من الصعب بل من المستحيل تصديق أن سعر أي سلعة يمكن أن ينخفض حتى يُباع بالقيمة “السالبة”، أي أقل من الصفر، ولكن ما حدث أن المستحيل قد تحقق وانخفضت أسعار النفط بصورة غير معقولة، حيث سجل برميل النفط الأمريكي قيمة أقل من الصفر.
البعض يرجئ ما حدث لأسعار النفط إلى فيروس ” COVID-19″، المعروف بفيروس كورونا، والذي أثر سلباً على الاقتصاد العالمي الذي أصبح في انكماش دائم مع تزايد تفشي المرض، حيث أُغلقت مصانه وحدود دول، ومُنع الناس من السفر وفقد الكثيرون وظائفهم، ما سبب خسائر اقتصادية فادحة في العالم بأسره، وبطبيعة الحال، كان لأسعار النفط نصيب من هذه الخسائر.
الأمر بدأ بانخفاض الإنتاج، حيث انخفض الطلب العالمي على النفط ووصل إلى 29 مليون برميل يومياً مقارنة بـ100 مليون برميل العام الماضي، وعليه اتفقت “أوبك” والمنتجون الآخرون على خفض الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يوميًا، وهو أقل بكثير من انخفاض الطلب، ليتسبب هذا القرار في فائض كبير من النفط في السوق بلا مشترون.
امتلأت سعة التخزين على الأرض بسرعة، خزنت العديد من البلدان المستوردة للنفط كميات كبيرة من ه، مستفيدة من الأسعار الرخيصة “النادرة” التي قد لا تدوم.
من ناحية أخرى، حاول منتجو النفط التعامل مع الأمر -على أمل الحفاظ على حصتهم ومكانتهم في السوق- بتخزين الفائض في البحر، عن طريق تأجير ناقلات النفط بتكاليف عالية، حيث يُعتقد أن البعض يدفع ما يزيد عن 100000 دولار أمريكي في اليوم لكل ناقلة.
مستقبل أسعار النفط
السؤال الذي يراود الجميع الآن، كيف انزلقت أسعار النفط في “ألبرتا”، وفي غرب تكساس الوسيط (WTI)-وهو مؤشر النفط الأمريكي، إلى المنطقة “السالبة”؟
في الظروف العادية، يُباع نفط “ألبرتا”، المشتق بشكل أساسي من الرمال النفطية (يشار إليه باسم ويسترن سيليكت)، بسعر أقل من سعر خام غرب تكساس الوسيط بحوالي من 10 دولارات إلى 15 دولارًا أمريكيًا، لأنه يجب استخراجه من تضاريس صخرية عميقة، ما يجعل عملية تكريره صعبة لذلك يتم نقله آلاف الكيلومترات إلى المصافي الأمريكية
هكذا أصبحت أسعار النفط في ألبرتا بقيمة سلبية، بمعنى أن السعر القياسي الآن أقل من تكلفة الإنتاج والنقل والتخزين.
القلق والارتباك أصاب أصحاب العقود الآجلة للنفط الخام في “غرب تكساس الوسيط”، حيث سيتم تسليم النفط في غضون بضعة أشهر بسعر اليوم، لتسجل البورصة خسائر فادحة الاثنين، حيث انخفض سعر برميل غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى أدنى مستوى عند 37.63 دولار للبرميل، الأمر الذي دفع أصحاب العقود المستقبلية بمحاولة التخلص من عقودهم قبل تسليم النفط في الواقع مع أي مكان لتخزينه.
لا يمكن توقع استمرار هذا الوضع لفترة طويلة، قد يقبل المنتجون، على المدى القصير، أسعارًا أقل من سعر التكلفة المتغيرة طالما أنهم قادرون على دفع بعض التكاليف التي سيتكبدونها حتى إذا توقف إنتاج النفط.
ولكن مع مرور الوقت، ستتوقف الحفارات عن العمل (من الناحية الفنية، سيتم الحفاظ على عمل القليل منها لتجنب تعرضها للتلف) وسيتم إنشاء توازن جديد بين العرض والطلب بأسعار تتجاوز متوسط التكلفة الإجمالية، لكن هذا لا يبشر بالخير سواء لألبرتا أو الولايات المتحدة.
