يمكن اعتبار الحكومة السورية منتصرة في الغالب في حربها الأهلية البشعة. فبالإضافة إلى انتصاراتها في ميدان المعركة، بدأت دمشق أيضًا في تحقيق النجاح الدبلوماسي. وعلى المستوى الإقليمي، تعيد المزيد من الدول العربية التعامل مع دمشق. وفي هذا المنعطف، تجد حكومة الرئيس “بشار الأسد” دعمًا خاصًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي قطعت العلاقات الرسمية مع دمشق في وقت مبكر من النزاع، ولكنها أعادتها قبل عام.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، صرح الإماراتي “عبد الحكيم النعيمي”، القائم بالأعمال في سوريا: “آمل أن يسود السلام والأمن والاستقرار الجمهورية العربية السورية، في ظل القيادة الحكيمة للدكتور بشار الأسد”. كما أشاد “النعيمي” بالعلاقة “الدائمة والخاصة والقوية” بين الإمارات وسوريا.

وعند النظر في المصالح الإماراتية التي دفعت أبوظبي إلى إعادة احتضان حكومة “الأسد” بهذه الصراحة، فهناك العديد من العوامل.

بادئٍ ذي بدء، من المهم أن ندرك أن الإمارات، على الأقل مقارنةً بالسعودية وقطر، لم تكن أبدًا شديدة العزم على الإطاحة بنظام البعث في سوريا. وبصفتها الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي الأكثر اعتراضًا على جماعة الإخوان المسلمين كقوة إقليمية، فإن المسؤولين في أبوظبي، بسبب كل خلافاتهم مع حكومة “الأسد” حول مجموعة من الحقائب، مثل إيران وحزب الله اللبناني، فهموا أن انهيار النظام السوري كان سيفيد على الأرجح جماعة الإخوان المسلمين السورية.

ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام التركية، نسقت الإمارات مع دمشق لمساعدة الجيش العربي السوري على قتل بعض قادة الجماعات المناهضة لـ “الأسد” في الحرب الأهلية، خلال الفترة 2012-2014، مثل “زهران علوش”، و”حسن عبود”، و”خالد السوري”، و”عبد القادر صالح”. بالإضافة إلى ذلك، طوال الحرب الأهلية السورية، لم يكن سرًا أن الإماراتيين أبقوا أبوابهم مفتوحة لرجال الأعمال السوريين الأثرياء المرتبطين بالنظام وأفراد عائلة “الأسد”.

نقد مشترك

ومنذ بداية الربيع العربي، كرهت قيادة الإمارات النشاط الثوري والانتفاضات التي هزت المنطقة. وتنظر أبوظبي اليوم إلى نظام “الأسد” باعتباره أحد الأنظمة الناجية. وبعد أن شهدوا سقوط الحكومات المتحالفة مع الإمارات، في تونس والقاهرة، عام 2011، خلال موجة من الانتفاضات الشعبية التي أدت إلى حصول الأحزاب الإسلامية المحلية على السلطة، لم يكن لدى المسؤولين الإماراتيين رغبة في رؤية نظام إسلامي سني يسيطر على دمشق. وحاليًا، في فترة ما بعد الربيع العربي، تروج الإمارات لنموذج “الاستقرار السلطوي” في الشرق الأوسط، وأكدت دعمها للرجال “العلمانيين” الأقوياء في القاهرة وشرق ليبيا.

وفي هذا السياق، ليس من الصعب أن نرى كيف كانت القيادة الإماراتية مستعدة لإعادة قبول شرعية نظام “الأسد” تحت شعار “مكافحة الإرهاب والتطرف”. وفي الواقع، يضع موقف نظام دمشق من الإخوان المسلمين الحكومة السورية والإماراتية في نفس القارب، على الأقل فيما يتعلق بالإسلام السياسي.

العثمانيون الجدد

ويساعد دور تركيا في الأزمة السورية في توضيح موقف أبوظبي المؤيد لـ “الأسد”. ومن المنظور الإماراتي، تشكل السياسة الخارجية الطموحة لتركيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تهديدًا خطيرًا، ليس فقط لمصالح الإمارات، بل لمصالح المنطقة العربية عمومًا. وساهم هذا التفكير في الاعتقاد الإماراتي بأن دعم نظام دمشق يعد خطوة ضرورية للدول العربية لمواجهة هذا التهديد “العثماني الجديد” المفترض.

ولا شك أن سوريا ليست المسرح الوحيد الذي يجد فيه الإماراتيون والأتراك أنفسهم في صدام استراتيجي. ومن الحرب الأهلية الليبية إلى أزمة قطر وانتقال السودان إلى الحكم المدني، تقف الإمارات وتركيا في مواجهة بعضهما البعض، ويتنافسان ليحصل كل منهما على نفوذ أكبر على حساب الآخر.

