معركة جديدة يخوضها القضاء الأمريكي ضد مراسيم الرئيس دونالد ترامب بشأن الهجرة، والتي كان آخرها ما أصدره قبل أيام بمنع رعايا 7 دول من دخول أمريكا، هي: كوريا الشمالية وتشاد وإيران وليبيا وسوريا والصومال واليمن، كما يمنع دخول مسؤولين حكوميين من فنزويلا.

المرسوم الجديد الذي يدخل حيز التنفيذ في 18 أكتوبر المقبل، استثنى السودان الذي كان ضمن القائمة السابقة.

منظمات حقوقية ولاجئون رفعوا الجمعة 29 سبتمبر الجاري، دعوى ضد الإدارة الأمريكية بشأن المرسوم الأخير حول الهجرة، وتعتبر هذه المنظمات أن ترامب لا يزال “يستهدف المسلمين بشكل تمييزي” في الصيغة الثالثة والأخيرة لمرسومه المثير للجدل.

ففي أي إطار يمكن قراءة الإصرار الأمريكي على منع بعض العرب والمسلمين من دخول البلاد تحت دعاوى الإرهاب، وما التداعيات المحتملة للأمر؟.

ليس المرسوم الأول

المرسوم الذي أصدره ترامب في 25 سبتمبر 2017، لم يكن الأول من نوعه بل كان صيغة ثالثة أُحدثت بها بعض التغييرات عن الصيغتين السابقتين.

الصيغة الأولى للمرسوم وقعها ترامب في 27 يناير الماضي، وتضمنت وقف إصدار التأشيرات إلى أمريكا لمواطني 7 دول إسلامية هي: إيران والعراق وليبيا والسودان والصومال وسوريا واليمن.

واحتجز المئات من مواطني الدول المستهدفة لدى وصولهم إلى الأراضي الأمريكية رغم أن لديهم تأشيرة صالحة أو إقامات، غير أن المرسوم جرى تعليقه في 3 فبراير بعد أن لجأت الجمعيات الحقوقية وعدة ولايات أمريكية إلى القضاء.

لم يستسلم ترامب ونشرت إدارته مرسومًا جديدًا في بداية مارس يمنع المسافرين من ست دول مسلمة هي: سوريا وليبيا وإيران والسودان والصومال واليمن، من دخول الولايات المتحدة مع استثناء من يحملون تأشيرات وبطاقة “جرين كارد”، لكن قضاة فيدراليين علقوا تنفيذه.

الصراع المستمر بين القضاء الأمريكي وإدارة ترامب أسفر عن قرار للمحكمة العليا نهاية يونيو الماضي، بدراسة المرسوم وتطبيقه فقط على مواطني البلدان الستة “الذين لم يقيموا علاقات بحسن نية مع أفراد أو مؤسسات أمريكية”.

الفصل الأخير شهد تقدم الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية بالشكوى الجديدة أمام محكمة فيدرالية في ماريلاند مع منظمات أخرى، ترى أن المرسوم الجديد “لا يزال في جوهره حظرًا على المسلمين ويتضمن تمييزًا قائمًا على الجنسية وهو أمر مخالف للقانون”.

عداء غير مستغرب!

قد يستغرب كثيرون من سر إصرار الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب على المضي قدمًا في قراراته المعادية للمسلمين، لكن الرجل كان واضحًا من البداية حتى من قبل أن يكون مرشحًا رسميًا في انتخابات الرئاسة.

ليس هذا فحسب، بل حتى من قبل أن يدخل عالم السياسة قبل عقود، وهو الأمر الذي كُشف مؤخرًا في مقطع متداول يرجع لعام 1988.

عنصرية الرجل ضد العرب والمسلمين كانت ظاهرة للغاية في تلك المقابلة، حين قال: “في الكويت، يعيشون مثل الملوك.. ومع ذلك فهم لا يدفعون. نحن نفسح لهم المجال لكي يبيعوا نفطهم. فلماذا لا يدفعون لنا 25% مما يكسبونه؟.. هذه مسخرة”.

وفي مارس 2016 عاد “ترامب” المرشح المحتمل عن الحزب الجمهوري، حينها، لمهاجمة الإسلام كدين وربطه بالكراهية والعداء للولايات المتحدة.

