الخوف من المستقبل وشبح فشل الماضي يعيق الأحزاب من التقدم نحو تشكيل حكومة جديدة

مضت حوالي أربعة أشهر على انتهاء الانتخابات الرئاسية التونسية التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، ومع ذلك لم يتم تشكيل أي حكومة حتى الآن، فعلى ما يبدو لم تستطع الفصائل المختلفة في البرلمان التوصل إلى اتفاق.

انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 سببت حالة من التفاؤل لدى جموع الشعب المختلفة بعد الفوز الساحق الذي حققه قيس بن سعيد، ومع ذلك، مرت 4 أشهر حتى الآن دون تشكيل حكومة جديدة، ليصبح المشهد السياسي في تونس مشلولاً خاصة وأن السبب وراء ذلك فشل الأحزاب المختلفة في البرلمان في الوصول إلى طريقة للمضي قدماً.

لماذا؟

جوهر الرئيسي للمشكلة القائمة بين جميع أطراف المشهد، أن كل من يحكم تونس في هذه الفترة سيكون مصيره الفشل وسيدفع ثمناً باهظاً في الانتخابات المقبلة.
الأحزاب السياسية تدرك جيداً القلق والغضب الشعبي الذي سينصب على النظام السياسي في حالة فشله في إيجاد حلول للمشاكل التي أدت في الأساس إلى ثورة الربيع العربي في ديسمبر/كانون الأول 2010؛ كالبطالة والفقر والاقتصاد غير المتوازن الذي يفضل المدن الساحلية على المناطق الداخلية.
الأحزاب كذلك تدرك أنه من المستحيل تحقيق أغلبية ذات تأثير في البرلمان الحالي، حتى لو حصلت الحكومة على 109 صوتاً، وهو المطلوب لتمرير أي مقترحات، فستظل في الواقع هذه الحكومة قائمة على انقسامات عميقة وقديمة حيث تتصارع الأحزاب؛ ليراها الناس على أنها لا علاقة لها بالأزمة الاقتصادية التي لا تظهر أي علامات على التراجع.

محمد عبو، أمين عام حزب التيار الديموقراطي التونسي، أعلن بعد فترة وجيزة من الانتخابات أن حزبه لن يشارك في أي حكومة ما لم يعرض عليهم وزارة الداخلية، بمعنى آخر، فرض شرطًا مستحيلًا يعلم جيداً أنه سيتم رفضه، وذلك كي لا يتم اتهام حزبه لاحقًا بالفرار من المسؤولية، وعدم التعرض لأي مساءلة في حال حدثت أي إخفاقات متوقعة للحكومة المستقبلية.

من ناحيتها، تواصل عبير موسى، من الحزب الدستوري الحر، التأكيد بأن حزبها لن يشارك في أي حكومة لها أي علاقة بحزب النهضة، الذي لا يزال الحزب الأكبر في البلاد، وأكثر حزب يواجه سخط شعبي أيضاً.

لعل هذا هو السبب الذي دفع بالنهضة في البداية إلى تقديم الحبيب الجملي كمرشح لهم، وعلى الرغم من ذلك، لم ينجح في تشكيل حكومة توافقية.
سعى حزب النهضة باعتباره مستقلاً، إلى أن يُنظر إليه على أنه يتجاهل حقه في تشكيل حكومة ويطرح ما يأمل أن يُنظر إليه على أنه شخصية غير حزبية، ومع ذلك، كان الرأي السائد بين الجمهور وفي وسائل الإعلام هو أن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي كان يتحكم في المشهد، وان نوايا الجملي كانت جميعها تهدف إلى خدمة أغراض “نهضاوية”، ما وضع النهضة في موقف حرج.

ولضمان الحصول على الأصوات المطلوبة، والبالغ عددها 109 صوتاً، احتاج النهضة إلى تحالف مع “قلب تونس”، والذي يتهمه قطاعات كبيرة من المجتمع بأنه يمثل النخبة الفاسدة، أو تحالف مع رئيس الوزراء الحالي يوسف الشاهد، الذي يُلقى عليه اللوم في العديد من المشاكل الحالية التي تعاني منها تونس.
إذا تم النظر إلى النهضة على أنها متحالفة مع أيٍّ من تلك الفصائل، فإن هذا سيضاعف من مشاكل الغنوشي الداخلية حيث تتصاعد المعارضة على سياسته البراغماتية، وهذا ما يعتقد منتقدوه أنه أحد الأسباب الرئيسية وراء تراجع تواجد النهضة في البرلمان، فبعد أن حصلت على أكثر من 89 مقعداً عام 2011، حصلت على 69 مقعدًا عام 2014، و 53 مقعدًا فقط العام الماضي.
الشرعية الدستورية مقابل الشرعية الشعبية

إحدى أهم المشكلات التي تعيق عملية تشكيل حكومة جديدة فكرة الشرعية الدستورية مقابل الشرعية الشعبية.
بموجب الدستور، البرلمان له سيادة، ومع ذلك، أوضحت الانتخابات أن التونسيين ما زالوا ينظرون إلى الرئاسة على أنها أهم منصب حيث أن نسبة الإقبال على الانتخابات الرئاسية تجاوزت نسبة الإقبال الانتخابات البرلمانية.

