في الخامس عشر من مايو/أيار من كل عام، يُحيي الفلسطينيون ذكرى “النكبة”، بعد إعلان إسرائيل عام 1948، عبر فعاليات واسعة، تعبيرا عن تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها قسرا في العام نفسه.
غير أنه ومع تفشي جائحة فيروس “كورونا”، فقد اختفت مظاهر فعاليات الذكرى والتي استمرت لمدة 23 عامًا.
حيث حالت جائحة كورونا دون وجود فعاليات الذكرى 72 للنكبة بالداخل الفلسطيني، في حين غابت مشاهد العودة للقرى والمدن المهجرة لأول مرة منذ 23 عاما، لتتحول المشاهد والمسيرات إلى رقمية في العالم الافتراضي، وتجمع لأول مرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي الشعب الفلسطيني بالشتات والمهجر وداخل الوطن.
ليثبت الفلسطينيون من خلال فعالياتهم المستحدثة، أنهم شعب حيٌّ تمكّن من الحفاظ على ذاكرته الجمعية عبر الزمن وخلال الهجرة والتشرّد ونقلها لأبنائه وبناته، حتى أولئك الذين وُلدوا وعاشوا وماتوا خارج فلسطين.
و”النكبة” مصطلح يُطلقه الفلسطينيون على عملية تهجيرهم من أراضيهم، على أيدي “عصابات صهيونية مسلحة” عام 1948.
وفي العام 1948 أُعلن قيام دولة إسرائيل على غالبية أراضي فلسطين التاريخية، بعد أن تم تهجير قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.
وتتعرض القضية الفلسطينية في هذه الفترة، لمخاطر غير مسبوقة، جراء نية إسرائيل، ضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، حسب متخصصين ومسؤولين.
بالتزامن مع اتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع شريكه في الائتلاف الوزاري الجديد، زعيم حزب “أزرق أبيض” بيني غانتس، على أن تبدأ عملية الضم أول يوليو/تموز المقبل، وتشمل غور الأردن وجميع المستوطنات الإسرائيلية.
ويقول خبراء إن المساحة التي تعتزم إسرائيل ضمها، تزيد عن 30 % من مساحة الضفة المحتلة.
**مفترق طرق
ويقول أحمد أبو هولي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس دائرة شؤون اللاجئين فيها، إن “الذكرى الـ 72 تمر هذا العام والقضية الفلسطينية على مفترق طرق خطير، إثر الاستهداف الإسرائيلي- الأمريكي للمشروع الفلسطيني”.
وأضاف في تصريح للأناضول “إسرائيل تستغل انشغال العالم بمواجهة كورونا، وتعمل ليل نهار على تشكيل حكومة متطرفين لضم الأغوار وأجزاء من الضفة الغربية، تنفيذا لصفقة القرن الأمريكية المزعومة”.
وأشار إلى أن إسرائيل تسعى لخلق “أمر واقع على الأرض”.
وشدد “أبو هولي”، على أن القيادة الفلسطينية ستكون في حلّ من كل الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، إذا ما نفذت عملية الضم.
وأشار إلى أن القيادة الفلسطينية، أقرت جدول فعاليات، لإحياء ذكرى النكبة هذا العام، تحت عنوان “عائدون إلى فلسطين”.
** فعاليات افتراضية
وتخلو فعاليات الذكرى الـ 72 للنكبة، هذا العام من التجمهر، بحسب منسق اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، محمد عليان.
وقال عليان، للأناضول، إن “اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة، قررت أن يقتصر برنامج هذا العام على الفعاليات التي لا تجمع شعبي فيها، كالتظاهر افتراضيا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكرفع الرايات على المنازل، وإطلاق صافرة الذكرى، ووضع إكليل زهور على ضريح الرئيس الراحل ياسر عرفات”.
وأشار إلى أن مركبات، تحمل مكبرات صوت، ستجوب شوارع مدن ومخيمات وبلدات الضفة الغربية، وستبث أناشيد وطنية.
ويضيف عليان “رغم جائحة كورونا، ومخاطر تنظيم فعاليات جماهيرية، لكن يجب أن تكون هناك مواجهة حقيقية على الأرض لمنع إسرائيل من ضم الأراضي الفلسطينية”.
وتابع “في كل عام تشهد القضية الفلسطينية تطورا خطيرا، وقرار الضم أحد فصول الاستهداف المستمر للقضية”.
والأربعاء، قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمة بمناسبة ذكرى النكبة، إن إسرائيل لن تتمكن من هزيمة الشعب الفلسطيني.
وأضاف “صُناع نكبتنا أرادوا أن تكون فلسطين أرضا بلا شعب لشعب بلا أرض، وراهنوا أن اسم فلسطين سيمحى من سجلات التاريخ، ومارسوا من أجل ذلك أبشع المؤامرات والضغوط والمجازر والمشاريع التصفوية، التي كان آخرها ما يسمى صفقة القرن”.
وتابع “كل ذلك تكسر بفضل الله، على صخرة هذا الشعب الفلسطيني العظيم”.
وجدد عباس التأكيد على نية القيادة الفلسطينية إعادة النظر في كل الاتفاقات والتفاهمات، مع إسرائيل والولايات المتحدة، إذا أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن ضم أي جزء من أراضي الضفة.
وقال “سنكون في حلّ من كل الاتفاقات والتفاهمات معهما”.
** النكبة في أرقام
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، قال إن عدد الفلسطينيين تضاعف منذ “النكبة”، عام 1948 إلى ما يزيد عن 9 مرات.
وأوضح في بيان صحفي، استعرض خلاله أوضاع الفلسطينيين، بمناسبة إحياء الذكرى الـ 72 للنكبة، إن عدد الفلسطينيين بلغ نهاية العام 2019 نحو 13.4مليون فلسطيني (في الداخل والخارج).
وبين أن أكثر من نصف الفلسطينيين يعيشون داخل فلسطين التاريخية (إسرائيل والضفة وغزة)، بواقع (6.64 مليون) نسمة.
وتشير الأرقام إلى عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل، يبلغ نحو 1.60 مليون نسمة.
وبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في العام 2019، بحسب سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حوالي 5.6 مليون لاجئ.
وأضاف الجهاز، إن نحو 28.4 بالمئة من اللاجئين يعيشون في 58 مخيما رسميا تتبع لوكالة “أونروا” الأممية، بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 في سوريا، و12 في لبنان، و19 في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، و8 مخيمات في غزة.
لكنّ تلك التقديرات تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين؛ لوجود عدد غير مسجل لدى “أونروا”، إذ لا يشمل الإحصاء من تم تشريدهم بعد 1949، وحتى عشية حرب يونيو/ حزيران 1967، وأيضا من تم ترحيلهم على خلفية تلك الحرب.
وبحسب البيانات، ارتكبت العصابات الصهيونية، خلال “النكبة”، أكثر من 70 مجزرة ومذبحة بحق الفلسطينيين؛ ما أودى بحياة ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني.
وسيطر الاحتلال الإسرائيلي خلال مرحلة “النكبة”، على 774 قرية ومدينة فلسطينية، دمر 531 منها بالكامل، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
وأشارت البيانات إلى أن ما يزيد عن مائة ألف فلسطيني، استشهدوا منذ العام 1948، واعتقل مليون فلسطيني منذ 1967.
اضف تعليقا