يتطلع المسلمون في شتى بقاع الأرض إلى شهر رمضان المبارك، الذي يأتي هذا العام في ظرف استثنائي بعد تفشي فيروس كورونا ما دفع المملكة العربية السعودية لتعليق دخول الحاصلين على تأشيرة العمرة إلى أراضيها، مع إغلاق الحرمين الشريفين وهو ما يثير قلقا حول استمرار الإغلاق الذي قد يحرمهم من أداء فريضة الحج أيضا.

 

اقرأ أيضًا: أرامكو تسعى لاقتراض 10 مليارات دولار .. هل عقمت دجاجة بن سلمان التي تبيض ذهبا؟

ما هي رؤية 2030 ؟

 

لكن ثمة قلق من نوع آخر ينتاب الحكومة السعودية حول الأزمات الاقتصادية التي تلوح في الأفق حال إلغاء الحج الذي يدر للمملكة أكثر من 7 مليارات دولار ينفقها 2.5 مليون حاج، فضلا عن تراجع أسعار النفط بشكل حاد مؤخرا وهو ما جعل سهم أرامكو يهوى بشكل عنيف 10% ويتراجع عن  إلى أدنى مستوياته ويصبح أقل من سعر طرحه للمرة الأولى في ديسمبر/كانون الأول الماضي. 

وزير الحج والعمرة السعودي، “محمد صالح بن طاهر بنتن”، قال إن “المملكة قلقة بشأن سلامة الحجاج» وطالب المسلمين بـ”التريث» قبل إبرام عقود الحج لهذا العام، حتى يتبين ما ستسفر عنه تطورات الوباء العالمي، فيما يبدو التلميح الرسمي الأول عن احتمالية تعليق ركن الحج الأعظم لهذا العام.

 الحج .. المنقذ دائما

وكما أن الحج من أهم الأركان لأكثر من مليار مسلم، فإن الركن ذاته أحد الأركان الأساسية التي لا غنى عنها في الاقتصاد السعودي، فبالرغم من وجود إحصاءات وأرقام تفصح عنها بعض الجهات فيما يخص عائدات المملكة من الحج والعمرة، فلا يوجد بيانٌ واضحٌ يؤكد حجم هذه العائدات.

وفي تصريح نادر عام 2017، كشف ماهر جمال، رئيس الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة، إن نفقات الحجاج يمكن أن تبلغ 20 – 26 مليار ريال سعودي (5.33 إلى 6.67 مليارات دولار) مقابل 14 مليار ريال ( 3.73 مليارات دولار) في 2016″.

رؤية 2030 و الحج

ودائما كان الحج والعمرة مصدر الدخل الآمن بالنسبة للبلاد، إذ تعوّل عليه بشكل كبير ومستقر، ويكاد القطاع لا يتأثر إطلاقا بأي مستجدات على الساحة العالمية، باستثناء تقلص الأعداد في مرات معدودة على مر التاريخ، فيظل الموسم كما هو، بل بزيادةٍ في أعداد الراغبين بالحج والعمرة، ومحاولة المملكة إجراء التوسعات في المشاعر المقدسة وتيسير سبل التنقل واستيعاب الحجاج من جهة، وفرضها شروطا تستهدف تحجيم الأعداد من جهة أخرى.

وتستقبل مكة سنويا قرابة مليوني حاج في موسم الحاج، و18 مليون معتمر على مدار العام، وحسب خطة “بن سلمان” لرؤية 2030، فإنه يهدف إلى استقبال المملكة لـ30 مليون حاج ومعتمر سنويا لتحقيق إيرادات تقدر بـ50 مليار ريال، فيما يؤكد حجم “الحج والعمرة” بالنسبة للاقتصاد السعودي.

وحسب المعهد المصري للدراسات، فإن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن الحج والعمرة يشكلان نسبة تقترب من 60% من الإيرادات السياحية السعودية، أي قرابة 14 مليار دولار سنويًا، ليس هذا وفقط، بل إن هذا الرقم يعاد تدويره داخل الاقتصاد السعودي ويعمل على إنعاش العديد من مؤسسات قطاع الخدمات في السعودية بشكل عام، وفي مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل خاص.

إذ تعد هذه الأموال عائدًا سنويًا على استثمارات في قطاع الإسكان، والغذاء، وتجارة الجملة والتجزئة، والنقل، والخدمات المالية، بما يعني أن مضاعف العائد من الإيرادات السنوية للحج والعمرة على الاقتصاد السعودي أضعاف هذا المبلغ.

