في خطوة تعكس تهورا واضحا لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قرر الأمير الشاب قبل فترة وجيزة إعلان حربا نفطية ضاربا بتفاهمات سابقة مع روسيا عرض الحائط، حيث أعلنت السعودية نيتها زيادة إنتاجها من النفط إلى الحد الأقصى وصولا لـ 1 مليون برميل يوميا، بالإضافة إلى قرار آخر بخفض أسعار تصدير الخام السعودي بمعدل 4 دولارات إلى آسيا و7 دولارات إلى الولايات المتحدة و10 دولارات كاملة إلى الأسواق الأوروبية.

وبالفعل جاء الأثر سريعا، وفي خلال ساعات معدودة استجابت أسواق النفط بعنف متوقع لإجراءات المملكة المتهورة وانخفضت أسعار الخام لأدنى مستوى لها في 4 أعوام، وشهدت الأسواق أكبر انخفاض يومي في سعر برميل النفط منذ عام 1991 وصولا لـ 30 دولارا للبرميل تقريبًا.

ظن بن سلمان أن المقامرة السعودية ستجبر روسيا على العودة لطاولة المفاوضات، والاستسلام لتخفيضات الإنتاج الإضافية التي تريدها الرياض، لكن ما لم يحسبه بن سلمان هو أن روسيا قد ترفض التراجع وهو ما حدث بالفعل، بل وقرر بوتين التصعيد بتصريح لافت أنه لا ينوي إجراء أي اتصالات مع القادة السعوديين لمناقشة أسعار النفط، وأكد أن روسيا تستطيع التعايش مع مستوى أسعار نفطية تحت 30 دولارا للبرميل لمدة 10 سنوات قادمة.

انقلاب السحر على الساحر

من جانبه، اعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن حرب أسعار النفط بمثابة أمر مدمر للغاية بالنسبة إلى روسيا، وسيء جداً أيضا للسعودية، وأكد أنه سيتدخل في الوقت المناسب. كما أوردت وول ستريت جورنال أن مسؤولين من وزارة الطاقة الأمريكية يسعون لإقناع ترامب بالضغط على الرياض للانسحاب من منظمة أوبك.

وقد يبدو لوهلة أن السعودية حققت انتصارا من جولة حرب الأسعار الأولى الراهنة، باعتبار أنها تملك مخزونا نفطيا هائلة وقادرة على إغراق السوق دون مبالاة بتراجع الأسعار بهذه الحدة، لكن الحقيق هي عكس ذلك تماما فقد انقلب السحر على الساحر، لأن لا أحد يعلم ما الذي قد يحمله تدخل ترامب والذي قد يفرض شروطا قاسية على السعودية كإجبارها على الخروج من أوبك مثلا وما سيتبعه من آثار سلبية هائلة، كما أن السعودية قد تضطر إلى مواجهة انخفاض تلقائي في الطلب على النفط، يقدر بنحو 3% خلال أزمة كورونا التي لا تبدو قصيرة الأجل بأي حال.

من جهة أخرى، فإن هذا التراجع الحاد في أسعار النفط سيؤثر بشكل مباشر على مشروعات رؤية 2030 التي بشر بها ولي العهد السعودي والتي تعتمد فكرتها بالأساس على تقليل الاعتماد على النفط، لكن بهذه المعطيات الجديدة فإنها ستتعرض لهزات جسيمة قد تشمل تجميد أو إلغاء بعض المشروعات العملاقة جراء انحدار أسعار النفط بهذه الحدة، ولعل أبرز هذه المؤشرات هي تراجع أرباح شركة أرامكو السعودية بمعدل يتجاوز 20%، فضلا عن تهاوي سهم الشركة في البورصة وانحداره إلى 28 ريالاً مقارنة بسعره الافتتاحي 32 ريالاً قبل أشهر قليلة.

بن سلمان يلعب بالنار

وفي تقرير لموقع “لو تلي سات” الناطق باللغة الفرنسية، اعتبر أن قرار محمد بن سلمان المتهور بمثابة لعب بالنار لأن قراره المتهور بخفض أسعار النفط وزيادة الإنتاج لاسيما في ظل أزمة كورونا الحالية التي انعكست سلبا على الاقتصاد العالمي، دفعت السلطات السعودية إلى النظر في تدابير التقشف.

وقبل أيام، أكدت مصادر سعودية لرويترز إنه تمت مخاطبة الإدارات الحكومية فى المملكة العربية السعودية لتقديم اقتراحات لتقليص ميزانياتها بما لا يقل عن 20% في إطار خطة تقشف جديدة لمواجهة الهبوط الحاد فى أسعار النفط.

ومن المتوقع حدوث خسائر فادحة في الاقتصاد السعودي ليس فقط بسبب حرب النفط، لكن لتزامن ذلك مع إغلاق دور السينما والمراكز التجارية والمطاعم، بل وتعليق أداء مناسك العمرة تماما وهي التي تشكل أحد مصادر الدخل الضخم لاقتصاد المملكة. 

من جانب آخر، فإن الاضطرابات الاعتقالات الأخيرة التي طالت شقيق الملك سلمان بن عبد العزيز وابن أخيه الأمير محمد بن نايف، أوحت بحدوث اهتزاز في الاستقرار السياسي وسط صمت حكومي علني، وهو ما يجعل الاقتصاد السعودي في وضع مأساوي وغير مستقر بالمرة.

الخلاصة أن المملكة تعيش بالفعل حالة اقتصادية متذبذبة بسبب تأثير فيروس كورونا والاضطراب السياسي لديها، لذا فإن مقامرة بن سلمان النفطية وغطرسته قد تؤدي به إلى تلقي ضربة قاتلة للمملكة والعودة إلى وضع لم يضطر هذا البلد الغني في الخليج إلى مواجهته منذ اكتشاف النفط، والذي حول السعودية من دولة القبائل البدوية حتى صارت جزءًا من مجموعة العشرين، فهل يندم بن سلمان على قراراته الهوجاء بعدما يعود بالمملكة إلى حياة البدو من جديد!.