تجتمع يوم الأحد القادم  دولة، على رأسها الدول الخمسة دائمة العضوية، بمشاركة 4 منظمات دولية، وبحضور طرفي النزاع في ليبيا، بالعاصمة الألمانية برلين، قصد وضع أسس إنهاء الحرب وحالة عدم الاستقرار في هذا البلد المغاربي منذ إسقاط نظام “معمر القذافي” في 2011.

ونشرت عدة مواقع مسودة اتفاق مؤتمر برلين، التي ناقشها وعدلها وزراء خارجية 10 دول خلال الأشهر الخمسة الأخيرة، كما تحدث مسؤولون ليبيون عن بعض جوانبها.

ويشارك في مؤتمر برلين، كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا وتركيا وإيطاليا ومصر والإمارات والجزائر والكونغو، إضافة إلى رئيس المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق” الليبية المعترف بها دوليا “فائز السراج”، والجنرال المتقاعد “خليفة حفتر”.

كما تشارك في المؤتمر 4 منظمات دولية ممثلة في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية.

في حين لم تُدع لهذا المؤتمر كل من تونس وقطر واليونان والمغرب رغم اهتمامها بالملف الليبي.

ورغم أن مسودة اتفاق مؤتمر برلين لا تختلف كثيرا عن روح اتفاقات سابقة مثل: الصخيرات وباريس وأبوظبي وباليرمو، التي نسفها “حفتر” بحروبه المتكررة شرقا وغربا وجنوبا، إلا أن أهم ما جاءت به المسودة الأخيرة دعوتها لفرض مجلس الأمن عقوبات على من يهدد وقف إطلاق النار.

وقد يشكل تلويح المجتمع الدولي بفرض عقوبات على “حفتر”، الذي ما زالت مليشياته تخرق وقف إطلاق النار، قوة ضغط على الأخير من شأنها وأد مشروعه لدخول العاصمة الليبية طرابلس بقوة السلاح.

غير أن مجلس الأمن الدولي ذاته منقسم وفشل لحد الآن في إدانة هجوم “حفتر” على طرابلس ومجازره في العاصمة وفي مدينة مرزق (جنوب غرب)؛ حيث يحظى بدعم روسي وفرنسي وبدرجة أقل أمريكي، مما يطرح تساؤلات حول مدى استعداد الدول الداعمة له للالتزام بتعهداتها بوقف توفير الدعم العسكري والدبلوماسي لأمير الحرب الليبي وجرائمه.

ويمكن تقسيم مقترح حل الأزمة الليبية وفق المسودة المسربة، في 3 مسارات؛ سياسية وعسكرية واقتصادية.

– المسار العسكري:

تدعو المسودة إلى وقف دائم لإطلاق النار، مع التزام الدول المعنية بالامتناع عن التدخل في النزاع المسلح، والرصد البحري والجوي والإقليمي لأي خروقات لكسر حظر توريد السلاح، مع تسريع تفكيك الجماعات المسلحة، وإدماج منتسبيها المناسبين للمؤسسة العسكرية، وإنشاء قوات أمنية وقوات عسكرية موحدة بعد تشكيل لجنة “5 + 5” (5 عسكريين يمثلون المجلس الرئاسي + 5 عسكريين يختارهم حفتر).

وأشار رئيس مجلس الدولة الليبي، في تصريح صحفي، إلى أن حكومة الوفاق اختارت لحد الآن 3 عسكريين لتمثيلها في اللجنة، في حين أن “حفتر” لم يرسل أي اسم للعسكريين الخمسة الذين سيختارهم.

وما يعاب على هذه المسودة أنها لم تشر إلى المرتزقة الذين يستعين بهم “حفتر” في حربه على الحكومة الشرعية، خاصة مرتزقة شركة فاجنر الروسية، والمرتزقة التشاديين والسودانيين، لكن من المتوقع أن تثير بعض الدول هذه المسألة خلال المؤتمر.

لكن ما لم تتحدث عنه المسودة مقترح إرسال قوات سلام إلى ليبيا للفصل بين قوات الطرفين؛ حيث لم يستبعد رئيس الوزراء الإيطالي “جوزيبي كونتي”، احتمال نشر قوات أوروبية لدعم السلام في ليبيا، وقال إن هذه المسألة مدرجة على أجندة مؤتمر برلين.

يأتي هذا الإعلان بعد شعور أوروبا وخاصة إيطاليا، المستعمر التاريخي لليبيا، أن تركيا وروسيا سحبتا البساط منها؛ لأن لديهما قوات على الأرض، ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى أن يكون هو الآخر حاضرا عسكريا في ليبيا، لكن بصيغة قد لا تكون داعمة بشكل مباشر لأحد الطرفين بالنظر إلى الخلاف بين روما وباريس.

– المسار السياسي:

تقترح المسودة تشكيل لجنة من 14 عضوا في مجلس النواب و14 عضوا في المجلس الأعلى للدولة، و14 عضوا من بقية القوى الأخرى.

وفي هذه النقطة يتخوف رئيس مجلس نواب طبرق الموالي لـ”حفتر”، “عقيلة صالح”، أن يفرض عليه ضم نواب معارضين لهجوم “حفتر” على طرابلس، خاصة أن عددهم يفوق عدد المؤيدين.

أما اللجنة الثالثة المستحدثة، التي لم تكن موجودة في لقاءات مشابهة، ستضم محسوبين على نظام القذافي، الذين أقصوا في فترات سابقة، وتمكنوا من فرض أنفسهم من خلال تحالف معظمهم مع حفتر، ومشاركتهم كقادة وكتائب وقبائل في القتال ضد الحكومة الشرعية.

وتقترح المسودة تشكيل مجلس رئاسي فاعل، وحكومة وطنية، معتمدة على مجلس النواب، دون الإشارة إلى المجلس الأعلى للدولة، ولا لآليات تفعيل المجلس في ظل عرقلة نواب موالين لحفتر (من خلال البلطجة) على عملية اعتماد الاتفاق السياسي، ومنح الثقة لحكومة الوفاق، ناهيك عن إعلان عقيلة صالح لمواقف رسمية دون الرجوع للنواب، فضلا عن التضييق على حريتهم على غرار اختطاف النائبة سهام سرقيوة في مدينة بنغازي (شرق).

كما تشدد المسودة على ضرورة استئناف العملية السياسية من خلال إنهاء المرحلة الانتقالية عبر تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية.

– المسار الاقتصادي:

تؤكد المسودة على احترام ووحدة المؤسسات الاقتصادية السيادية، على رأسها البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، وهيئة الاستثمار، بالإضافة إلى ديوان المحاسبة، بعد محاولة “حفتر”، الذي تسيطر مليشياته على آبار النفط، إنشاء مؤسسة نفط وبنك مركزي موازيين في شرق البلاد، وهو ما فشل فيه بسبب غياب الاعتراف الدولي، مما دفعه لتهريب النفط لمصر والإمارات بأسعار أقل من سعرها الرسمي.

وتشجيع إنشاء آلية لإعادة الإعمار خاصة في المدن المتضررة على غرار بنغازي ودرنة (شرق) وسرت وطرابلس (غرب) وسبها ومرزق (جنوب غرب).

ورغم تضارب المواقف بين الدول الـ12 المشاركة في مؤتمر برلين، إلا أنه من غير المستبعد أن يتوصل المجتمعون إلى حد أدنى من التوافق، يسمح بوقف إطلاق النار، والشروع في إطلاق عملية سياسية، لكن تبقى آلية تنفيذها على الأرض أصعب الأمور، خاصة أن حفتر يسير على مبدأ “أنا وبعدي الطوفان”.