بعد مرور نحو 3 سنوات على توليه ولاية عهد المملكة العربية السعودية، ما زال محمد بن سلمان، يتخذ يوميًا بعد يوم العديد من القرارات الخاطئة والمتهورة التي تنم عن عدم الخبرة والحكمة المفترض وجودهما في رجل الدولة، ، الأمر الذي أدى لانزعاج العديد من رجال الدولة من حوله.

وهو الأمر الذي قابله بن سلمان، ببطش شديد، حيث أمر باعتقال أكثر من 20 أميراً بتهمة “الخيانة العظمى”، على رأسهم عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز الذي يراه أكبر منافس له على العرش، وابن عمه ولي العهد السابق محمد بن نايف، والأمير نواف بن نايف.

أوامر الاعتقال التي أصدرها بن سلمان، وعلى رأسها اعتقال عمه الأمير أحمد ابن الملك المؤسس، تعد واقعة لافتة، وفي حال أدت هذا الخطوة إلى ردود فعل عكسية، فإن ذلك سيعلن بدء مرحلة دموية من الصراع على السلطة داخل الأسرة الحاكمة.

وهو ما يعيدنا بالتاريخ إلى عام 1960، حين قام الملك فيصل بالانقلاب على أخيه سعود بن عبد العزيز، إلا أن معظم أفراد الأسرة الحاكمة دعموا هذا الانقلاب بذريعة أن الملك سعود عاجز عن إدارة المملكة، غير أنه لا يمكن القول إن الخطوة الخطيرة التي أقدم عليها بن سلمان قد حظيت بنفس الدعم، وبالطبع لا يمكن تجاهل موافقة ودعم الملك سلمان الذي أفسح الطريق أمام نجله، مع أنه يُعتقد أن موافقة الملك سلمان على ذلك لم يكن قراراً صائبا بالنظر إلى تراجع حالته الصحية.

غير أن الأكيد في المسألة حاليًا، هو أن اعتقال بن سلمان لعمه وأبناء عمومته يجعله وحيداً، ورغم أنه لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في الأنظمة الملكية، إلا أن كل سلطات وصلاحيات الأسرة الحاكمة لا تتجمع في الملك فقط، ولكن حتى هذا التقليد يبدو أن بن سلمان يسعى للقضاء عليه وجمع كل القوة في يده.

كان بن سلمان يخشى عمه الأمير أحمد ويرى أنه يشكل عائقاً مهماً أمامه في طريقه إلى العرش، لأن أبرز الأسماء في الأسرة الملكية كانت ترغب في تعيين الأمير أحمد رئيساً لهيئة البيعة، وكان تولي الأمير أحمد رئاسة هيئة مهمة وحساسة بالدولة سيمنحه نفوذا أكبر، خصوصا أنه يحظى باحترام المحيطين به، كما أنه لم يقم بعد بمبايعة بن سلمان ولياً للعهد بالإضافة إلى أنه منزعج من سياسات ابن أخيه.

حتى أن أبرز الأسماء في النظام المؤسس للسعودية الذي يدير الدولة منذ نحو مئة عام، تشعر بالانزعاج من السياسات الداخلية والخارجية التي يرسمها بن سلمان في ظل أبيه المريض وبالتنسيق مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

الكاتب السعودي عبد الله بن عبد الكريم السعدون، اعتبر في مقال نشرته صحيفة “الرياض” السبت الماضي تحت عنوان “درس في الزعامة”، أنه من الضروري أن يتلقى قادة وزعماء المستقبل تعليماً بخصوص تقدير أفكار وقناعات مستشاريهم ومعاونيهم، واحترام العمل الجماعي ورأي الأغلبية.

عقب تولي بن سلمان ولاية العهد بحوالي 5 أشهر، قام بحملة توقيف بذريعة محاربة الفساد، شملت ابن الملك عبد الله الأمير متعب، والملياردير السعودي الوليد بن طلال وعشرات الأمراء والوزراء، واحتجزهم في فندق بالرياض.

وفسر البعض الخطوة على أنها محاولة لإسكات المقربين من الملك السابق عبد الله وإخماد أي محاولة للتمرد، وبعد ذلك أًطلق سراح هؤلاء الأمراء في صفقة سرية تقضي بتنازلهم عن قسم كبير من ثرواتهم مقابل إطلاق سراحهم، وبذلك تمكن بن سلمان من تحييد منافسيه المحتملين كما حصل على ميزانية إضافية بقيمة 100 مليار دولار.

أكثر خطوات بن سلمان التي سببت انزعاجاً في أوساط الأسرة الملكية هي الاستثمارات التي قام بها بقطاع الترفيه، إذ لم تشهد السعودية أبداً استثمارات بهذا القدر في قطاع الترفيه قبل توليه ولاية العهد.

