“أريد لأطفالي أن يعرفوا أنني كافحت في كل شيء من أجل حريتي”.. قبل ما يزيد على عام، كتب المواطن الأمريكي من أصل مصري “مصطفى قاسم”، تلك الكلمات في رسالة جرى تسريبها من وراء قضبان معتقله بمصر، معلنا بدء إضراب عن الطعام.
لكنه بعد عام وعدة أشهر توفي دون حلم الحرية.
وأعلنت عائلة “قاسم”، وفاته، الإثنين، في سجن طرة (جنوبي القاهرة) بعد إضرابه عن الطعام، للمطالبة بإطلاق سراحه، ليعتبر بذلك خامس معتقل مصري يتوفي في السجون خلال شهر واحد، وسط اتهامات بظروف احتجاز سيئة وبرد قارس.
كتب “قاسم” في رسالة وجهها إلى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” ونائبه “مايك بنس”: “لقد فقدت رغبتي ولا أعرف كيف يمكنني جذب انتباهكم.. أعرف جيدًا أنني قد لا أبقى على قيد الحياة لكن ليس لدي خيار”.
لمدة عام وبضعة أشهر، ظل “قاسم” يتغذى على نظام غذائي سائل فقط، لكن صحته تدهورت بشكل كبير، خاصةً بسبب مرضه السكري.
“قاسم” تاجر قطع غيار سيارات عمره 54 عاما من لونغ آيلاند – نيويورك، وعنده 3 أبناء، اعتقلته قوات الأمن في أغسطس/آب 2013 من أحد مراكز التسوق (المولات) بالقاهرة، تزامنا مع أحداث فض اعتصام رابعة العدوية، وأصدرت محكمة مصرية حكما بسجنه 15 عاما في تلك القضية.
ولما وجد “قاسم” حلمه بعيد المنال، أعلن بدء إضراب عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراحه، وظرف اعتقال إنسانية.
قدمت أسرة “قاسم” طلبا إلى “ترمب” ووزير خارجيته “مايك بومبيو”، طالبت فيه بضرورة التدخل لإطلاق سراحه، بعد تدهور حالته الصحية.
كما أثار “بينس”، ووزير الخارجية الأمريكي السابق “ريكس تيلرسون”، قضية “قاسم” مع الرئيس المصري “عبدالفتاح السيسي” الذي أخبرهم أنه سينظر في القضية، لكن شيئا لم يحدث.
وكشفت “إيمان” شقيقة “قاسم” إن الأسرة حاولت إقناعه بتناول الطعام، لكنه رفض وصمم على الاستمرار في الإضراب عن الطعام، حتى تطلق السلطات المصرية سراحه، مهما كانت العواقب، حتى لو وصل الأمر لموته.
كما سبق أن حذرت شقيقته، بعد 5 أشهر من بدء الإضراب، من أنه ربما يموت، حين قالت: “أخي لا يستطيع الانتظار أسابيع أو أشهر، ربما يموت الآن”، لكن أحدا من المسؤولين لم يسمع كلماتها.
كان واضحا أن “قاسم”، مستعد للموت في سبيل الحرية، وصمم على الخروج من السجن حيا أو ميتا، فخرج ميتا.
وسبق أن قال “بومبيو” إنه تكلم مع نظيره المصري “سامح شكري” عن قضية “قاسم”، لكن تلك الأحاديث لم تحرك ساكنا أيضا.
يعود تاريخ اعتقال “قاسم” إلى 14 أغسطس/آب 2013، قبل ليلة واحدة من اعتزامه العودة إلى الولايات المتحدة بعد زيارة أهله في مصر، خرج في القاهرة لتبادل بعض الأموال والتسوق.
خلال وجوده في مركز تسوق، بدأت قوات الأمن تفتيش واحتجاز جميع الموجودين هناك، والاستفسار عن بطاقات هوياتهم، وعندما رأوا جواز سفره الأمريكي اتهمه الضابط بأنه “جاسوس أمريكي”.
جرى ضرب “قاسم” حينها بعنف على أيدي قوات الأمن، واختفى لمدة أسبوعين، ثم ظهر في النيابة على ذمة قضية فض اعتصام “رابعة العدوية”.
يروي “أحمد” صهر “قاسم” ما جرى في ذلك اليوم قائلا إنهما وجدا نفسيهما وسط موجة من العنف المخيف، بمجرد أن غادرا مركز تسوق في القاهرة، وما كان ذلك العنف سوى عملية فض الاعتصام الذي جمع أنصار الرئيس السابق “محمد مرسي” في ميدان رابعة العدوية (شرقي القاهرة).
ووسط الفوضى، أوقف جنود الرجلين وطلبوا منهما أوراق هويتيهما، وبينما سلمهما “أحمد” وثائقه المصرية لتجنب لفت الانتباه كما قال، اختار “قاسم” الاحتماء بجواز سفره الأمريكي.
أضاف “أحمد” أن تلك الخطوة، أثارت غضب أحد الجنود، فما أن رأى جواز السفر الأزرق حتى انهال على “قاسم” ضربا لينضم إليه رفاقه ويشاركونه الاعتداء على الرجل الذي كان في الـ48 من عمره حينها، وبينما دفع “أحمد” جانبا، تم سحب “قاسم” إلى مكان مجهول.
انقطعت الأنباء عن الأخير لأسبوعين، ثم علمت الأسرة أنه يقبع في سجن أبو زعبل العسكري في المنطقة الصحراوية القريبة من القاهرة.
واستمر اعتقال “قاسم”، من دون توجيه أي تهم إليه لخمسة أعوام، بحسب صهره، الذي أشار إلى أنه كان يعاني من عدة مشاكل صحية بينها السكري وأمراض في القلب والغدة الدرقية، وخضع لعلاج ضد سرطان الجلد.
خلال أعوام سجنه، ظل “قاسم”، يعاني من مشكلات صحية عدة، وكثيرا ما عانى من الإهمال الطبي، لكنه بعد الحكم بسجنه 15 عاما، قرر في سبتمبر/أيلول 2018، الإضراب عن الطعام احتجاجا على سجنه.
بعد عام و4 أشهر، بدا أن جثمان “قاسم” يتهيأ لخروج السجن أخيرا، ولكن بنهاية حزينة محمولا على الأعناق بعدما انسلت روحه من جسده مفارقة السجن أخيرا.
اضف تعليقا