وفيما يتعلق بمستقبل سوريا، تأمل أبوظبي أن ترى حكومة “الأسد” تتكامل مع العالم العربي من جديد، حتى تتمكن الدول العربية، مثل مصر والسعودية وسوريا والإمارات، من تأسيس جبهة قوية ضد سياسة أنقرة الخارجية الطموحة. ووجهة النظر الإماراتية هي أن تركيا استفادت من الانقسامات الكبرى في المنطقة العربية لمصلحتها الخاصة. ومع عمل أبوظبي على إعادة سوريا إلى الحظيرة العربية، بعد نحو 9 أعوام من تعليق عضويتها من جامعة الدول العربية، يمكن للإمارات أن تلعب دورًا محوريًا دور في تقليل الانقسامات الداخلية في المنطقة العربية، بما يضر بأجندة تركيا.

إعادة الإعمار

وتتطلع القيادة الإماراتية أيضًا للربط بين إعادة الإعمار والمصالح المالية الخاصة بها. وبالنظر إلى إمكانية أن يستفيد الغرباء بشكل كبير من إعادة إعمار سوريا، تتطلع الإمارات، إلى جانب الصين ودول أخرى، إلى مثل هذه الفرص. وتحاول أبوظبي استخدام قوتها الاستثمارية في مجال إعادة الإعمار لجذب سوريا بعيدا عن تركيا وإيران.

وفي الواقع، قبل بضعة أشهر من إعادة فتح الإمارات بعثتها الدبلوماسية في دمشق قبل عام، قام المسؤولون الإماراتيون بزيارات إلى سوريا لمناقشة دور بلادهم كمستثمر في إعادة الإعمار بعد الحرب. وبالطبع، تريد روسيا من دول الخليج العربية الغنية تمويل عملية إعادة الإعمار، حيث يفتقر الروس إلى الموارد اللازمة للقيام بذلك بمفردهم، الأمر الذي يقودنا إلى أهمية تعزيز الشراكة بين أبوظبي وموسكو.

روسيا

ويجب فهم التغييرات الأخيرة في علاقة أبو ظبي بسوريا ضمن سياق جيوسياسي أوسع نطاقًا تلبي فيه المزيد من الدول العربية، بما فيها الإمارات، المصالح الروسية لتعزيز مصالحها. ولا يعد هذا الاتجاه جديدًا. فبعد تكثيف روسيا تدخلها العسكري المباشر في سوريا عام 2015، لم تعارض الإمارات، على عكس المملكة العربية السعودية، تحركات موسكو رسميًا، وأوضحت القيادة الإماراتية في وقت مبكر أن أبوظبي قد تقبل حلًا للأزمة السورية يترك “الأسد” في السلطة.

وخلال فترة رئاسة “دونالد ترامب”، دفع عدد من الأحداث في المنطقة أبوظبي إلى أن تكون أكثر حذرًا تجاه الاعتماد على الولايات المتحدة بشدة كضامن أمني. وجدير بالذكر أن عدم وجود رد فعل قوي من جانب إدارة “ترامب” على الهجمات التي طالت منشآت أرامكو، في سبتمبر/أيلول 2019، وقرار الرئيس الأمريكي “بالتخلي” عن وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا في الشهر التالي، قد أدى إلى الشعور بعدم الاستقرار لدى العديد من الدول العربية في المنطقة التي تعتمد على الولايات المتحدة للدفاع عنها. وتدفع هذه الديناميات المزيد من الدول، مثل الإمارات والسعودية، للاقتراب من موسكو، على أمل تنويع تحالفاتها وشراكاتها، في وقت تعتبر فيه واشنطن غير موثوقة بشكل متزايد من وجهة نظر الأمن القومي.

وهكذا، مع زيادة قوة روسيا في المنطقة، سواءً الحقيقية منها أو المتصورة، يجد المزيد من حلفاء واشنطن العرب التاريخيين أنفسهم بحاجة للاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا من الناحية الجيوسياسية. ومن المؤكد أنه مع فرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة على دمشق، تتعرض الإمارات لضغوط من الغرب لإبطاء جهودها لمساعدة دمشق على الاندماج في المنطقة العربية دبلوماسيًا.

ومع ذلك، أثناء النظر إلى المستقبل، فإن تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط يخلق فراغًا ستواصل روسيا العمل على ملئه. ويوجد ما يكفي من الاحتمالات بأن موسكو ستستخدم نفوذها المتزايد للضغط على المزيد من الدول العربية لإعادة الانخراط في سوريا، وإعادة فتح البعثات الدبلوماسية الخاصة بها في دمشق. وتتواجد كل الأسباب التي تجعل المرء يراهن على أن الإمارات، في ضوء مصالح أبوظبي، ستواصل دورها الريادي بين الدول العربية من حيث تسهيل هذه العملية لتعزيز مكانة “الأسد” في الشرق الأوسط الكبير.