ولم يتردد ترامب مرتين قبل أن يجيب بحسم: “نعم أعتقد أن الإسلام يكره الولايات المتحدة، هناك كره شديد”، وجاء جوابه هذا في مقابلة تلفزيونية ردًا على سؤال عن تصريحاته السابقة والمثيرة للجدل حول المسلمين حينما طالب بفرض حظر على دخولهم إلى أمريكا.

ربط الإرهاب بالإسلام أمر اعتاد عليه ترامب، ويبدو أمرًا عسيرًا حصر تصريحاته التي تضمنت هذا الأمر لفظًا أو معنى، ومنها ما أدلى به في فبراير الماضي، حين قال إن بلاده وحلفاءها سيلحقون الهزيمة بـ”الإرهاب الإسلامي المتطرف” و”قوى الموت”.

نماذج التصريحات والمواقف تلك تصب في اتجاه واحد وهو أن الرجل واضح وصريح العداء لكل ما يمت للإسلام بصلة، إلا هذا المتعلق بالأموال فمن أجل المليارات يعقد الصفقات مع السعودية المسلمة.

خدمة مجانية للإرهاب!

مراسيم الهجرة التي تحيط به ملابسات مختلفة، يبدو أنها تحمل في طياتها تداعيات كثيرة محتملة داخل أمريكا وخارجها.

بداية فإن مرسوم الهجرة يمكن أن يمثل خدمة مانية للتنظيمات الإرهابية التي تعلن أمريكا الحرب ضدها، وذلك عن طريق تنامي مشاعر العداء في نفوس المسلمين حول العالم تجاه أمريكا، وزيادة الشعور بتعرضهم للعنصرية والاضطهاد، الأمر الذي ينعكس بالتبعية على بعض المسلمين “المتشددين” بالانضمام لتلك التنظيمات أو على الأقل التعاطف معها وتأييدها.

هذا التوجه أكدته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، التي نقلت في وقت سابق ما قالت إنه “ترحيب بعض المجاهدين” بمرسوم الهجرة، وأنهم اعتبروا ترامب “المجند الأول للجهاديين دفاعًا عن الإسلام”.

ومن داخل البلاد التي تشهد صراعًا ومعارك مسلحة، يمكن أن يسهم إصرار ترامب على قضية منع الهجرة في تقوية بعض التنظيمات المقاتلة هناك، فضلًا عن عرقلة بعض الجهود الأمريكية في محاولة إدماج بعض التيارات “المستأنسة” من مسلمي تلك الدول.

خارج أمريكا أيضًا، فإن من بين التداعيات المحتملة لمرسوم الهجرة تشجيع تيارات اليمين المتطرف في أوروبا، والتي حصل بعضها على نتائج انتخابية غير مسبوقة كما حدث في ألمانيا قبل أيام.

فمن المحتمل أن تقود تلك التيارات اتجاهًا لتوسيع الحظر ليشمل منع هؤلاء اللاجئين من الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي عبر عنه اليمين الفرنسي عندما أشاد بالمرسوم الأول وأكد إمكانية اتخاذ قرارات مماثلة، لكن فوز الرئيس اليساري إيمانويل ماكرون أحبط تلك الخطط.

وفي خضم تلك المراسيم المتعاقبة تتصاعد حدة الهجمات العنصرية ضد المسلمين، في أمريكا وكندا، اللتان شهدتا هجمات على مساجد ومراكز يؤمها مسلمون، مستفيدًا من المناخ الذي أنتجته هذه الإجراءات، فضلاً عن تزايد موجة الكراهية للمسلمين التي تلت هجمات تنظيم الدولة في الدول الغربية.

فقد تم هجوم على أحد المساجد بكندا ردًا على ترحيبها باستقبال اللاجئين عقب القرار الأمريكي.

مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير) أشار في تقرير له إلى أن الحوادث المناهضة للمسلمين زادت أكثر من 50% من عام 2015 إلى 2016 لأسباب من بينها تركيز ترامب على الجماعات الإسلامية المتشددة وخطابه المناهض للهجرة.

التقرير رصد أبرز 4 جرائم كراهية وعنصرية تمت ضد المسلمين في أمريكا خلال الفترة بين عامي 2015 و2017.

أيضًا من شأن استمرار وضع سوريا على اللائحة، مضاعفة معاناة اللاجئين السوريين مع الرفض الأوروبي لاستقبالهم ومحاولات هذه الدول المستمرة للحد من تدفق هؤلاء المهاجرين.