بعد تعرض الدوحة لحصار اقتصادي من الرباعي العربي، المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، في يونيو/حزيران 2017، وجدت دولة قطر نفسها وحيدة وسط حصار مطبق عليها، إلا من دعم حليفتها الاستراتيجية تركيا.
كيف لا؛ وقطر هي التي وقفت بجانب تركيا خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016، آن لها أن تشعر بدعم أنقرة لها خلال فترة الحصار الذي فرض عليها.
فبعد إعلان السعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر، وأغلقت مجالها الجوي وحدودها البرية والبحرية، في 5 يونيو/حزيران 2017، قامت تركيا بالدور الذي انتظرته منها قطر، في رد الجميل الذي سبقها بعام واحد، فقام أنقرة بإنشاء جسر جوي مع الدوحة لتنقل لها كل احتياجاتها من الغذاء والدواء طوال فترة الحصار .. فلماذا قطر!
قطر، النجم الساطع في منطقة الخليج، هي واحدة من الدول ذات أعلى مستوى من الرفاهية، حيث يبلغ مستوى الدخل القومي للفرد فيها حوالي 70 ألف دولار سنويا، إضافة إلى ما تملكه من احتياطيات من الغاز الطبيعي والنفط.
وفي السنوات الأخيرة، أصبحت قطر هدفا للدول المجاورة بسبب سياساتها المستقلة التي تبنتها إقليميا وعالميا.
غير أن سلسلة الأحداث التي بدأت منذ فترة الربيع العربي مرورًا بالثورات المضادة وانتهاءً بالحصار الواقع على قطر، كان لها بالغ الأثر في تعزيز صلابة العلاقات التركية-القطرية على كافة الأصعدة؛ سياسية كانت أو اقتصادية وعسكرية.
ولا شك أن الزيارات الرسمية المتكررة بين الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان”، وأمير قطر، الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني”، كان لها بالغ الأثر في دفع العلاقات السياسية والاقتصادية بين بلديهما للأمام.
وشهد العام 2014 تأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا، وفي ظلها اكتسبت العلاقات الاقتصادية بينهما زخما كبيرا.
استثمارات قطرية بـ15 مليار دولار
وتعهدت قطر في أغسطس/آب 2018، بتقديم 15 مليار دولار كاستثمارات مباشرة في تركيا في مسعى منها لدعم أنقرة ضد عمليات التلاعب بالدولار في تركيا.
وجاء الإعلان عن الاستثمار القطري عقب اجتماع بين أمير قطر والرئيس التركي في أنقرة.
وورد في بيان أصدره الديوان الأميري القطري، آنذاك، أن أمير البلاد “وجه بتقديم دولة قطر حزمة من المشاريع الاقتصادية والاستثمارات والودائع بما يقارب 55 مليار ريال، أي ما يعادل 15 مليار دولار أمريكي، دعما للاقتصاد التركي”.
بدوره، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، “إبراهيم قالن”، حينها عبر حسابه بموقع “تويتر”: “لقد تعهدت قطر باستثمار 15 مليار دولار في تركيا”، مضيفا أن “العلاقات التركية-القطرية مبنية على أسس متينة من الصداقة والتضامن”.
وفي أول خطوة لتنفيذ حزمة الاستثمارات بين أنقرة والدوحة، أبرم البنك المركزي التركي اتفاقية مع نظيره القطري حول مبادلة العملات (Swap Agreement)، وبلغت قيمة المرحلة الأولى من الاتفاقية 3 مليارات دولار.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تسهيل عمليات التجارة بين البلدين بالعملة المحلية، مع توفير السيولة والدعم اللازمين للاستقرار المالي.
وفي 26 نوفمبر/تشرين الثان الماضي، أعلن البنك المركزي التركي ارتفاع اتفاقية المبادلة بين العملة التركية والقطرية، بعد يوم من زيارة قام بها الرئيس التركي، إلى الدوحة.
وذكر المركزي التركي في بيان، أن “السقف الإجمالي لاتفاق مبادلة العملة بين بنكي تركيا وقطر المركزيين، تم رفعه إلى ما يعادل خمسة مليارات دولار من الليرة والريال، من ثلاثة مليارات سابقا”.
وبالتالي، يمكننا القول إن العلاقات التركية-القطرية موغلة في القدم، ومرت باختبارات وتحديات صعبة، اكتسبت زخما خلال الآونة الأخيرة من خلال إبرام عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
العلاقات التجارية
وفي حديث لوكالة “الأناضول”، قال “قان غور”، مدير عام مصرف “الترناتيف بنك” التركي: “نحن نعتبر أن زيادة مقدار اتفاقية مبادلة العملات بين بنك قطر المركزي ونظيره التركي بمثابة إجراء مهم للغاية من أجل تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين من خلال عملاتهم”.
وتابع قائلا: “هذا الأمر يعتبر في الوقت نفسه تطورا مهما سيدعم الاستقرار الكلي، وبشكل مباشر سيساهم في رفع البنك المركزي من احتياطيات النقد الأجنبي، وإذا ما نظرنا إلى علاقات البلدين التجارية خلال السنوت الخمس الماضية، سنجد أنها شهدت تقدما كبيرا”.
وأشار مدير البنك التركي إلى أن قطر في العام 2018، كانت واحدة من أكثر ثلاث دول تستقبل الصادرات التركية.
وأضاف: “العام الماضي، ارتفعت قيمة الصادرات التركية لقطر إلى 1.1 مليار دولار، فيما ارتفعت الصادرات القطرية لتركيا إلى 335 مليون دولار. إذن فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين يقترب من 1.5 مليار دولار، وإذا ما أضفنا عوائد السياحة، فإن هذا الرقم سيتخطى حاجز الملياري دولار”.
وفي السياق ذاته، ذكر “غور” أنه “بالنظر إلى أرقام التجارة الخارجية خلال الأشهر العشر الأولى من العام الجاري، يتضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين من الممكن أن يصل في 2019، إلى المستويات التي حققها العام الماضي”.
ولفت إلى أن 200 من الشركات التركية أو التركية القطرية تستثمر حاليا في قطر.
كما أوضح مدير البنك التركي أن الاستثمارات القطرية في تركيا، في ازدياد مستمر لا سيما في القطاعات الاستراتيجية مثل التمويل، وتجارة التجزئة، والطاقة، والإنشاءات، والزراعة.
وأفاد أن مجموع الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا وصل 23 مليار دولار.
جسر استثمار بين تركيا وقطر
مدير البنك التركي على ذات الصعيد، ذكر أنهم سيساعدوا الشركات التركية بخبراتهم المعرفية لاكتشاف مجالات الاستثمار في قطر، موضحًا أنهم يقومون بدور جسر للاستثمار بين أنقرة والدوحة لزيادة الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين.
وتابع “غور” قائلا: “مصرفنا مستعد لتقديم الخدمات الاستشارية لكافة الشركات التي تريد التجارة مع قطر، وترغب في التعرف على مستثمرين هناك، سواء كانت هذه الشركات عميلة للمصرف أم لا”.
وأشار إلى أنهم أضافوا الريال القطري إلى قائمة تداول العملات الصعبة التي يتم البيع والشراء بها في تركيا، وأنهم بدأوا في المصرف بتحصيل المدفوعات بهذه العملة.
اضف تعليقا