اجتمع قادة مجلس التعاون الخليجي لحضور قمتهم السنوية الأسبوع الماضي في الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية. وانعقدت القمة وسط علامات على احتمال حدوث انفراجة في الخلاف الذي دام 30 شهرا داخل المجلس المكون من 6 أعضاء، وهو الخلاف الذي نشب بسبب مقاطعة من كل من السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة لدولة قطر. وتصاعد الأمل قبل القمة بأن الحصار السياسي والاقتصادي الذي تفرضه الدول الثلاث الأعضاء في المجلس، بالإضافة إلى مصر، على قطر، منذ يونيو/حزيران 2017، سيتم تخفيفه أو إنهاؤه قبل الاجتماع. لكن هذا لم يحدث، ونتيجة لذلكـ تم تمثيل قطر في القمة عبر رئيس وزرائها “عبد الله بن ناصر آل ثاني”، بدلا من أمير البلاد “تميم بن حمد آل ثاني”.
وبالرغم من ذلك، كان الترحيب الحار الذي أظهره الملك “سلمان” لرئيس الوزراء القطري، متناقضا بشكل حاد مع التوتر الذي ظهر في اجتماعات المجلس السابقة منذ عام 2017. وعلى الرغم من عدم حدوث أي تقدم في القمة، من المحتمل أن يستمر الحوار بين السعودية وقطر في ظل العديد من المتغيرات الجيوسياسية التي تدعم محاولات حل الخلاف بين الغريمين.
مساحة ممكنة للدبلوماسية
كانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قد قطعت العلاقات السياسية والاقتصادية مع قطر في 5 يونيو/حزيران 2017. كما أغلقت الكتلة الرباعية الحدود البرية الوحيدة لقطر مع السعودية، وأغلقوا أيضا مجالهم الجوي أمام قطر. وبعد أسبوعين، أصدرت دول الحصار 13 مطلبا لدولة قطر لإنهاء الأزمة. وشملت هذه المطالبات قيام قطر بقطع علاقاتها مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية، وإغلاق قناة الجزيرة وغيرها من وسائل الإعلام المملوكة لقطر، ومواءمة الدوحة لسياساتها السياسية والأمنية مع دول الحصار وخضوعها للمراقبة لمدة 12 عاما لضمان الامتثال. وعندما رفضت قطر هذه المطالب، تعمقت الأزمة، على الرغم من جهود الوساطة التي قادتها الكويت ودعمتها بشكل متقطع إدارة “ترامب”.
لكن قمة المجلس الأخيرة سادها جو مختلف عن أجواء عدم الثقة والاتهامات الذي اتسمت بها اجتماعات عامي 2017 و2018 لأسباب متعددة. ويعد أبرز هذه الأسباب هو تأثير الهجمات، التي تم نسبها على نطاق واسع لإيران، على حركة الملاحة البحرية قبالة سواحل الإمارات والمنشآت النفطية في السعودية، بين مايو/أيار وسبتمبر/أيلول. وقد تسبب رد الفعل الأمريكي الفاتر في صدمة واضحة لدى القيادات السياسية في كل من الرياض وأبوظبي، ودفع البلدين لإعادة تقييم نهجهما المتشدد في الشؤون الإقليمية.
وعقد رؤساء أركان دول المجلس اجتماعا طارئا في الرياض بعد هجمات سبتمبر/أيلول على أرامكو، وأعلنوا أن الهجوم على عضو واحد يعد هجوما على المجلس بأكمله. وشاركت قطر مشاركة كاملة في الاجتماع ودعمت مبدأ الأمن الجماعي في الخليج العربي. وبدأ المسؤولون القطريون والسعوديون أيضا عملية سرية لإعادة التفاوض معا، حيث أدركت الرياض أنه على الرغم من أزمة عام 2017، فإن التهديد الحقيقي للأمن والاستقرار الإقليميين لم يكن قادما من الدوحة.
