توقيت يحمل من الدلالات الكثير، اختير لتنفيذ مناورات جوية بين مصر “وإسرائيل”، فماذا جرى للعقيدة العسكرية المصرية وكيف تبدلت ؟
توقيت يبدو أنه اختير بعناية فائقة، لكي تشترك القوات الجوية المصرية مع نظيرتها الإسرائيلية في تدريبات مشتركة، تزامنًا مع الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر عام 1973.
التدريبات التي أعلنت عنها اليونان، ولم تؤكد أو تنفى من قبل الجيش المصري، تشهد اشتراكها مع قبرص ودول أوروبية أخرى بجانب مصر والاحتلال الإسرائيلي، شرقي البحر المتوسط.
كما تأتي هذه المناورات في ظل تقارب واضح بين القاهرة وتل أبيب تجلى في اللقاء العلني الأول الذي جمع عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو سبتمبر الماضي.
فضلًا عن الدور المحوري الذي تلعبه مصر في المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي فتح وحماس، والذي فرضت فيه نفسها على إسرائيل كلاعب لا يمكن تجاوزه في أي تطورات على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بين أمس واليوم.. ماذا تغير؟
المفارقة في توقيت اختيار المناورات الجوية تبدو جديرة بالتوقف أمامها طويلًا، والبحث في الرسائل والدلالات التي يحملها هذا البُعد.
التزامن المقصود بين المناورات وذكرى انتصار مصر على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، يبدو ذا دلالة لافتة، خاصة إذا علمنا أن هذا الموعد يتم بالاتفاق بين الدول المشاركة.
حرب أكتوبر
هذا على الرغم من إشارة وزير الدفاع اليوناني “بانوس كامانوس” إلى أن المناورات تأتي بمناسبة احتفال جمهورية قبرص بمرور 57 عامًا على استقلالها وتقسيم الجزيرة إلى قسمين تركي ويوناني.
لكن من غير المنطقي التسليم بأن هذه المناسبة هي الوحيدة السبب في تنفيذ المناورات في هذا التوقيت، خاصة مع اشتراك عدوي الأمس وصديقي اليوم فيها.
ثمة رسالة مشتركة من الطرفين أرادا توصيلها للداخل في كلا البلدين خاصة جيشيهما، وللعالم أجمع، مفادها أن الأعداء أصبحوا أصدقاء، ولا مجال لعداوة أخرى بينهما، والدليل انتهاز فرصة ذكرى آخر حرب بينهما للتأكيد على هذا الأمر.
وللإمعان في تغيير الصورة الذهنية، التي ربما لم يتبق منها إلا القليل عن انتصار أكتوبر، كانت القوات الجوية هي المقصودة في تنفيذ المناورات.
تلك القوات التي نفذت الضربة الجوية الأولى الشهيرة ظهر يوم السادس من أكتوبر، والتي أفقدت (العدو) توازنه وأربكت خطوطه بشكل كبير ما مهد لعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف.
كذلك فإن توقيت المناورات اختير بحيث يتزامن مع تقارب غير مسبوق في العلاقات بين البلدين، ربما لم تشهده على المستويات كافة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام عام 1979.
العقيدة العسكرية في مهب الريح!
هذه الملابسات المحيطة بتوقيت تنفيذ المناورات تقود إلى تساؤل هام وهو: ماذا تغير خلال 44 عامًا هي السنوات التي مرت على حرب أكتوبر، وكيف تحول الأعداء إلى أصدقاء ؟
CIA
وقبل عدة سنوات أعد “كينيث بولاك”، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) ومدير قسم الخليج في مجلس الأمن القومي سابقًا، دراسة تكشف كواليس ما يدور داخل المؤسسة العسكرية المصرية.
“ضباط مصريون وأمريكيون كبار أكدوا حدوث تحول وانقلاب كامل في العقيدة العسكرية للجيش المصري ومهامه واستراتيجيته ومجمل خططه التي تقوم على اعتبار أن إسرائيل لا تشكل تهديدًا له، كما لم تعد بالنسبة له هدفًا”.
هكذا خلصت الدراسة التي جاءت بعنوان “أبو الهول والنسر: القوات المسلحة المصرية والعلاقات العسكرية الأمريكية المصرية” والتي استندت إلى وثائق أمريكية ومقابلات ميدانية مع قادة كبار في الجيشين المصري والأمريكي.
وعلى الرغم من التحول الكبير في العقيدة القتالية للجيش المصري، والتي تحولت إلى عدو آخر وهو “الإرهاب” بدلًا من العدو التقليدي إسرائيل، فإن الأمر لا يزال يشغل بال أمريكا التي قادت عملية السلام بين البلدين وتسعى إلى ضمانات كثيرة حتى لا تتحول فوهة السلاح المصري إلى إسرائيل مرة أخرى.
كيف نجحت أمريكا ؟
في هذا الصدد كشف السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة “إسحاق ليفانون” أن الولايات المتحدة طلبت من مصر رسميًا “تغيير العقيدة العسكرية التقليدية التي تميز الجيش المصري، بعقيدة تناسب أكثر الحرب على الإرهاب”.
التوجه الأمريكي تمت ترجمته بشكل فعال عام 2012، في أعقاب تعيين الفريق أول (حينها) عبد الفتاح السيسي وزيرًا للدفاع بقرار من الرئيس الأسبق الذي أطاح به الأول لاحقًا في يوليو 2013.
السعي الحثيث للولايات المتحدة كشفته مصادر أمريكية في أبريل 2015، حيث قالت إن “تفاهمات جرت مع قيادة الجيش المصري بعد تعيين السيسي وزيرًا للدفاع، تتعلق بإعادة هيكلته وتحديثه وتغيير عقيدته القتالية”.
أوباما و كلينتون
طنطاوي
التحكم الأمريكي في الجيش يرجع إلى المعونة العسكرية التي تقدر بنحو 1.3 مليار دولار تمثل أكثر من خمس ميزانية الدفاع المصرية البالغة 5 مليارات دولار.
ووفق بيان لهيئة المعونة الأمريكية فإن إدارة أوباما قررت “توجيه المساعدات العسكرية المخصصة لمصر والتي تقدر بـ1.3 مليار دولار، إلى أربعة مجالات هي: مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، والأمن البحري، وأمن سيناء، وذلك بدءا من عام 2018”.
مركز واشنطن للدراسات نقل عن مسؤولين بوزارة الدفاع الأمريكية قولهم: إن “الولايات المتحدة أرادت لسنوات إعادة هيكلة الجيش المصري من كونه قوة عسكرية أُعدت لخوض حروب تقليدية، خصوصًا مع إسرائيل، ليصبح جيشًا أكثر فعالية في مواجهة ما تراه الولايات المتحدة مخاطر أمنية رئيسية تواجه مصر”.
وأشار المركز إلى أن الهيكلة تعني تقليص أعداد القوات ونوعية أسلحتها وتطوير مهامها لتناسب المجالات الجديدة التي حددت لتعمل فيها.
لم يتوقف التدخل الأمريكي عند تحديد نوعيات الأسلحة والتدريب المقدم للقوات المصرية، بل تعداه إلى اتفاقيات تكشف السيادة المصرية أمام أمريكا.
فبعد أن كانت مصر ترفض على مدار عقود توقيع اتفاقية cismoa، فقد وقعتها بعهد السيسي، وتلك الاتفاقية باختصار تسمح للقوات الأمريكية بتسهيلات مرور برية وجوية وبحرية إلى مواقع عملياتها ارتكازًا وعبر الأراضي المصرية، وربط عملياتي بين الجيشين المصري والأمريكي، ما يعني انكشاف كامل للسيادة المصرية أمام أمريكا.
صاروخ امرام
وقد رافق قبول تلك الاتفاقية إتمام صفقات تسليح بالمقابل، وهي صواريخ جافلين وTow-2b وإتمام تركيب صواريخ “امرام” على طائرات F16 الممنوحة لمصر، حيث كانت مصر قبل قبول الاتفاقية تتسلم طائرات F16 بدونها.
الفائدة الأمريكية من وراء تلك العلاقة شرحها القائد الأسبق للقيادة المركزية للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط أنطوني زيني أواخر أبريل 2013، حيث قال: “إنه تغيير شامل في المفاهيم والعقيدة والتسليح، إنهم لا يدركون أية فوائد نجنيها من وراء علاقتنا بالجيش المصري”.
وتابع: “علام حصلنا من وراء ذلك؟.. حرب الخليج، الصومال، القدرة على القتال المشترك بناء على العقيدة العسكرية نفسها، مكان للتدرب يتميز بمساحة جوية وبحرية متجاورة تمكننا من العمل على مستوى كنا بحاجة للتدرب عليه، لقد قدم المصريون ذلك لنا”.
اضف تعليقا