“التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار”، بهذه العبارات برر ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد اتصاله الهاتفي برئيس النظام السوري بشار الأسد، وكسره لحالة الحظر العربي المفروض عليه منذ سنوات.

وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية قالت إن بن زايد أكد “ضرورة أن تسمو الدول فوق المسائل السياسية في هذه الظروف الاستثنائية وتغلب الجانب الإنساني في ظل التحدي المشترك الذي نواجهه جميعا”، وشدد على أن سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة.

من جانبه رحب الأسد بمبادرة بن زايد، مثمناً موقف الإمارات الإنساني في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من هذا التحدي المستجد، وأكد ترحيبه بهذا التعاون خلال هذا الظرف واصفا المبادرة بالسامية.

أسباب واهية

محللون رأوا أن كورونا ليست السبب الحقيقي وراء اتصال بن زايد بالأسد، وإنما مجرد فرصة انتهزها ولي عهد أبوظبي لاستكمال مشواره التطبيعي الذي بدأه منذ فترة مع نظام الأسد. 

فبينما تسجل الإمارات أكثر من 468 إصابة بكورونا، فإن النظام السوري لم يعترف سوى بوجود 5 إصابات فقط بكورونا حسب مصادر حكومية أي أن الوضع في سوريا ليس استثنائيا كما وصفه بن زايد.

كما أن التواصل الإماراتي مع الأسد وإن كان الأول من نوعه من حيث الإعلان إلا أن العلاقات الإماراتية مع نظام الأسد تشهد تطوراً ملحوظاً منذ أواخر 2018، بعد سنوات من الخصام المُعلن، وتأكيد وزير خارجيتها عبدالله بن زايد في المحافل الدولية أن نظام الأسد فقد شرعيته وعليه الرحيل.

لكن في ديسمبر/كانون الأول 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، في خطوة أولى من نوعها خليجياً بعد إغلاقها عام 2011؛ احتجاجاً على قمع النظام للاحتجاجات الشعبية.

بعد عام واحد، وفي ديسمبر/كانون الأول 2019 أثارت سلسلة من التصريحات العلنية من المسؤولين الإماراتيين والسوريين التابعين للأسد اهتمامًا واسعًا وعبرت عن تقارب واضح ودفء غير معلن في العلاقات بين الإمارات مع سوريا.

بدأ الأمر بإشادة القائم بالأعمال في الإمارات “عبدالحكيم النعيمي”، بالقيادة الحكيمة للأسد مشيدا بالعلاقات السورية الإماراتية باعتبارها صلبة ومتميزة”، وهو ما رد عليه نائب وزير خارجية الأسد “فيصل مقداد” بشكل فوري، وأشاد بدوره بالإمارات ووقوفها إلى جانب الحكومة السورية في حربها ضد الإرهاب، وفق تصريحه.

كما تطورت العلاقة بين الأسد وبن زايد، وبرز موقفهما المشترك من معارضة العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا.

وهو ما دفع الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى شجب “انتهاك تركيا لسيادة دولة عربية”، كما حث الوزير الإمارات أنور قرقاش الزعماء العرب على الانحياز إلى دمشق لمنع “استغلال مستقبل سوريا من قبل جهات خارجية ذات مصالح متهورة”.

كل ما سبق يؤكد أن بن زايد أراد استغلال أزمة كورونا للمضي قدما بالعلاقات مع الأسد نحو العلن بعد خطوات حثيثة ومتتالية في إطار التطبيع معه وتكوين مواقف مشتركة لاسيما في العلاقة مع تركيا ودعم حفتر في ليبيا. 

الأسد ليس وحده

في منتصف الشهر الجاري، أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد اتصالا نادرا مع نظيره الإيراني “جواد ظريف”، أعرب خلاله عن تعاطف بلاده وتضامنها مع الشعب والحكومة الإيرانية في مكافحة وباء فيروس كورونا.