مؤشرات إضافية
ووقف الأمير “تميم بن حمد” باحترام أثناء عزف النشيد الوطني البحريني قبل مباراة لكرة اليد في قطر في أكتوبر/تشرين الأول، وأرسل رسالة تعزية إلى رئيس الإمارات الشيخ “خليفة بن زايد آل نهيان” معفي وفاة أخيه غير الشقيق “سلطان” في نوفمبر/تشرين الثاني. ونالت هذه الإيماءات التقدير والدعم على وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان هي نفسها ساحة للكثير من المواقف العدوانية التي ميزت بها أول عامين من الأزمة الخليجية وبلغت ذروتها خلال بطولة كأس آسيا لكرة القدم التي استضافتها الإمارات وفازت بها قطر في يناير/كانون الثاني.
لكن بطولة كأس الخليج لكرة القدم، التي عُقدت في قطر قبيل قمة المجلس، شهدت أجواء مختلفة تماما. وكانت السعودية والبحرين والإمارات قد نقضت قرارا أوليا بمقاطعة البطولة، وأرسلت فرقها في النهاية إلى الدوحة. وكانت هذه الخطوة وحدها كبيرة، لأنه في عام 2017 تم نقل البطولة التي تقام كل عامين من قطر إلى الكويت، بعد أن رفضت الدول الثلاث اللعب في الدوحة. وصعدت البحرين والسعودية إلى النهائي، وتحدي الآلاف من المؤيدين قيود بلدانهم على السفر إلى قطر لحضور المباراة، التي انتهت بتقديم الأمير “تميم” الكأس إلى الفريق البحريني في جو من الدفء والود.
الأزمة لم تنته بعد
ورغم تواتر المؤشرات على التهدئة، ظلت الحدود البرية بين السعودية وقطر مغلقة بعد نهائي بطولة كأس الخليج في 8 ديسمبر/كانون الأول. وأشارت البيانات التي أدلى بها زعماء السعودية والإمارات في نهاية قمة مجلس التعاون الأخيرة إلى أنهم لم يكونوا مستعدين بعد لإصلاح الصدع. وصرح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” قائلا “لم نصل إلى هذا الحد بعد”، بينما واصل وزير خارجية البحرين إلقاء اللوم على قطر لعدم استجابتها لمطالب عام 2017. وفي هذه الأثناء، ادعى وزير الخارجية السعودي الجديد، الأمير “فيصل بن فرحان آل سعود”، أن الوساطة الكويتية ستستمر بعيدا عن مرأى ومسمع الإعلام.
وتوفر هذه المواقف الأخيرة لمحة سريعة حول صعوبة الجهود المبذولة لإصلاح العلاقات في غياب موقف رباعي موحد لدول الحصار. وقد تكون أصعب المفاوضات هي تلك التي تجري داخل “اللجنة الرباعية”، وتحديدا بين الرياض وأبوظبي، وليس المحادثات المباشرة بين المسؤولين السعوديين والقطريين. وإذا حدث ذلك، فإن الاتفاق السعودي القطري المباشر حول إعادة فتح الحدود والمجال الجوي سيكون مجرد خطوة أولى في عملية تتابعية وتدريجية للتفاوض حول المقايضات الضرورية للوصول إلى حل سياسي أوسع.
وحتى لو أمكن التوصل إلى حل سياسي، فسوف يستغرق الأمر وقتا وجهدا كبيرين للتغلب على تأثير هذا الصدع الكبير في السياسة الخليجية، حيث جعلت الطريقة التي أثرت بها أزمة الخليج على الأشخاص والأسر في المنطقة تلك الأزمة أكثر عمقا من نوبات التوتر السابقة التي اقتصرت على الحكومات والقادة ولم تصل إلى الشعوب. وقد تم تجاوز آلية تسوية المنازعات الخاصة بمجلس التعاون الخليجي في عام 2017، وكذلك في النسخة الأولى من الصدع عام 2014، وهو ما يتطلب ضمانات من المجلس لمنع أعضائه من الانقلاب ضد بعضهم البعض مستقبلا. ولا يمكن لمجلس التعاون العودة ببساطة إلى الوضع السابق لما قبل عام 2017 دون إجراءات قوية لإعادة الثقة إذا كانت دول الخليح تريد للعلاقات بينها أن تتجاوز مجرد سلام بارد تغلفه التوترات الكامنة.
اضف تعليقا