ربما يعتبر محمد بن زايد، ولي عهد دولة الإمارات العربية المتحدة، أقل شهرة من نظيره السعودي سيئ السمعة محمد بن سلمان، لكن الأكيد أن تأثيره أكبر بكثير على مستقبل الشرق الأوسط… السؤال الآن: كيف سيستخدم هذا التأثير، وهل سياساته المتبعة ستكون لصالح الولايات المتحدة أو لشعوب منطقة الشرق الأوسط؟
نيويورك تايمز نشرت مقالاً هذا الأسبوع لـ “روبرت ورث”، بعنوان ” رؤية محمد بن زايد المظلمة لمستقبل الشرق الأوسط”، والذي يحتوي على إجابة السؤال المطروح أعلاه، حيث يبحث المقال ويوضح نقاط القوة والضعف في بن زايد ويخلص خططه لبسط نفوذه على المنطقة بأكملها.
وفي محاولة لربط المقال بالسؤال المُشار إليه، نجد أن تطور بن زايد وخططه جاءت كالتالي:
في البداية، رأى مسؤولو إدارة أوباما أن بن زايد رجل خطير، وفقاً لرؤيته التي كانت واضحة بالنسبة لهم، ومع الوقت، وبانتخاب دونالد ترامب، بدأت النظرة الأمريكية له تتغير، حتى اعتبره ترامب شريكاً مهماً أكثر مرونة من غيره.
من ناحية أخرى، كان بن زايد يثير انتقادات جماعات حقوق الإنسان والدبلوماسيين لدوره العسكري في اليمن وليبيا، بل حتى بعض المعجبين به وبرؤاه في الأوساط الدبلوماسية يقولون إنه متشددًا للغاية وزج بنفسه في صراعات لا يستطيع التحكم فيها ولا السيطرة عليها.
على الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن القول إلا بأنه بن زايد شخصية نادرة في الشرق الأوسط، فهو زعيم داهية في ذكائه، ذو ميل علمانية، صاحب مخططات لمستقبل المنطقة من كافة الجهات والموارد والأدوات اللازمة لتنفيذ تلك المشروعات.
إقليمياً، أحد أهم أزمات الشرق الأوسط الحالية، هو الصراع الدائر حول مستقبل الخليج العربي والشرق الأوسط، والذي يبدو مظلماً إلى حد بعيد. حتى الآن، يُعد بن زايد جزءً من المشكلة وليس جزءً من الحل، فهو ديكتاتور، استخدم الموارد العسكرية والمالية لبلاده لإحباط محاولات ظهور الديموقراطية في المنطقة أثناء ثورات الربيع العربي، وكل ذلك تحت ستار مكافحة التطرف الإسلامي.
ومحلياً، يقوم بن زايد بإدارة دولة متشددة أمنية بصورة عالية، ولديها برامج تجسس ومراقبة متطورة، لا تقبل دولته أي نوع من أنواع المعارضة ولو حتى بالكلمة، تقوم بسجن المعارضين أو منتقديها وتتجسس على الجميع سواء من مواطنيها أو من مواطني الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الأخرى.
في تقرير نشرته هيومن رايتس ووتش، قدمت الملخص الموجز لسجل الإمارات العربية المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان، وقد جاء فيه:
“الإمارات العربية المتحدة دولة تحتجز بشكل تعسفي أي معارض لها، وفي بعض الحالات تقوم بإخفائهم قسرياً، كما أنها تلعب دورًا رئيسيًا في التحالف الذي تقوده السعودية والذي نفَّذ عشرات الهجمات غير القانونية وغير الإنسانية في اليمن، بعضها يمكن تصنيفه بأنه جريمة حرب… تورطت دولة الإمارات العربية المتحدة في إساءة معاملة المحتجزين في الداخل والخارج، كذلك لديها انتهاكات فيما يتعلق بحقوق العمال، حيث يواجه عمال البناء المهاجرين استغلالًا خطيرًا”.
تأثير بن زايد يمتد إلى خارج حدود الإمارات، فمن ناحية، قام بالانضمام للسعودية في الترويج للانقلاب العسكري الذي أوصل عبد الفتاح السيسي إلى السلطة في مصر، وقد أشار العديد من المحللين المستقلين إلى أن السيسي هو أكثر الزعماء قمعًا في تاريخ مصر، وأسوأ بكثير من حسني مبارك، الذي أشعل حكمه الديكتاتوري احتجاجات الربيع العربي عام 2011.
