نشرت صحيفة “ناشونال بوست” الكندية مقالاً للكاتب والباحث ” كيلي ماكبارلاند” انتقد فيه سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ توليه السلطة في البلاد قبل خمس أعوام، مؤكداً أنه خلال تلك الفترة حقق سلمان رقماً قياسياً مذهلاً من الأخطاء والفشل والفظائع الصريحة.
وقال ” ماكبارلاند” أزمات مثل تلك التي نواجهها الآن، في إشارة لجائحة كورونا، هي الوقت المناسب لتقييم القادة والرؤساء، ليلمع بعضهم، بينما يتلاشى آخرون بسبب كوارث حقيقية تسببوا فيها لبلادهم.
وأكد ” ماكبارلاند” أنه على الصعيد العالمي، لم ينجو إلا القليل من القادة في هذا التقييم، حيث تمتع عدد قليل فقط بسمعة طيبة خلال هذا الوباء، في حين انكشف فساد الآخرون بصورة لم يحسبوا لها حسبان، وامتلأت بهم قائمة أسوأ قادة في العالم؛ ليحتل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مرتبة متقدمة في هذه القائمة.
في غضون خمس سنوات فقط في السلطة، حقق ابن سلمان، الذي أوكل إليه والده الملك سلمان مهاماً سياسية منذ 2015، يجلاً مذهلاً من الأخطاء والفشل والفظائع الصريحة، حيث اشتهر حكمه بالاستبداد والديكتاتورية، فضلاً عن “الحظ السيء” الذي كان حليفه في المشاريع التي بدأها أو عزم البدء فيها، وكذلك في معظم القرارات التي اتخذها، والتي يصفها أي مراقب متمرس وذو خبرة بأنها قرارات “مميتة سياسياً”.
وأوضح ” ماكبارلاند” أن أحدث تلك القرارات الكارثية المُشار إليها، هو القرار غير الحكيم وغير الناضج المتعلق بأسعار النفط والحرب النفطية التي دخلها مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين، حيث تم خفض الأسعار بصورة كبيرة، مما تسبب في انخفاض الطلب بينما كان السعوديون يغرقون السوق بالنفط.
النتيجة: يوم الاثنين، انخفضت أسعار النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ، واضطر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان في السابق صديقًا وحليفاً قوياً لابن سلمان، إلى إطلاق عملية إنقاذ طارئة لصناعة النفط والغاز الأمريكية، بعد أيام فقط من التوسط في اتفاق لإنهاء خلاف الرياض المدمر مع موسكو.
نجت المملكة العربية السعودية من أزمات نفطية سابقة وستحتمل على الأرجح هذه الأزمة، لكن التكلفة هذه المرة كانت عالية بصورة ستؤثر حتماً على الاقتصاد المحلي، ومن الجدير بالذكر أنه ووفقاً لـ “بلومبرغ” فإن النفط السعودي جلب حوالي ربع ما تحتاجه البلاد لموازنة ميزانيتها.
الكل يخطئ أحياناً، ولكن ما يفعله ابن سلمان يؤكد أن السمت الأساسي لتصرفاته هو الخطأ، ففي بداية سلطته قام ببعض الإجراءات الإصلاحية، كالسماح للنساء بقيادة السيارات بعد حظر دام لعقود منذ دخول السيارات المملكة، ومع ذلك لم تستمر سلسلة الإصلاحات هذه طويلاً، حيث بدأ في 2017، بشن حملة اعتقالات واسعة في صفوف المعارضين والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى شخصيات سعودية بارزة كالدعاة والكتاب.
كما قام باعتقال بعض رجال الأعمال بما فيهم بعض أقاربه، وحبسهم في فندق فخم بتهمة الفساد والحصول على أموالهم بطرق غير قانونية.
ومؤخراً قام باعتقال عدد من أفراد العائلة المالكة السعودية بعد اتهامهم بالتخطيط للانقلاب وإسقاط الملك، كما توقفت جهوده لدعم المرأة السعودية، خاصة بعد اعتقال العديد من الناشطات، والتي قال ثلاثة من البرلمانيين البريطانيين المطلعين على الأمر إن النساء المعتقلات تعرضن للحرمان من النوم والاعتداء والحبس الانفرادي.
الكارثة الأكبر في عهد ابن سلمان، هي جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي اتهم بالوقوف وراء تلك العملية، وأنه من أعطى الأوامر لرجاله لتنفيذها.
وكان خاشقجي قد قُتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، بعد استدراجه إليها، حيث تم الاعتداء عليه بالضرب حتى قُتل، ثم تم تقطيع جثته بعد ذلك من قبل فريق من السعوديين سافروا خصيصاً إلى إسطنبول لإتمام هذه المهمة.
مقتل خاشقجي جاء في الوقت الذي كانت فيه الرياض تقود حربا مع اليمن المجاورة أدت إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
على الرغم من ثروتها وتقنياتها ومواردها وميزانيتها العسكرية الأكبر بكثير من الميزانية الروسية، لم تستطع القوات السعودية تحقيق أي انتصار على في اليمن على الحوثيين المدعومين من إيران سياسياً وعسكرياً، بل تم تحويل اليمن إلى ساحة قتال مدمرة، تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وانتشار الأوبئة كالكوليرا، وترك أكثر من 80٪ من سكان البلاد في حالة فقر شديد، ولعل هذه الأسباب هي التي دفعت السعوديين لاستغلال جائحة كورونا للدعوة إلى وقف اطلاق النار في اليمن، خاصة وأنها على المستوى العسكري، لم تكتسب شيئاً.
عندما وصل ابن سلمان إلى السلطة، لم يتحدث إلا عن خطط طموحة لتنمية الاقتصاد السعودي، وتنويع مصادر الدخل للاعتماد على مجالات أخرى غير النفط، كما أعلن عن خطته الإصلاحية المعروفة باسم “رؤية 2030″، والتي كانت
مبنية على ثلاث ركائز – مجتمع نابض بالحياة واقتصاد مزدهر وأمة طموحة ومتقدمة.
بالفعل تم التعاقد مع استشاريين لتخطيط مدينة ضخمة تبلغ قيمتها 500 مليار دولار في الصحراء، مدينة تضم سيارات طائرة وشواطئ ذات رمال متوهجة في الظلام وقمر صناعي عملاق.
في سبيل الحصول على تمويل لتحقيق ذلك الحلم، طرح ابن سلمان شركة “أرامكو” للنفط السعوي للاكتتاب، على أمل الحصول على 100 مليار دولار، لم يحصل منهم إلا على 75 مليار دولار فقط.
في غضون سنوات قليلة، تمكنت سياسات ابن سلمان، وبجدارة، بإجبار السعودية على الدخول في أزمة مالية ضخمة، فضلاً عن اكتسابه سمعة سيئة كقاتل لا يرحم، ومستبد غير ناضج.
اقرأ أيضاً: صحيفة فرنسية: بسبب النفط .. بن سلمان المتهور يخاطر بعلاقته مع ترامب
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا