هل يتجه الاقتصاد السعودي إلى عكس ما خططت المملكة له من إصلاحات؟ ففي ظل مشهد بعيد عن رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للنهوض بالاقتصاد، لم ير السعوديون غير مزيد من الضرائب وارتفاع نسب البطالة وانتقال الحالة الاقتصادية من الانكماش إلى الركود.
هذا الوضع يثير تساؤلات حول جدوى الرؤية التي قدمها ابن سلمان كروشتة علاج لاقتصاد وصفه البعض بأنه يعاني من الشيخوخة.
ما الأسباب
البيانات الرسمية الصادرة عن المملكة تشير إلى أن الركود الذي تعانيه يعود لأسباب من بينها ركود القطاع النفطي وسياسات التقشف التي تمارسها المملكة على القطاع الحكومي.
ولجأت المملكة إلى تخفيض الدعم ورواتب الموظفين لمواجهة العجز الكبير في الموازنة، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، كما تسبب فرض رسوم عالية على المقيمين والمرافقين إلى مغادرة عشرات الآلاف من العمالة الأجنبية بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
كما لجأت المملكة في الآونة الأخيرة إلى الاقتراض الداخلي والخارجي بسبب العجز الكبير في الموازنة العامة.
وبرغم التحسن الكبير في أسعار النفط عالميا فلم يكن لذلك أي أثر على اقتصاد المملكة؛ حيث تشير البيانات الرسمية إلى أن الموازنة ابتلعت مليارات الدولارات من الاحتياطي النقدي الذي تراجع من 732 مليار دولار في 2014إلى 478 مليار دولار في نهاية سبتمبر 2017.
وتظهر مؤشرات الاقتصاد الكلي حالة من الاضطراب في بلد يوصف بأنه أكبر منتج للنفط في العالم.
بداية ابن سلمان
بدت وعود الأمير الذي لم يتخط عمره حينذاك 30 عاما براقة، وبرغم عدم معرفة أغلب السعوديين به فإنه استطاع تقديم نفسه وبسرعة -بعد تنصيبه وليا لولي العهد في المملكة- من خلال رؤيته الاقتصادية التي عرفت باسم “رؤية السعودية 2030”.
لكن أشهرا قليلة كانت كافية لتوضيح الصورة بعد أن أوقف مئات المشاريع الحكومية للنظر في مدى جدواها الاقتصادية على المملكة وتسببت تلك الخطوة في تسريح الشركات لآلاف الشباب والعاملين بدلا من أن تخلق لهم فرصا جديدة.
وتشير إحصاءات الهيئة العامة للإحصاء إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة؛ فبعد أن كانت 11.5% في نهاية 2015 ارتفعت نهاية الشهر الماضي لتصل إلى 12.8% ليصل عدد الشباب الباحثين عن عمل إلى مليون شخص نصفهم من خريجي الجامعات.
قرارات صادمة
ومع بداية تطبيق رؤية ابن سلمان ظهرت سياسة التقشف واتخذت الحكومة حينها قرارات جريئة لكنها كانت في الوقت نفسه صادمة جعلت السعوديين يتجرعون ألم تخفيضات الرواتب وفرض الضرائب وإلغاء العلاوات وفصل الآلاف من وظائفهم.
ووفقا لوثيقة رسمية نشرتها وكالة رويترز في 15 مارس 2016 تبنت المملكة إجراءات تقشفية جديدة وطالبت الهيئات الحكومية والوزارات بخفض الإنفاق والالتزامات وعقود التوريد والتشغيل والصيانة والمشاريع المدرجة في ميزانية العام بنسبة تزيد على 5% من الالتزامات المتبقية.
كما ألزمت الوثيقة الجهات الحكومية والوزارات بعدم إبرام أي عقد إلا بعد إجازته من وزارة المالية.
وبالتزامن مع تلك الخطوات كانت الحكومة تتخذ قرارات أخرى تصرف بها انتباه السعوديين عن آلام التغيير وقامت بفك الحظر عن بعض الأحداث الترفيهية والحفلات الموسيقية ومسابقات المصارعة بالإضافة إلى حظر هيئة الأمر بالمعروف التي كانت تفرض قيودا وهابية على السعوديين.
كيف رد السعوديون؟
نجحت المملكة في تمرير العام الأول من الخطة التقشفية، إلا أن السعوديين لم يتحملوا أكثر من ذلك وانتشرت مطلع إبريل 2017 دعوات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر تحت عنوان “حراك 21 إبريل” دعت فيه الحركة السعوديين إلى التظاهر رفضا للقرارات السياسية والاقتصادية التي اتخذتها المملكة.
ومن أهم مطالب الحراك وقف بيع شركة أرامكو “عملاق النفط العالمي وإيجاد حل لمشكلة العاطلين وإعادة علاوة الموظفين وإعادة صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف”.
وخوفا من تجاوب الشارع مع تلك الدعوات وإمكانية تحول دعوات التظاهر إلى انتفاضة شعبية أصدر الملك سلمان مجموعة قرارات ملكية تراجع فيها عن قرارات سابقة.
ورصدت وكالة أنباء آسيا تلك المخاوف في تقرير نشرته في 26 إبريل 2017 قائلة:إن دعوات التظاهر والحراك السلمي الذي دعت له “حركة 21 إبريل” ضد القرارات السياسية والاقتصادية جعل المملكة تحبس أنفاسها.
وحولت المدن إلى ثكنات عسكرية بعد أن دفعت المملكة بالقوات الأمنية إلى الأماكن التي حددتها الحركة للتظاهر، وأشارت “الوكالة” إلى أن المملكة برغم القبضة الأمنية يبدو أنها قد وصلت إليها معلومات تفيد بغليان الشارع.
نجاح الحراك
ودلل النشطاء على نجاح الحراك في إيصال رسالته بإصدار الملك سلمان في اليوم التالي مجموعة من القرارات كان من أبرزها إعادة العلاوات لموظفي الدولة بأثر رجعي وتغيير بعض أمراء المناطق بالإضافة إلى مجموعة من قرارات التعيين.
لكن ثمة رأيا آخر يرى في القرارات الملكية صورة متشائمة ويعتبرها مجرد إبرة تخدير للشعب قبل قرارات أشد صرامة وأكثر سوءا.
وفي ظل استمرار التراجع الاقتصادي في المملكة واستمرار القرارات التقشفية يظل السؤال حول قوة تحمل السعوديون لهذه الأوضاع مطروحا، أم سينفد صبرهم كما حدث في إبريل الماضي؟.
اضف تعليقا