وفي ليبيا، قامت حكومة بن زايد بتسليح ودعم قوات اللواء خليفة حفتر ضد الحكومة المعترف بها دولياً، في انتهاك مباشر لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أن بن زايد قد قلل التواجد المباشر لبلده في اليمن ولو بصورة جزئية، فإن الإمارات تواصل تدعيم علاقاتها الوثيقة مع الميليشيات والجماعات الانفصالية هناك، والتي تورطت في عمليات تعذيب، وقتل مدنيين أبرياء، وساعدت في دفع اليمن إلى مجاعة جعلت البلد تعيش أسوأ كارثة إنسانية.
في تحقيق أجرته وكالة أسوشيتيد برس في يونيو/حزيران 2017 ، جاء أن القوات الإماراتية والميليشيات التي تقوم بتدريبها كانت تدير شبكة من السجون السرية في اليمن وعدة دول أخرى، حيث تعرض الأفراد المشتبه في صلتهم بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية للتعذيب الشديد، بما في ذلك استخدام طريقة “الشواية”، حيث يتم ربط الضحية كالحيوان وتعليقه ووضعه في دائرة من النار، وفقاً للتحقيق.
دولياً، قامت الولايات المتحدة بتسليح الإمارات وإمدادها بأسلحة ومعدات عسكرية بصفقات فاقت قيمتها 27 مليار دولار على مدار العقد الماضي، ومن بين تلك المعدات طائرات مقاتلة من طراز F-16 ومروحيات أباتشي الهجومية، بالإضافة إلى آلاف المدرعات وعشرات الآلاف من القنابل والصواريخ.
يشير القادة العسكريون الأمريكيون، مثل الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، إلى الإمارات باعتبارها “سبارتا الصغيرة” بسبب قوتها القتالية، وقد قاتلت الإمارات إلى جانب القوات الأمريكية في سوريا وأفغانستان وعدد من الدول الأخرى التي شاركت الولايات المتحدة بقواتها فيها.
لكن بصورة عامة، كما يشير دورها في اليمن وليبيا ومصر ، فإن الدور السياسي والعسكري لدولة الإمارات العربية المتحدة كان في كثير من الأحيان مدمراً ومزعزعاً للاستقرار.
وما يجدر الإشارة إليه ان أحد أهم الأسباب التي ساعدت دولة الإمارات إلى اجتياز المزيد من الانتقادات التي وجهت إليها والقفز عليها هو أن لديها واحدة من أقوى جماعات الضغط في واشنطن، كما وثق “بن فريمان” من مبادرة الشفافية في التأثير في السياسة الخارجية” في تقرير صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
عام 2018 وحده، أنفقت الإمارات أكثر من 20 مليون دولار على 20 شركة ضغط مختلفة، تعمل هذه الشركات في أكثر من 3000 نشاط مستقل من جماعات الضغط، ولديها صلات مع أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام ومراكز الفكر المؤثرة، وقدمت الشركات التي توظفها دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 600000 دولار من المساهمات السياسية هناك.
على الرغم من أنه ليس من الواضح على الإطلاق أن إدارة ترامب قد تستغل علاقتها بابن زايد إيجابياً، فإن الولايات المتحدة لديها الآن فرصة لاستخدام علاقتها مع الإمارات العربية المتحدة لتعزيز السلام في المنطقة.
الإمارات – التي ستكون واحدة من أكبر الخاسرين في حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران – وضعت مشاعر دبلوماسية في محاولة لتهدئة التوترات مع طهران، كما تم تقليص القتال في اليمن، وهناك دلائل تشير إلى أن المملكة العربية السعودية قد تسعى إلى الخروج من الحرب هناك، والتي بدأت في مارس/آذار 2015. وفي الوقت الحالي على الأقل هناك وقف لإطلاق النار في ليبيا.
وعلى عكس أنشطتها عام 2010، عندما كانت طرفًا في جميع النزاعات والتوترات المذكورة أعلاه، يمكن الآن لدولة الإمارات العربية المتحدة ، إذا اختارت ذلك، أن تسحب قواتها العسكرية وأن تدعم مبادرات السلام في المنطقة، وعليه يجب أن تشترط الولايات المتحدة على الإمارات في حالة أرادت مزيداً من الأسلحة أو أي مساعدات أو تدريب، أن تقوم بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان في الداخل وكبح المغامرات العسكرية في الخارج. ابن زايد هو مؤثر بالفعل، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان سيستخدم هذا التأثير بطريقة بناءة أو يشجع على القمع واذكاء الصراعات في المنطقة.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا