وقع النظام المصري الحالي في حرج شديد دوليا بعدما كشفت صحيفة “واشنطن بوست” تفاصيل علاقة مصر بسفينة الشحن التي كانت تحمل صواريخ من كوريا الشمالية.

الصحيفة نشرت تقريرا حول السفينة التي اعترضتها مصر بناء على معلومات استخباراتية أمريكية وصلت إلى الجانب المصري بالشكل الدبلوماسي، في إطار العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية من قبل مجلس الأمن.

وذكرت أن رجال أعمال مصريين أجروا صفقة مع كوريا الشمالية لشراء أكثر من 30 ألف قذيفة صاروخية بملايين الدولارات لمصلحة الجيش المصري، إلا أنهم أخفقوا في إخفاء الصفقة.

وكانت واشنطن حذرت القاهرة من سفينة شحن ترفع العلم الكمبودي وتحمل اسم “جي شون”وتبحر باتجاه قناة السويس من كوريا الشمالية.

وأكدت الصحيفة المزاعم التي تحدثت عن أن قطع جزء من المعونة الأمريكية لمصر لا يعود إلى تردي الأوضاع الحقوقية كما أعلن، إنما بسبب العلاقات السرية بين القاهرة وبيونج يانج.

رد باهت

ورغم مرور عدة ساعات على تقرير الصحيفة،وفي موقف يثير العديد من علامات الاستفهام، خرج رد من وزارة الخارجية المصرية ليس في صورة بيان رسمي وإنما بشكل حصري لوكالة الأنباء الفرنسية.

وهذا يشير إلى احتمالين: الأول أن وزارة الخارجية كان يهمها توصيل الرد بأكبر صورة ممكنة عبر الوكالة الفرنسية، خاصة أنه جاء متأخرا بشدة وربما كان بناء على تعليمات محددة بعدم الرد السريع إلا بعد تدارس الموقف.

والاحتمال الثاني يتعلق بأن الوزارة ما كانت تريد بالأساس الرد على التقرير، وحينما سئلت من الوكالة الفرنسية اضطرت للرد بعد حدوث ضجة كبيرة ورواج لتقرير واشنطن بوست.

وبعيدا عن هذه الجزئية، فإن رد وزارة الخارجية، ورغم نفي علاقة مصر بشحنة الصواريخ من كوريا الشمالية، لم ينف في الوقت ذاته تورط رجال أعمال مصريين في شراء هذه الصفقة وبيعها سواء لمصر أو لغيرها من الدول.

الغريب أن بيان الوزارة تطرق فقط لما جاء في تقرير لجنة العقوبات على كوريا الشمالية بمجلس الأمن، دون أن يعرج على التنبيه الصادر من الجانب الأمريكي بوجود هذه السفينة.

وهذا التجاهل يثير حالة من اللغط خاصة أن تقرير الصحيفة الأمريكية لم يتطرق بالأساس إلى دور مجلس الأمن في الأمر.

وبدا أن الرد المصري حاول دفع هذه الاتهامات عن القاهرة، ولكن رواية الصحيفة قدمت معلومات تفصيلية عن الواقعة بموجب معلومات من أمريكا.

دور خفي

ونظريا تتيح قوة العلاقات بين مصر وكوريا الشمالية، واحتلال الاستثمار المصري مرتبة متقدمة داخل بيونج يانج، إمكانية تورط عدد من رجال الأعمال المصريين في عقد صفقات أسلحة بالوكالة مع كوريا الشمالية لصالح دول لا تمانع في استيراد الأسلحة الكورية بعيدا عن أعين مجلس الأمن.

وكشف تقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة في 23 فبراير عام 2015 أن شركة الواجهة الكورية الشمالية “Ocean Maritime Management” اعتادت تهريب الأسلحة وعملت مع أشخاص وكيانات في مصر وفي أماكن أخرى.

وأدرجت الهيئة ميناء بورسعيد ضمن الأماكن التي تمتلك كوريا الشماليّة عملاء شحن فيها، وذكرت أن موظفين تابعين للشركة الكورية المذكورة تمكنوا من التخفي داخل شركة في بورسعيد على الأقل حتى عام 2011.

ويعتبر نجيب ساويرس أحد أبرز المستثمرين في كوريا الشمالية، لامتلاكه الترخيص الوحيد للهاتف المحمول هناك بقيمة استثمارات تقدر بـ250 مليون دولار، حسبما أعلن.

تفسيران

ويبرز تفسيران لحالة اللغط التي صاحبت تقرير “واشنطن بوست” ورد الخارجية المصرية على شحنة الأسلحة:

أولا: أن شحنة الأسلحة تورط فيها رجال أعمال مصريون لتحقيق منفعة اقتصادية تتعلق بتلاقي مصالح، لخدمة كوريا الشمالية التي تتكسب من صفقات بيع أسلحة غير شرعية في ظل الحصار المفروض عليها بموجب قرارات مجلس الأمن ولجنة العقوبات، ولتحقيق مكاسب لهم.

   

وربما حاول رجال الأعمال إخفاء الشحنة من خلال استغلال اسم شركة مصرية، من دون أن يكون للجيش المصري علاقة بالأمر، وأن الوجهة النهائية لم تكن مصر، وهو ما يتماشى مع رد الخارجية المصرية.

ولكن هذا التفسير يواجه صعوبة في تقبله لعدم إجراء تحقيق مصري مع رجال الأعمال أو الشركة المسؤولة عن الاستيراد، خاصة أن القضية دولية بالأساس وتتعلق بقرارات مجلس الأمن، وبالتأكيد هناك حاجة إلى كشف ملابساتها، وهو ما لم يشر إليه رد الخارجية المصرية.

ثانيا: تورط مصري بشكل مباشر، رغم نفي الخارجية حول الوجهة النهائية للشحنة وأنها لم تكن القاهرة، خاصة مع إمكانية الإشراف عليها بالوكالة لصالح أحد الحلفاء الإقليميين دون الرغبة في التدخل بشكل مباشر في الأمر.

وهنا فإن تقرير الأمم المتحدة حول الصفقة المشبوهة لم يتطرق لأي دور للقاهرة في الصفقة من قريب أو بعيد، ربما لعدم وضع مصر في حرج شديد خاصة أنها عضو في مجلس الأمن، بحسب ميشيل دن، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز كارنيجي.

ولكن الأكيد أن تورط مصر –على فرضه- في هذه الصفقة “غير الشرعية” يرتبط بأهداف خاصة للجيش خارج حدود مصر، لأنها ليست صفقة أسلحة محرمة دوليا أو يصعب استيرادها في العلن من دول أخرى.

وإذا كنا نتحدث عن دور خفي للقاهرة في هذه الصفقة، فإنها تتعلق بالأساس برجال أعمال أو شركات إما قريبة للغاية من المؤسسة العسكرية أو هى بالأساس مملوكة للجيش في الخفاء.

لمن السلاح؟

ويبدو التفسير الثاني أقرب للواقع خاصة مع رد سطحي من الخارجية المصرية يزيد من حالة الغموض حول شحنة الأسلحة، فما الهدف والوجهة النهائية للصفقة.

هناك 3 وجهات محتملة لهذه الصواريخ والتي يقدر عددها بـ 30 ألف قذيفة، وهى:

أولا: ليبيا

ويتمتع النظام المصري الحالي والمؤسسة العسكرية بعلاقات قوية مع قائد القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق خليفة حفتر، بما يعزز إمكانية إرسال هذه الشحنة لدعمه عسكريا، في ظل فرض حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا بموجب قرار مجلس الأمن.

ويعزز هذا السيناريو اتهامات تقارير أممية الإمارات بخرق حظر تصدير الأسلحة لصالح حفتر، لتقويته في مواجهة خصومه السياسيين.

ثانيا: السودان

أحد الوجهات قد تكون السودان، خاصة مع حالة التوتر بين القاهرة والخرطوم على خلفية الخلافات حول تبعية مثلث حلايب وشلاتين، وما أعقبها من إجراءات بين الطرفين.

فقد سبق بشكل مفاجئ أن اتهم الرئيس السوداني عمر البشير مصر بدعم المتمردين وبيع أسلحة وذخائر لهم.

وأكد أن قوات الجيش والدعم السريع غنمت مدرعات ومركبات مصرية استخدمها متمردو دارفور. ورغم النفي المصري فإن هذا لا يمنع إمداد متمردي دارفور بالأسلحة في سبيل الضغط على الخرطوم.

ثالثا: إريتريا

أما الوجهة الثالثة قد تكون إريتريا لدعم المعارضة الإثيوبية، إذ لاحقت الاتهامات مصر في شحنات أسلحة سرية، وقال المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية، إن بلاده تمتلك أدلة واضحة تثبت تقديم مصر كافة أشكال الدعم المالي والتدريب للعناصر الإرهابية لنسف استقرار البلاد.

كما جدد اتهام بلاده للحكومة الإريترية بتقديم “دعم مباشر للعناصر الإرهابية التي تنتشر في إقليمي أمهرا (شمال غرب) وأوروميا (جنوب).

وتشهد العلاقات بين مصر وإثيوبيا توترا ملحوظا على خلفية بناء الأخيرة سد النهضة بما يؤثر على حصة القاهرة من مياه النيل.