بعد سنوات من وجودها ضمن أغنى دول عالم، يتعرض الاقتصاد السعودي اليوم لأكبر موجة انهيار منذ عقود بفعل أزمة كورونا التي تسببت في عدد من الأزمات المتلاحقة التي حاصرت الاقتصاد السعودي على كافة الأصعدة.

أعلنت السعودية عن تخفيض الميزانية الداخلية، أو بعبارات أخرى، البدء في اتباع سياسة تقشف، لم تتبعها منذ أن أصبحت أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، ولكن ومع تصاعد أزمة فيروس كورونا، وانتشاره في البلاد، وانخفاض أسعار النفط، لم تجد السعودية أمامها بُداً من أن تغير سياساتها المالية وأوجه الأنفاق فيها، ما يعرض رؤية محمد بن سلمان (رؤية 2030) للخطر.

إلى أي مدى ستنخفض الميزانيات؟

في تصريحات لوزير المالية السعودي محمد الجدعان، أكد أن السعودية تشهد أزمة اقتصادية كبيرة لم تشهدها منذ عقود، خاصة بعد انخفاض أسعار النفط بوتيرة غير مسبوقة، ومع استمرار هذا الانخفاض، فإنه من المتوقع أن تنخفض الميزانية بحوالي خمس الإنفاق الحكومي، مضيفاً أن هذه الإجراءات التقشفية ستكون طويلة الأمد.

أدى تأثير انتشار وباء كورونا على الاقتصاد العالمي إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية التي كانت تعاني منها المملكة بالفعل، في الربع الأول من عام 2020، تراجعت الإيرادات الحكومية بنسبة 22 في المائة على أساس سنوي إلى 51.2 مليار دولار كما تراجعت عائدات النفط بنسبة 24 في المائة إلى 34.4 مليار دولار.

انخفاض الناتج الإجمالي المحلي

في أبريل/نيسان تم إطلاق حزمة تحفيز لمواجهة الانهيار الاقتصادي الناتج عن أزمة كورونا، بلغ قيمتها مليار دولار، إلا أن المحللون والخبراء يتوقعون أن تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة عجز الميزانية للعام ككل، ليصل العجز إلى 112.5 مليار دولار، وهو ما يمثل 15.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد

في الوقت نفسه، من المتوقع أن يرتفع الدين الحكومي إلى 227.7 مليار دولار بحلول نهاية عام 2020، أي أقل من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، في حين أن التوقعات تدعو إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2 في المائة.

السوق السعودي تأثر بهذه التغيرات أيضاً، على سبيل المثال، وكالة ” موديز للتصنيف الائتماني خفضت نظرتها المستقبلية لتصنيف السعودية، من مستقرة إلى “سلبية”، بسبب ارتفاع المخاطر المالية في المملكة، ومع ذلك، أبقت وكالة التصنيف الائتماني السيادي للمملكة عند مستوى “A1” مشيرة إلى أن الحكومة السعودية “لا تزال قوية نسبيا، على الرغم من تراجع” الميزانية العامة، ومستوى الدين المتوسط.

كنتيجة لذلك، يجب أن تعمل المملكة على إجراء تعديلات في الأنظمة المالية وأنظمة الادخار والضرائب، وعليه فإن الأجور من المحتمل أن تنخفض بنسبة 40٪، ما يعني عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية عالية، وبالتالي زيادة في التضخم المالي.

تسببت بالفعل زيادة أسعار البنزين والكهرباء والمياه وإدخال ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة في أوائل عام 2018 في موجات استياء عالية بين المواطنين السعوديين، على إثرها تم اعتقال العديد من المعارضين، والآن، تزداد المخاطر التي سيتعين على المملكة أن تتحملها خاصة وأن الشركات القوية في البلاد خفضت استثماراتها: أعلنت شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، وشركة سابك عن تخفيضات استثمارية ضخمة في المستقبل المنظور.

ماذا عن رؤية 2030؟

تم تعليق مشروع “رؤية 2030” في البلاد، في المناخ الحالي، لا تستطيع الدولة الاستمرار في برامج إعادة البناء والهيكلة التي وضعها محمد بن سلمان، والتي تبلغ قيمة تكلفتها مئات المليارات من الدولارات.

من المفارقات أن أحد جوانب المشروع هو جعل البلاد أقل اعتمادًا على دورة أسعار النفط.

المشاكل الاقتصادية الراهنة خلقت مشكلة أخرى أمام الأمير محمد بن سلمان، وهي مشكلة جيوسياسية، قد تجبر الرياض إلى إنهاء الصراعات الباهظة الثمن مثل الحرب في اليمن المجاورة، والتي لم تحقق فيها السعودية أي انتصار يُذكر منذ اشتراكها فيها قبل سنوات.

علاوة على ذلك، سيظهر الحصار الاقتصادي ضد دولة قطر الصغيرة المجاورة كموضوع للمناقشة على الساحة، كما أن الصراع مع إيران على فرض السيطرة على المنطقة يمكن أن يأخذ منحى آخر، خاصة وأن الحليف الرئيسي للمملكة العربية السعودية – الولايات المتحدة – يواجه مشاكل اقتصادية كبيرة مماثلة للمملكة، ما قد يدفع السعودية لإعادة النظر في الخريطة الجيوسياسية التي تتبعها الآن.

يُعد الصراع مع إيران هو أكبر القضايا التي أولاها محمد بن سلمان اهتمام خاص، حيث حاول بكل الطرق أن يتصدى لكل محاولات إيران لفرض هيمنتها الإقليمية، لذلك سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان يجرؤ على التراجع عن تلك الصراعات أو سيتمسك بالصراعات الجيوسياسية للمملكة.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ أيضاً: صحيفة فرنسية: السعودية تبدأ التقشف وتترقب صدمات اقتصادية أخرى