اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي غضبا في الأيام الماضية إثر سلسلة من القرارات والتصريحات المثيرة للجدل لوزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، كان أحدثها ما قاله في مداخلة هاتفية أمس حول معاناة مصر من مكبرات الصوت في المساجد وقراءة القرآن في مكبرات المساجد، معتبر أنها عادة مصرية لا أكثر وليست سنة أو واجب.

وقبل أيام من بدء رمضان، أثار وزير الأوقاف جدلا بعد إقالته المتحدث باسم الوزارة، بسبب حديثه عن نقاشات تدور داخل أروقة الأوقاف المصرية بشأن السماح بإقامة صلاة التراويح بإمام المسجد والعاملين في كل مسجد فقط، ليخرج بعدها بسلسلة من القرارات التي أغضبت المصريين ومنها: استمرار إغلاق المساجد، ومنع صلاة التراويح، وتحذير المصريين من إقامة صلوات الجماعة أو التراويح فوق أسطح المنازل، ومنع تعليق الزينة على أبواب المساجد.

لكن أبرز هذه القرارات والذي  فجّر بركان الغضب تجاه الوزير هو أنه منع إذاعة قرآن المغرب من المساجد ما اعتبرها البعض حرباً علي الشعائر الدينية تحت مظلة الوقاية من ” كورونا”، وهو ما دفع كثيرون لتحدي القرار، وأظهرت مقاطع مصورة قيام العديد من الأهالي في مصر بإذاعة القرآن الكريم عبر مكبرات للصوت وضعوها في شرفات منازلهم. 

 

 

وسعيا لامتصاص حالة الغضب العارمة، لاحقا أعلنت الوزارة في بيان لها التراجع عن هذا القرار، مع وضع ما قالت أنها ضوابط وشروط تشغيل القرآن قبل صلاتي الفجر والمغرب، والتي رأي كثيرون أنها شروط تعجيزية ولا تمثل نية حقيقية لإلغاء القرار.

وقارن البعض بين الزحام الذي تشهده شوارع مصر ومعظم القطاعات والأنشطة، وبين الإصرار على الإغلاق التام للمساجد دون التفكير في حلول بديلة تراعي مشاعر المصريين في شهر رمضان.

هجوم رسمي

من جانبه، فتح النائب في البرلمان المصري “أحمد الطنطاوي” النار على وزير الأوقاف واصفا إياه بأنه وزير فاشل ومحدود ومستفز، ناصحا إياه بالتفرغ للسياسة وترك الدعوة لأنه لا يجيدها.

وفي بيانه، قال “طنطاوي”: “نحتاج إلى من يشرح لنا أصلا جدوى استمرار إغلاق دور العبادة في حين أن الذهاب إليها اختياري، ويمكن فتحها جزئيا مع اتخاذ إجراءات الوقاية المناسبة والكافية أثناء ذلك، في ذات الوقت الذي نرى الزحام الإجباري بكل وسائل المواصلات العامة وكثير من أماكن العمل التي يتردد عليها المواطن مضطرا في معظم الأحوال، واتباع أهم إجراءات الوقاية فيها مستحيل”.

وتابع أن وزير الأوقاف لا يملك من العلم والحجة والقبول شيئا يذكر، مضيفا: “لم تشاهد الناس من تصرفاته ولا علي ملامحه (ولو بالتمثيل والتباكي الذي يعرف كيف ومتى يتصنعه) أثر الحزن للحال الذي نحن عليه الآن، وإنما رأته يقيل المتحدث باسم الوزارة لأنه صرح بمجرد دراسة إقامة الصلاة بالإمام والمؤذن فقط دون المصلين!!”.

واعتبر أن الوزير لا يجيد سوى مغازلة السلطة، لأنه رجل سياسة لا رجل دين، واختتم بيانه بقوله:  “استقيلوا يرحمكم الله، وتفرغ للسياسة وأنت أهل لها، واترك العلم لمن هم أهل له.. تفرغ لدراسة ميكافيلي لتتعلم أكثر وأكثر كيف أن “الغاية تبرر الوسيلة”؟ واترك علوم الدين لمن يخلصون لها ويفهمون فيها”.

لا يجيد قراءة الفاتحة!

على مواقع التواصل اشتعل غضبا شعبيا ضد الوزير، وتداول مغردون مقاطع مصورة لوزير الأوقاف أثناء إمامته للمصلين، بدا فيه وهو يتلعثم في قراءة سورة الفاتحة .