واستضافت المملكة أكثر من 5 آلاف فعالية ترفيهية بالعام الماضي فقط. وصرح القائمون على هذه الأنشطة أنه ستُضخ استثمارات بقيمة 64 مليار في قطاع الترفيه بالسنوات العشرة المقبلة، كما تم إنفاق أموال ضخمة على حفلات لمطربين عالميين أقيمت بجوار الأراضي المقدسة.

ومن الخطوات الأخرى المزعجة قراره تغيير محتويات الكتب الدراسية في خطوة تسببت في حدوث صدع في تحالف السلطة والعلماء التقليدي. كما أدى تحركه مع واشنطن في حملة مشتركة تحت مسمى “الإسلام المعتدل” لمواجهة “الإسلام المتطرف” بذريعة أنه يشرعن العنف، إلى حالة من الانزعاج لدى أوساط العلماء ممن لهم نفوذ على أفراد الأسرة الملكية.

وللتغطية على ذلك، قام باعتقال نحو 400 عالم من المعارضين لسياساته بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان مثل سلمان العودة وعوض القرني، بينما استخدم بعض العلماء والدعاة المؤيدين له كأبواق تؤيد سياساته مثل عبد الرحمن السديس وعائض القرني وصالح المغامسي.

ويقوم ولي العهد الشاب بإغراء الغرب بعدة خطوات مثل الفعاليات الترفيهية والرياضية، وحقوق المرأة من أجل إفساح الطريق أمامه لعرش المملكة، وفي الأثناء يسعى من وراء الستار لتصفية معارضيه في الداخل والخارج وتعزيز موقعه بالقصر.

من يتابع السياسات الإقليمية للسعودية قبل بن سلمان يرى أنها كانت تسير دائماً في خط متوازن، ولم تشهد العلاقات بين تركيا والمملكة قبل ذلك مرحلة تدهور لهذه الدرجة التي شهدتها في عهده، بل كانت السعودية دائماً في مقدمة اهتمامات أنقرة وبقيت العلاقات بمستوى جيد بين الدولتين السنيتين القويتين.

ومنذ تولي بن سلمان ولاية العهد، يشن الإعلام السعودي وطائفة العلماء المحيطين بولي العهد حملة تستهدف تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان.

وبسبب وقوف أنقرة بجوار قطر ضد قرار الحصار الذي اتخذته السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد الدوحة، وبسبب الموقف الذي اتخذته تركيا إزاء مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

كما نصّب الإعلام السعودي نفسه المتحدث باسم منظمة “بي كا كا” الإرهابية أثناء عملية “نبع السلام” العسكرية التركية شمالي سوريا، كما كان أشبه ببوق إعلامي تابع للنظام السوري أثناء تنفيذ عملية “درع الربيع” التركية بالبلد نفسه، وأصبح ثنائي السعودية والإمارات معارضاً لتركيا في كل خطواتها.

وأدت سياسات بن سلمان تجاه تركيا وقطر إلى حالة من الانزعاج داخل الأسرة الملكية الحاكمة، إضافة إلى ردود الفعل الغاضبة من العائلة المالكة والأوساط المحيطة بها تجاه مقتل خاشقجي الذي كان مقرباً من العائلة الحاكمة وقتل بدم بارد فقط لأنه عارض سياسات ولي العهد.

كانت آخر رغبة للملك فيصل قبل وفاته صلاة ركعتين في المسجد الأقصى المحرر، وكان الملك فيصل يضغط بورقة النفط على الغرب أثناء الحرب مع إسرائيل.

إلا أن السعودية اليوم بإدارة بن سلمان تلتزم الصمت إزاء خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامية للقضاء تماماً على القضية الفلسطينية حتى أنها تدعمها عبر أذرعها الإعلامية.

أما التطبيع مع إسرائيل فهو بالأساس الهدف من هذه المرحلة. ويعد تخلي ابن سلمان عن القضية الفلسطينية ومحاولاتها للتطبيع مع إسرائيل دون أي مقابل، من أهم النقاط التي تسبب انزعاجا كبيراً داخل النظام المؤسس بالمملكة.

دخلت الحرب التي يشنها بن سلمان على الحوثيين منذ مارس/ آذار 2015 عامها السادس، ليتضح أنها فشلت فشلا ذريعاً، وأدت إلى قيام الحوثيين باستهداف العديد من النقاط الاستراتيجية داخل السعودية على رأسها منشآت نفطية تابعة لشركة “أرامكو”.

كما تسببت الحرب بمقتل آلاف المدنيين في اليمن، ومع سحب الإمارات لقواتها، أصبحت السعودية وحيدة في اليمن، والآن تسعى الرياض إلى التوصل لاتفاق مع الحوثيين بوساطة من سلطنة عمان.

ويعد السبب الرئيسي لهذا الإخفاق والموقف الصعب الذي وقعت فيه المملكة السياسات المتهورة لولي العهد الشاب.