تتابعت في الآونة الأخيرة خطوات اللواء الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا، ما يعكس حالة واسعة من الارتباك والتخبط التي يعيشها جنرال الهزائم، فقد أعلن حفتر إسقاط اتفاق الصخيرات السياسي وانقلابه على كل الكيانات السياسية المنبثقة عنه بما فيها الموالين له في مجلس نواب طبرق ورئيسه عقيلة صالح.
وجاء إعلان حفتر الذي أذيع مباشرة على قناة الحدث المملوكة لنجله صدام، بعد ثلاثة أيام فقط من طلبه تفويضا مما سماه الشعب الليبي لتولي زمام الأمور وإيقاف الاتفاق السياسي، وفي أعقاب طرح رئيس مجلس نواب طبرق مبادرة سياسية للمرحلة المقبلة.
لم تمر 48 ساعة حتي عاد حفتر ليعلن علي لسان المتحدث باسمه أحمد المسماري وقف عملياته العسكرية وقبوله بـ”هدنة إنسانية”، في مقدمة لإنهاء مشروعه العسكري فيما يبدو، بعدما خسر أكثر المناطق التي تحت سيطرته غرب طرابلس، وأدار ظهره لحلفائه في مدينة ترهونة، وسط تزايد الضغوط القبلية والاجتماعية في معسكره شرقاً، ورغم تحديده موعد الهدنة بشهر رمضان الحالي، إلا أن مراقبين يرون أن الخطوة تهدف لمحاولة وقف سقوط معاقله الأخرى غرب البلاد، لا سيما ترهونة وقاعدتي الجفرة والوطية من جانب، ومن جانب آخر لفسح المجال لنفسه لإصلاح جبهته الداخلية، شرقيّ البلاد، التي تشهد تصاعداً متزايداً.
هدنة من ورق
من جانبه أعلن المكتب الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، في بيان الخميس، رفضه لـ”الهدنة الإنسانية” التي أعلنها حفتر خلال شهر رمضان، معتبرا أن الأخير “اعتاد على الغدر والخيانة”، وأثبت أنه ليس شريكًا للسلام، مشترطا ضمانات وآليات دولية للمضي في أي عملية وقف إطلاق نار في البلاد.
وأكدت حكومة الوفاق، في بيانها، أنها “كانت وما زالت ملتزمة بحقن دماء الليبيين، بينما لم تتوقف المليشيات المعتدية عن قصف الأحياء السكنية في العاصمة طرابلس، وتسبب ذلك في مقتل العشرات من المدنيين وتدمير بيوتهم”.
وأكدت الحكومة أنها رغم تلك الانتهاكات، فقد قبلت بالهدنة الإنسانية السابقة التي تمّت الدعوة إليها لمواجهة خطر وباء كورونا، مضيفة: “اتضح للجميع ما كنّا نؤكده من أن الإنسانية مفقودة لدى المعتدي ومليشياته ومرتزقته الإرهابيين، حيث اعتبر الوباء فرصة لتصعيد اعتداءاته مستغلا انشغالنا بمواجهة هذه الجائحة”.
واعتبرت الحكومة أن “ما سبق من انتهاكات وخروقات يجعلنا لا نثق أبداً في ما يعلن من هدنة، لأنه اعتاد على الغدر والخيانة، وما أعلنه المعتدي منذ يومين بالانقلاب على الاتفاق السياسي والمؤسسات الشرعية يؤكد بأنه ليس لدينا شريك للسلام بل أمامنا شخص متعطش للدماء مهووس بالسلطة”.
وشددت على أنها ستواصل “الدفاع المشروع عن نفسها، وضرب بؤر التهديد أينما وجدت وإنهاء المجموعات الخارجة على القانون المستهينة بأرواح الليبيين في كامل أنحاء البلاد”.
هزائم مستمرة
على صعيد التطورات الميدانية، أشار المتحدث الرسمي للجيش الليبي، محمد قنونو، خلال إيجاز صحفي عرضته الصفحة الرسمية لعملية “بركان الغضب” إلى وجود “جهود سلمية” لتسليم قاعدة الوطية (140 كيلومتراً جنوب غرب طرابلس) لقوات حكومة الوفاق، مضيفاً أن قاعدة الجفرة (نحو 600 كيلومتر جنوب طرابلس) “هدف معلن” لقوات “بركان الغضب”.
وسيطرت قوات حكومة الوفاق الوطني الليبية، الخميس، على أجزاء واسعة في اثنين من محاور القتال جنوبي العاصمة طرابلس، وفق تصريح أدلى به مصطفى المجعي، الناطق باسم المركز الإعلامي لعملية “بركان الغضب” التابعة للحكومة المعترف بها دوليا.
وأضاف المجعي أن “قواتنا تمكنت اليوم من إحراز تقدم في محوري المشروع وشارع الخلاطات، والسيطرة على أجزاء واسعة”، مؤكدا أن قواتهم تمكنت من السيطرة على تمركزات فقدتها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وتحاصر حاليا “معسكر حمزة” (في محور المشروع) جنوبي طرابلس.
وذكر المجعي أن تقدم قوات الوفاق يأتي بعد تمهيد من قبل المدفعية التي استطاعت تدمير عدة آليات مسلحة لمليشيا (اللواء المتقاعد خليفة) حفتر.
ويأتي تقدم القوات الحكومية في إطار سلسلة من الهزائم الميدانية التي كبدتها لميليشيا حفتر في معظم محاور القتال بطرابلس.
جنون إماراتي
ووفق مراقبين فقد أثارت الهزائم المتكررة لحفتر حفيظة الإمارات، وسارعت إلي محاولة إنقاذ حليفها المهزوم عن طريق جلب المرتزقة لكي يحاربوا في صفه بعد انهيار الروح المعنوية لجنوده.
وأكدت مصادر مطلعة لقناة “الجزيرة”، أن وفداً إماراتياً رفيعاً يترأسه مستشار الأمن الوطني، طحنون بن زايد، زار السودان سراً في محاولة لإقناع حليفهم هناك بدعم حفتر، وتابعت المصادر أن طائرة إماراتية تحمل شعار فريق “مانشستر سيتي” لكرة القدم” حطت في الجزء العسكري من مطار الخرطوم، وكان على متنها مسؤولين إماراتيين بارزين.
وكانت طائرة أخرى قادمة من مطار عدن وتحمل الرقم FXX2534 قد استبقت وصول طائرة المسؤولين الإماراتيين بنحو نصف ساعة.
ومن المعروف أن مطار الخرطوم مخصص فقط لاستقبال طائرات الشحن بعد توقف حركة الملاحة الجوية بسبب جائحة فيروس كورونا.
وأفادت المصادر بأن المسؤولين الإماراتيين جاؤوا إلى الخرطوم لبحث آلية تقديم الدعم لحفتر، وإرسال مقاتلين سودانيين لدعم قواته، عقب تقدم قوات حكومة الوفاق في الأسابيع الماضية بعدة محاور استراتيجية غربي ليبيا، لكن المتحدث باسم الحكومة السودانية فيصل محمد صالح أكد أن من يزور السودان لا يحتاج للاختباء في “طائرة شحن”، وأضاف أنه رغم إغلاق المطار أمام السفريات العادية إلا أن “بلادنا يمكن أن تستقبل زيارات رسمية تتم وفق احتياطات صحية معروفة”.
لكن صحيفة “العربي الجديد ” نقلت عن برلماني مقرب من الدائرة الأولى لحفتر، أن الزيارة لم تسفر عن شيء فعلياً. ولفت إلى أن مندوب حفتر، اللواء عبد الكريم هدية، الذي يتولى منصب الأمين العام للقيادة العامة، حضر بعض اجتماعات الوفد الإماراتي في السودان ممثلاً عن حفتر.
ويبدو أن عدم قدرة حلفاء حفتر في السودان على توفير المزيد من المقاتلين، هو ما استدعى زيارة الوفد الإماراتي لممارسة ضغوط على قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إذ أكد البرلماني أن “هدية” أبلغ حفتر بأن ما وُفِّر من مقاتلين غير كافٍ، مبيناً أن معسكر حفتر “لا يعاني أزمة تسليح، بل أزمة مقاتلين من أجل مواصلة حماية مقارّه العسكرية، ولا سيما قاعدة الجفرة خط الدفاع الأول عن الجنوب الذي لا يزال تحت سيطرته”.
كل التطورات الميدانية تشير حاليا أن حفتر وداعميه يعيشون الآن أسوء حالاتهم علي الإطلاق، فبينما يتلقي حفتر هزائم مدوية في المعارك علي الأرض، تزداد جبهته الداخلية في التصدع والتآكل، بالإضافة إلي تراجع داعميه الدوليين، وربما إعادة ترتيب حساباتهم خشية أن يكون رهانهم عليه رهاناً خاسراً وأنه غير قادر على حسم المعركة.
اقرأ أيضاً: ترهونة .. هل تكون بداية النهاية لجنرال الهزائم خليفة حفتر؟
اضف تعليقا