 

 

كما أعاد آخرون تداول  تسريبات لجمعة، ظهرت قبل سنوات، تظهر تحول مواقفه وآراؤه تبعاً لتغير الظروف والأنظمة الحاكمة 

 

 

بينما هاجم آخرون الوزارة، معتبرين أنها تحولت في عهد جمعة إلى بؤرة من الفساد، بداية من قضية رشوة وزير الزراعة السابق، صلاح هلال (مسجون حالياً)، والذي أدلى بمعلومات تدين الوزير الحالي في القضية، مروراً بتحقيقات النيابة الإدارية عن واقعة تجهيز شقة فاخرة مملوكة له بضاحية المنيل على نيل القاهرة، بنحو 772 ألف جنيه من أموال الوقف الإسلامي.

وكان تقرير الإدارة المركزية للتفتيش المالي التابع لوزارة المالية، قد كشف إرسال جمعة زوجته ونجله لأداء مناسك الحج على نفقة الوزارة الخاصة في عام 2015، إلى جانب تورطه في فضيحة “صكوك الأضحية”، والتي حصلت الوزارة بموجبها على 16 مليون جنيه من المواطنين مقابل ذبح الأضاحي، وشراء لحوم مجمدة محلها، لا تتجاوز صلاحيتها خمسة أيام.

وهذا ما قد يفسر دفاع جمعة المستميت عن أي قرار يتخذه السيسي، والمسارعة في اتخاذ قرارات خارجة عن المألوف أحيانا، ما جعله في كثير من الأحيان ملكياً أكثر من الملك نفسه.

 

نفاق وزير أم منهج نظام

ويري آخرون أن قرارات وزير الأوقاف ليست فقط مسارعة منه لاسترضاء السيسي للإبقاء عليه كوزير، وإنما هي ترجمة حقيقية لما يسعي السيسي لترسيخه منذ وصوله للسلطة، ويستدل هؤلاء بتصريحات السيسي ومواقفه المتكررة في مناسبات عدة والتي تعضد من هذه الوجهة.

ففي أول حوار صحفي له مع صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية، بعد مرور شهر واحد على انقلابه العسكري، أكد السيسي للصحفية (ليلي ويموث) أنه قام بحركته لإيقاف المشروع الإسلامي الذي حاول الرئيس الراحل “محمد مرسي” فرضه علي المصريين، حيث قال: “أن الأزمة في الأيدولوجية التي تبنتها جماعة الإخوان لبناء الدولة، والتي تقوم علي استعادة الإمبراطورية الدينية الإسلامية”، وبعد عام كامل في لقاء له مع قناة “سكاي نيوز” الإماراتية ، قال: “لن يكون في مصر قيادات دينية ولن أسمح بذلك، فأنا المسئول عن الأخلاق والقيم والمبادئ”، ثم أكمل قائلا: “والدين أيضا”.

كما أثار الجدل في كلمته في ذكري المولد النبوي الشريف عام 2015، التي قال فيها : “ليس معقولاً أن يكون الفكر الذي نقدسه علي مئات السنين يدفع الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها”، وتابع قائلاً إنه لا يمكن ل 1.6 مليار مسلم أن يقتلوا الدنيا كلها التي يعيش فيها 7 مليارات حتى يتمكنوا هم من العيش، بحسب تصريحه.

 لكنه عاد في عام 2017 ليكون أكثر صراحة ووضوحا في تعامله مع الإسلام، حين صرح لشبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أنه لا مكان للدين في الحياة السياسية بعهده، أما في 2018 فاعتبرت تصريحاته مسيئة للإسلام إذ قال إن اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم –  مجرد أقوال لبعض الناس، والمشكلة تتمثل في القراءة الخاطئة لأصول الإسلام، واستطرد متسائلا: “ماذا عن سمعة المسلمين الآن في العالم؟! سلوكياتنا بعيدة عن صحيح الدين في الصدق، والأمانة، واحترام الآخرين، والرحمة بالناس. متابعا: حد يقولي كام في المئة من المصريين لم يكذب قط في حياته؟! 

كل هذه التصريحات المتراكمة لدى السيسي ضد النزعة الدينية للمصريين، دفع كثيرون لاعتبار أن الأمر لا يتوقف فقط عند وزير الأوقاف، بل يتخطاه إلي منظومة الحكم بالكامل، وأن ما يحدث ما هو إلا نتيجة طبيعية لدعوات تجديد الخطاب الديني التي يطلقها السيسي في كل محفل، لتنقلب الآية في عهد السيسي وتصبح بلد الأزهر هي من تقود الحرب علي ثوابت الدين.