وذكرت الخارجية الإيرانية في بيان لها: “عبر وزير الخارجية والتعاون الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان خلال اتصال هاتفي مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن تعاطف بلاده وتضامنها مع الشعب والحكومة الإيرانية في مكافحتهم فيروس كورونا الجديد”.

وأضافت أن “ظريف” عبر عن تقديره لإعلان الإمارات تضامنها مع الشعب الإيراني في هذه الفترة، واصفا مسألة كورونا بأنها قضية عالمية تتطلب التصميم والتعاون والمساعدة بين جميع دول العالم لهزيمته”.

التضامن الإماراتي لم يقتصر على الاتصال الهاتفي، لكن تبعه إرسال طائرتي مساعدات تحملان إمدادات طبية وإغاثية لدعمها في مواجهة كورونا، وذكرت وكالة الأنباء الرسمية “وام” أن طائرتين محملتين بـ32 طنّا من القفازات والأقنعة الجراحية ومعدات الوقاية أقلعتا من أبوظبي إلى إيران بعد يوم واحد من الاتصال بين بن زايد وظريف. 

إنسانية مجتزأة

لكن الإنسانية الإماراتية التي يتم الترويج لها والتباهي بها تظل مجتزأة وقائمة على سياسة المصالح لا أكثر، فبينما كانت العلاقة المتزايدة مع إيران أحد أسباب الحصار المفروض على قطر، بل وشملت الإملاءات السعودية الإمارتية خفض التمثيل الدبلوماسي بين قطر وإيران، فإن الإمارات تحتفظ بعلاقات اقتصادية واسعة مع طهران وتتضامن معها وترسل الإغاثات الإنسانية والطبية لها.

 في المقابل لم تبادر الإمارات أو تعبر عن أي تضامن يذكر مع قطر في مواجهة كورونا رغم تسجيلها الإصابات الأكثر خليجيا حتي الآن بإجمالي 590 إصابة.

الأمر لا يقتصر على قطر وحدها، ففي تغريدة للمدير السابق لقناة الجزيرة “ياسر أبو هلالة” أفحم ولي عهد أبوظبي بعد سؤاله عن سبب عدم اتصاله بحكومة الوفاق، أو الحوثي أو هنية وأردوغان إذا كانت الإنسانية تسمو على الخلاف السياسي كما زعم بن زايد.

لكن الإجابة واضحة، وهي أن الإنسانية ليست سوى غلافا للمصالح، حيث تتصدر الإمارات قائمة الدول العربية من حيث التبادل التجاري مع إيران، كما قفزت صادرات أبوظبي إلى طهران بنسبة 16.8% خلال عام 2019.

كما تتم 80% من التحويلات المالية الإيرانية عبر الإمارات، في حين تقدَّر الاستثمارات الإيرانية في الدولة الخليجية بـ300 مليار دولار، وتسير شركات الطيران 200 رحلة أسبوعياً من شتى المدن الإيرانية إلى الإمارات لنقل 100 ألف سائح إيراني، فضلاً عن 600 ألف مواطن إيراني آخرين يقطنون جارة بلادهم الجنوبية، ما يجعلهم أكثر الجاليات المقيمة في البلاد عدداً.

أما سوريا فتكمن المصلحة بين الإمارات ونظام الأسد في العداء المشترك للإسلاميين من جهة، وفي رغبة الطرفين في تحجيم السياسة الخارجية الطموحة لتركيا في الشرق الأوسط، التي تعتبرها الإمارات تهديدا خطيرا لنفوذها ليس في سوريا فحسب لكن في السودان وليبيا أيضا، كما تجذب كعكة إعادة الإعمار في سوريا أنظار الإمارات، حيث تتطلع إلى الاستفادة منها إلى جانب دول عملاقة كالصين وغيرها.

أخيرا، فإن قطار الإنسانية الإماراتي المزعوم توقف للتضامن مع إيران، ثم واصل مسيرته لمواساة الأسد وقد يصل إلى إسرائيل أيضا لا بأس، لكنه أبدا لن يعرف الطريق إلى قطر أو ليبيا أو تركيا أو غزة.