إيرادات أخرى قد لا تتضمنها الإحصاءات، وهي تلك التي تتعلق بالحصول على تأشيرات الحج والعمرة، برسوم مرتفعة، ومنها تحصيل القنصليات السعودية ما يقرب من 60 دولارا عن تأشيرة كل معتمر، ونحو 3000 دولار عن كل تأشيرة حج. وهو ما يعني أن تأشيرات العمرة لنحو 6 مليون معتمر سنويًا تدر دخلًا بنحو 360 مليون دولار للخزانة السعودية، أما تأشيرات الحج فتجلب للخزانة السعودية نحو 6 مليارات دولار على أساس متوسط 3000 دولار عن كل تأشيرة لنحو 2 مليون حاج سنويًا.

أما مع بدء حجز المعتمر أو الحاج أو الحملة التي يشتركان بها، لتذكرة الطيران، فإن الدورة الاقتصادية تبدأ من تلك الساعة، وحتى العودة إلى خارج المملكة من جديد، بعد متوسط أسبوعين يقضيهما الحاج أو المعتمر داخل المملكة، ويدفع الفرد الواحد خلالهما ما بين 5 آلاف و10 آلاف ريال سعودي، سيبدو الرقم مهولا إن حاولنا تجميعه، خصوصا حين تشير القنوات المحلية في أيام الحج، أن هناك أكثر من 5600 فندق وشقق فندقية مخصصة للحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة مع قدرة على استيعاب 2.7 مليون شخص، وذلك في موسم الحج فقط، بقطاع السكن فقط. 

 ليست المرة الأولى

ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الجيل المعاصر شللا بالعالم إلى هذا الحد، يؤدي بالتالي إلى تعليق الحج وإغلاق مكة والمدينة مع إلغاء الفريضة التي تهوي إليها قلوب المسلمين من كل فج عميق.

لكن على مر التاريخ، وحسب الموقع الرسمي المتخصص بجغرافية وتاريخ المملكة، (دارة الملك عبدالعزيز) فإن الموسم ألغي نحو أربعين مرة، لأسباب مختلفة، كانتشار الأمراض والأوبئة‏، والاضطرابات السياسية‏ وعدم الاستقرار الأمني، والغلاء الشديد والاضطراب الاقتصادي،‏ وفساد الطرق‏ من قبل اللصوص.

وشهد الحرم أحداثا تاريخية أدت إلى تعطيل الشعائر المقدسة فيه، بداية من القرامطة الذين دكوا الكعبة وطمروا بئر زمزم بـ3 آلاف جثة من المسلمين، فضلا على 30 ألف قتيل من الحجاج، ومرورا بأحداث اختطاف الحجر الأسود والأوبئة مثل الماشري والطاعون ووباء ذاع صيته في الهند والكوليرا وغيرهم، فضلا على حروب بالمنطقة أدت إلى اقتصار الحج على من بداخل أراضي الحجاز، وانقطاع أهالي مصر عن الحج بسبب الغلاء، وغيرها من الأحداث.

لكن كل ذلك يختلف عن هذه المرة، إذ كان الحج موسما تجاريا على مدار القرون السابقة، تمتلئ فيه جيوب أهل مكة من التجار، وزوارها، نتيجة تبادل المنافع، لكن لم يكن هناك سلطات مركزية، تعتمد بشكل أساسي على الحج كدخل رئيسي في الاقتصاد السنوي، ولم تكن هنالك رسوم ولا سفارات وقنصليات تدفع فيها ملايين الدولارات على هيئة رسوم تأشيرات وغيرها من التكاليف التي تستحدثها المملكة باستمرار لضمان العائد الماديّ من الموسم الكريم.

إجراءات احترازية

مع بدء تفشي الفيروس، أعلنت المملكة حزمة إجراءات احترازية حادة تضمنت تعليق تأشيرات العمرة والزيارات، ثم تعليق حركة الطيران كليا، مع تحركات مشددة داخل أراضيها من إغلاق للمطاعم والكافيهات واقتصار عمل بعض المطاعم على خدمة الدليفري فقط، مع الالتزام بإجراءات السلامة والتعقيم.

وقبل نحو 10 أيام، أصدرت المملكة أول قرار بخصوص حظر التجول، إذ قررت حظرا جزئيا من السابعة مساءً وحتى السادسة صباحا، مع عقوبات مشددة تصل إلى الغرامة بـ10 آلاف ريال، بالإضافة إلى الحبس في حال كسر الحظر لأكثر من مرة.

وبعد يومين من القرار الأول، أعلنت المملكة تمديد فترة الحظر اليومية، لتصير من الثالثة عصر وحتى السادسة صباحا من اليوم التالي، في كل من الرياض ومكة والمدينة، مع حظر التنقل بين 13 منطقة أخرى من المملكة.

ومع بداية أبريل، قررت السلطات السعودية تفعيل الحظر الكلي لمنطقتي مكة والمدينة، ومنع أي أنشطة فيهما، حتى إشعار آخر، وذلك مع ارتفاع الإصابات حتى الخميس إلى 1885 حالة، والوفيات إلى 328، متفوقة على دول الخليج في أرقام ضحايا الفيروس.