اعتقد الجميع أن السنة الحالية ستكون بداية جيدة للمملكة العربية السعودية بعد خطط ووعود ولي العهد محمد بن سلمان عن الإصلاح ورؤية الحداثة والتجديد التي حمل رايتها منذ توليه المنصب.
بعد فترة من التباطؤ، كان الاقتصاد غير النفطي ينمو وكان المسؤولون حريصين على جذب استثمارات جديدة، إلا أن الأمور لم تسر كما خُطط لها، حيث تصاعدت أزمة السعودية في الحرب اليمنية التي لم تحقق فيها أي انتصار، بالإضافة إلى الانتقادات الدولية التي تلقتها السعودية بعد مقتل جمال خاشقجي على أيدي عملاء سعوديين داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في 2018، كما كان من المقرر أن تستضيف المملكة قمة مجموعة العشرين G20 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل إلا أن تفشي فيروس كورونا في جميع دول العالم يهدد بإلغائها.

في الآونة الأخيرة، تضاعفت الأزمة بعد قيام ولي العهد بشن حملة اعتقالات جديدة طالت عشرات الأمراء والمسؤولين في مارس/آذار المنصرم، ثم بدأت حرب أسعار النفط التي دفعت النفط الخام إلى أدنى مستوى له منذ عام 2003، وهو الانحدار الذي لم يزعج روسيا وحسب، بل أزعج أيضًا حلفاء السعودية من أبو ظبي إلى واشنطن.
والآن ساهم انتشار فيروس كورونا تجميد الاقتصاد السعودي وتركته ببحيرات من النفط غير المرغوب فيه، ليتحول 2020 إلى عام يمكن أن يترك المملكة في حفرة اقتصادية ودبلوماسية أعمق.

حملة الاعتقالات المُشار إليها، طالت الأمير أحمد بن عبد العزيز، شقيق الملك سلمان، وكذلك الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، وشقيقه الأمير نواف، وعشرات من المسؤولين، بتهمة التخطيط لإسقاط الملك والانقلاب على نظام الحكم، على الرغم من عدم وجود أي دليل على ذلك، إلا أن تلك الاعتقالات كانت بمثابة تحذير آخر رسمه أمير لا يتسامح مع المعارضة.

السنة الحالية أيضاً، كشفت أن محمد بن سلمان شخص متهور، خاصة بعد قراراته ضد روسيا فيما يتعلق بأسعار النفط، حيث لم تتوصل أوبك وروسيا إلى اتفاق بشأن المزيد من القيود التي فرضها بن سلمان على الإنتاج، كما يقال إن الأمير ألغى قرارات وزير البترول -وهو أخيه غير الشقيق، وأمر شركة النفط الحكومية أرامكو بزيادة الإنتاج.
مع السوق التي غمرها النفط، انخفضت الأسعار إلى ما دون 30 دولارًا للبرميل وقد تنخفض أكثر، سئمت المملكة العربية السعودية من عدم الاستقرار التي تعاني منه حالياً.

ومع ذلك، إذا ظلت الأسعار منخفضة، فسيتعين على المملكة أن تسد عجزًا في الميزانية يصل إلى ملياري دولار في الأسبوع، وقد تم تخفيض الإنفاق بالفعل بمقدار 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار)، وهو العضو الوحيد في مجموعة العشرين الذي خفض النفقات خلال انتشار وباء كورونا الذي ضرب العالم بأسره.
يُذكر أنه طُلب من الإدارات التخطيط لإجراء تخفيضات أكبر، وتقول شركات البناء إن العقود الجديدة انتهت.

الأزمة الروسية/السعودية أثرت على الدول الأخرى، حيث التزمت شركة الإمارات العربية المتحدة للنفط (بزيادة إنتاجها من 3 إلى 4 ملايين برميل في اليوم، لكن بشكل خاص، يفكر المسؤولون الخليجيون في قرار من شأنه إحداث ثغرات في ميزانياتهم.
من ناحيتها حاولت الإمارات إعادة روسيا والمملكة العربية السعودية إلى المفاوضات ولكن دون جدوى، وهي المساعي التي
قامت بها الولايات المتحدة أيضاً.
قبل عام، كادت أن تحدث أزمة مشابهة بين السعودية وأمريكا، حيث اعترض الرئيس دونالد ترامب على أوبك بسبب ارتفاع الأسعار، أما الآن فهو يريد كارتل لرفعها قبل أن يشل النفط الخام الرخيص صناعة الصخر الزيتي في أمريكا؛ لكن السعوديين يبدو أنهم غير مستعدين للتزحزح – حتى مع تدمير فيروس Covid-19 للطلب العالمي على النفط.

تحركت المملكة العربية السعودية بشكل أسرع من العديد من البلدان المجاورة لاحتواء الفيروس والحد من انتشاره، حيث قامت بإلغاء الرحلات الجوية، وإغلاق الحدود البرية، وتعليق العمرة، بالإضافة إلى عزل الآلاف من العائدين من الخارج في فنادق على نفقة الحكومة، لتسجل السعودية نحو 1720 إصابة مؤكدة حتى الآن.

على الرغم من كافة التدابير المتخذة، فإن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة بسبب الأزمة النفطية التي ظهرت مؤخراً، في ظل الجهود المبذولة لتحويل اعتماد الاقتصاد السعودي على النفط، إلا أن أزمة انتشار كورونا أثرت على بقية مصادر الدخل الأخرى، حيث يعمل أكثر من 426 ألف سعودي في تجارة التجزئة التي توقفت عن العمل بفعل كورونا.
كما تأثر قطاع السياحة، التي حاولت السعودية انعاشه بعد التسهيلات التي أجرتها على تأشيرات السياحة منذ سبتمبر/أيلول الماضي على أمل جذب مئات الآلاف من الزوار في عام 2020، إلا أنه ومع تفشي كورونا وتعليق الرحلات الجوية، تم إلغاء كل هذا، بالإضافة إلى احتمالية توقف الاستثمار.

يمكن للفيروس أيضًا أن يجبر السعودية على إلغاء أهم الأحداث في تقويمها، ، حيث يجب أن يبدأ موسم الحج السنوي إلى مكة في نهاية شهر يوليو/تموز المقبل.
في العام الماضي، قام حوالي 2.5 مليون شخص بزيارة السعودية لأداء فريضة الحج، مثل هذا الحشد غير محتمل مع تفشي فيروس Covid-19.
في 31 مارس، طلب الوزير المسؤول عن الحج من الحجاج بعدم البدء في التخطيط لرحلتهم بعد، وهو التصريح الذي قال البعض أنه تمهيد لإلغاء الحج هذا العام، والذي ان حدث فسيكون له تكلفة عالية على المملكة حيث يعتبر الحج مصدر دخل رئيسي للمملكة.

وأخيراً، فيما يتعلق بمجموعة العشرين، بعد ثلاثة أسابيع من إعلان منظمة الصحة العالمية أن وباء كورونا هو جائحة عالمية، يظل مصير القمة مجهولاَ، حيث لم تقدم الدول المقرر مشاركتها أي استجابة لتنسيق انعقادها.
مجموعة السبع، وهي كتلة أكثر تجانساً، لم تستطع الوصول إلى بيان مشترك بسبب إصرار أمريكا على تسميتها “فيروس ووهان” ما تعتبره الصين إهانة وتعترض عليه.
وإذا استمر الحال كما هو عليه ولم يتم احتواء الفيروس، من المحتمل أن تنعقد القمة ولكن ليس في قاعة ذهبية، ولكن عبر تطبيق “زووم”.