أضرار جانبية
ما حدث لنفط “ألبرتا” الآن يُعد من الأضرار الجانبية لحرب النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية، التي بدأت الشهر الماضي، ثم جاء تزايد تفشي COVID-19 ليشكل هجوماً إضافياً على “ألبرتا”.
هذان العاملان هما الأبرز في التأثير سلباً على انتاج “ألبرتا”، والذي قد يتعطل في أي وقت بسببهما، ومع ذلك فإن الأعمال العدائية بين السعودية وروسيا مقترنة بالوباء العالمي أثبتت أنها كارثية لكندا أيضاً، ويمكن أن يكون لها نتائج مماثلة لصناعة الطاقة الأمريكية.
تعتمد روسيا والمملكة العربية السعودية بشكل كبير على عائداتهما النفطية لدعم اقتصاداتهما، وبطبيعة الحال، اقتصاد المملكة العربية السعودية أقل تنوعًا من الاقتصاد الروسي، ومع ذلك تمثل عائدات النفط نسبة عالية جدًا من الناتج المحلي الإجمالي للبلدين (المملكة العربية السعودية حوالي 50 في المائة وروسيا 38.9 في المائة) وكذلك الميزانيات العامة (المملكة العربية السعودية 87 في المائة وروسيا 68 في المائة) والصادرات أيضاً (السعودية 90 في المائة وروسيا 59 في المائة)، لذلك من الصعب تصديق صمود البلدان أمام هذه الأسعار المنخفضة وتمسكهما بمواقفهما الحالية.
تحتاج روسيا إلى سعر 60 دولارًا أمريكيًا على الأقل للبرميل لموازنة ميزانيتها الحكومية، وإلى سعر أعلى لموازنة حسابها الجار، وهذا يعني صادرات السلع والخدمات ناقص واردات السلع والخدمات، بالإضافة إلى صافي تحويلات رأس المال قصيرة الأجل.
أما السعوديون، فهم يحتاجون إلى سعر أعلى بكثير، حيث يمكن للمملكة، التي لا تزال المنتج الأقل تكلفة للنفط في العالم.
وعليه، فإن توازن أسعار النفط يحقق استقرار كل من النظامين السياسيين الروسي والسعودي والأنظمة الأخرى وبالتالي الاقتصاد العالمي.
لكن تحقيق الربح عندما تكون الأسعار أعلى من التكلفة لا يكفي، لذلك تحتاج المملكة العربية السعودية إلى سعر 80 دولارًا على الأقل للبرميل لموازنة ميزانيتها، وتنفيذ خططها لتنويع اقتصادها والحفاظ على اقتصاد مدعوم بشكل كبير.
هذه فرضيات نظرية، مقيدة في المقام الأول بالظروف المحيطة، وإن تم التغلب على عقبة الحرب الروسية السعودية، كيف يمكن التعامل مع جائحة “كورونا” التي لم يتم اكتشاف علاج لها حتى الآن، فكلما طالت مدة انتشار الوباء، الأضرار التي يسببها منتجو النفط ستتزايد أيضاً، فوصول السعر إلى هذه القيمة السلبية يعني أن منتجي البترول يدفعون للمشترين للتخلص من السلعة لديهم لتخرج مسئولية تخزينها من نطاق مهامهم خوفا من نفاذ سعة التخزين.
من الصعب أن نقول الآن أن أسعار النفط سترتفع بمجرد أن يهدأ الوباء، ولكن من المرجح أن ترتفع مع استبعاد المنتجين الهامشيين، ولكن ليس لفترة طويلة.
لم يعد استخدام النفط وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى متسقًا مع تجنب الكوارث المتوقعة لتغير المناخ، بل على العكس، أصبح النفط الآن أشبه بـ “الأوقاف”، حيث أصبح من الأصول العالقة التي لا يمكن التصرف فيها.
.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضًا: ما بعد انهيار أسعار النفط .. ماذا ينتظر شركات “الصخري” الأمريكية؟!
اضف تعليقا