض العلماء غير المحسوبين على النظام والذين تم اعتقال بعضهم خلال الشهر الأخير.

من بين هؤلاء الشيخ عائض القرني الذي طالب بتشكيل هيئة شرعية اقتصادية اجتماعية لدراسة قضية قيادة المرأة ودراسة الجوانب الإيجابية والسلبية للأمر، كما دعى الكتاب والدعاة وغيرهم لعدم الحديث في المسألة لعدم إثارة اللغط.

وردا على سؤال وجهه سائل للشيخ سلمان العودة خلال لقاء له بأحد القنوات الفضائية رفض الشيخ الرد على طلب فتوى بشأن قيادة المرأة للسيارة في المملكة بسبب كثرة اللغط فيه .

أما الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فقد أفتى بجواز قيادة المرأة للسيارة مستشهدا بركوب نساء الصحابة للدابة في عهد الصحابة.

وحول إصدار بعض العلماء فتاوى تحرم القيادة على المرأة أضاف : “ربما كانت نظرة المفتي بالمنع نابعة مما قد تتعرض له المرأة من الحوادث وانقطاع الطريق أو تعطل السيارة فلا تجد من يعينها وقد يأتي من يعينها فيضر بها، ونحو ذلك مما قد يعترض ما يليق المرأة من الحشمة والأدب” مشيرا إلى أن كل هذه الأمور العارضة لا تجعل الحياة العادية بالنسبة للمرأة تختلف فيما فيه الأصل الإباحة عن هذا الحكم إلى التحريم، وبخاصة أن التحريم ليس فيه نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

مفتي تحت الطلب

من جهة أخرى شهدت منصات التواصل الاجتماعي ترحيبا واسعا بالقرار السعودي إلا أن العديد من المغردين على موقع تويتر وجهوا انتقادات لاذعة للعلماء الذين أفتوا في السابق بحرمة قيادة المرأة للسيارة وبعد قرار الملك أفتوا بجوازها.

الناشط غزوان الجاسم يقول في تغريدة له : أليس المفتي والشرع حرم السياقة في السعودية فكيف حللها الملك؟ مفتي_تحت_الطلب

أما صاحبة حساب “وفاء” على تويتر فتقول: أسوء شئ في اللي بيحصل إن الشيوخ بقو مهزأه الجميع متدينين وغير متدينين وفقد الكل الثقه فيهم #قيادة_المرأة_السيارة_في_السعودية”.