انعكس ذلك بوضوح في أعقاب الانتخابات مباشرة، حيث روج مؤيدو قيس سعيد لاحتمال تحقيق فكرة “حكومة الرئيس”، وهي فكرة تسعى إلى استخدام الشرعية الشعبية للانتخابات حيث حقق الرئيس سعيد فوزاً ساحقاً، وعليه قد تكون له صلاحية شعبية في تجاوز سلطة البرلمان في تشكيل حكومة.

بعد فشل محاولات الجملي في تشكيل حكومة جديدة، رشح الرئيس إلياس الفخفاخ لتولي تلك المهمة، ومع ذلك، على الرغم من أنه هو اختيار الرئيس، صرح الفخفاخ بأنه يتمتع بتأييد أكثر من مليوني ونصف تونسياً كانوا سبباً في تحقيق الرئيس انتصاره الساحق في الانتخابات الرئاسية، وعليه فإن التصور الشعبي هو أن حكومته لن تكون حكومة الرئيس.
مع ذلك، إذا فشل الفخفاخ في تشكيل حكومة في الوقت المخصص لتلك المهمة، فلن يتمكن الرئيس من اقتراح مرشح آخر.

فشل الفخفاخ لن يكون سيئاً للرئيس، على العكس، فهذا يعني أن قيس سعيد قد لا يضطر لدفع ثمن سياسي لأي اختيار سيء قد يختاره الفخفاخ، وما يؤكد ذلك هو أن الرواية الحالية بين التونسيين هي أنه في حالة فشل الفخفاخ، فسيكون ذلك في المقام الأول لأن النهضة رفضت احترام اختيار الرئيس وسعت لسقوطه، ولأن الأطراف الأخرى تخشى دعم سعيد المدعوم شعبياً.

من وجهة نظر النهضة، فإن خصومتهم لقيس سعيد متأصلة في الرأي السائد بين الأحزاب السياسية بأن الدعم الشعبي لسعيد ليس كبيراً، فالدعم الحقيقي هو الذي حصل عليه خلال الجولة الأولى من الانتخابات حيث حصل على 19 ٪ من الأصوات، وليس من الجولة الثانية.
في رأيهم، وفي رأي الأحزاب الأخرى، كان السبب الرئيسي وراء الفوز الساحق لقيس بن سعيد هو أن التونسيين فضلوا اختياره كـ “دخيل” نظيف، على اختيار مرشح “النظام الفاسد” القديم نبيل القروي.

بمعنى آخر ، يعتقد النهضة والأحزاب الأخرى أن سعيد لا يتمتع بنفس الدعم الشعبي كما هو متوقع وأن فوزه الانتخابي يعود إلى “تفضيل” التونسيين المرشح النظيف على “الفساد”.
حزب النهضة وبعض الأحزاب السياسية الأخرى مثل تحالف الكرامة والتيار الديموقراطي وحركة الشعب يرون بأن أصوات مؤيديهم التي تتجاوز مليون شخصاِ يشكل جزءًا كبيرًا من الأصوات التي ساعدت سعيد في الفوز بالجولة الثانية من انتخابات.
وبالتالي، فإن الاعتقاد هو أنه إذا قام سعيد بتجاوز سلطة البرلمان، فسوف يتم الكشف عن قوته الحقيقية، وسيجد الرئيس أن عدد المؤيدين المشتركين للأحزاب السياسية يفوق عدد مؤيدي “قيس سعيد” شخصياً.

لا أحد يريد انتخابات مبكرة

من المفارقات الآن في الوضع التونسي الحالي أن أيا من الأحزاب الرئيسية في البرلمان لا تريد انتخابات أخرى.
إن عدم القدرة على التنبؤ بالنتائج، واستطلاعات الرأي الحالية التي تظهر انخفاضًا في الدعم للأحزاب الكبيرة وزيادة الدعم لعبير موسى، تشير إلى أن التونسيين أصبحوا متعَبين بشكل متزايد ومحبطين من العملية الديمقراطية التي لم تحقق سوى القليل من حيث التغيير الاجتماعي والاقتصادي الحقيقي.

جميع الأطراف والأحزاب يشعرون بالقلق من أنهم سوف يعاقبون بوحشية في صناديق الاقتراع إذا كان الناس يتهمونهم بإعطاء الأولوية للمصالح الشخصية على مصلحة البلاد.
أخيرًا، إذا قرر الرئيس فجأة تشكيل حزب (وهو أمر مستبعد إلى حد كبير مع تزايد المخاوف بشأن صحته)، فمن الممكن أن يحل هذا الحزب محل بعض السلطات الحالية في البرلمان الحالي، بمعنى آخر، تشير جميع المؤشرات إلى أنه لن يفوز أي حزب موجود حاليًا في البرلمان، بل على الأرجح سيفقدون مقاعدهم.

هذا يعني أنه إذا لم فشلت حكومة الفخفاخ، قد تضطر بقية الأحزاب إلى الوصول إلى اتفاق سريع لتشكيل حكومة توافقية يعرفون أنها ستنهار لاحقاً، فقط ليكسبوا مزيداً من الوقت لأحزاب وتتجنب احتمال إجراء انتخابات مبكرة.

ماذا سيحدث إذا لم يتمكن الفخفاخ من تشكيل حكومة؟

بموجب البند 89 من الدستور التونسي، سيكون للرئيس الحق في حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كان الرئيس سعيد سيفعل ذلك.
إذا لم يتم حل البرلمان، فستدخل تونس في أزمة دستورية حيث سيواصل رئيس الوزراء المؤقت يوسف الشاهد الحكم بينما يناقش البلد كيفية التعامل مع وضع غير مسبوق.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا