2020 كانت لتكون سنة التمكين لمحمد بن سلمان، فقد تم منح رئاسة مجموعة العشرين للمملكة العربية السعودية سنة 2020، وهي مجموعة متكونة من أغنى عشرين دولة على هذا الكوكب، وبهذا كان لدى ولي العهد الطموح، لتحقيق فرصة كبيرة للتألق.

من المفترض أن تشكل قمة رؤساء الدول المقرر عقدها في نوفمبر فرصة لمحمد بن سلمان من أجل استعادة مكانته في الساحة الدولية، خصوصا بعد مرور سنتين من النبذ ​​الضمني الذي تعرض له بسبب قضية خاشقجي.

تم إضعاف طموحات ولي العهد التي كانت قاعدة صعوده السياسي الصاروخي، فقد تسببت الأزمة الصحية العالمية التي نتجت عن وباء “كوفيد 19” في جعل هذا البرنامج الطموح موضع تساؤل، وصارت الاجتماعات الوزارية تتم بشكل افتراضي. مما طبع الشك على مدى إمكانية حدوث القمة المزمع عقدها يومي 21 و22 نوفمبر. فبينما تم تشخيص 44830 حالة إصابة و27 حالة وفاة في المملكة، فإن الوباء لم يصل إلى ذروته بعد.

خيبة أمل محمد بن سلمان في تزايد مستمر، حيث أن أزمة النفط التي تفاقمت بفعل فيروس كورونا المستجد تضعف طموحاته التحديثية التي تشكل أساس صعوده السياسي الصاروخي.

من بين الإجراءات الاقتصادية التي قدمها وزير المالية محمد الجدعان يوم الاثنين 11 مايو رداً على انهيار أسعار الذهب الأسود، القيام بتجميد أو تأجيل بعض المشاريع التنموية الكبرى.

لم يخض وزير المالية في التفاصيل، ولكن من المؤكد أن مدينة نيوم، مدينة محمد بن سلمان الحداثية، ستدفع ثمن هذه المخططات، فقد كان من المفترض أن تشهد هذه المدينة العملاقة المستقبلية ضوء النهار في السنوات الخمس المقبلة في الجزء الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية، وذلك بميزانية 500 مليار دولار، ومن المرجح أيضًا أن تتباطأ الاستثمارات المخطط لها في قطاع السياحة.

 

تضاعف ضريبة القيمة المضافة 

أعلن الوزير جدعان أيضا عن زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، وكذلك إلغاء علاوة 1000 ريال (250 يورو) التي كانت تُمنح للأسر المحدودة الدخل منذ ثلاث سنوات.

كما أضاف فرانسوا عيسى طوازي، دبلوماسي سابق ومؤسس مشارك لمؤسسة كابمينا البحثية المتخصصة في دول الخليج، أن “هذه هي الموجة الثانية من إجراءات التقشف بعد أن تم رفع الدعم عن البنزين والكهرباء في عام 2015، وبهذا يبدو أن السلطات السعودية مصممة على إنهاء دولة الرعاية، وهذا ما يشكل نقطة تحول حقيقية. “

ومع بلوغ سعر برميل النفط 30 دولارًا، مقابل أكثر من 50 دولارًا في بداية مارس، تجد الحكومة نفسها محرومة من نصف عائدات النفط، والتي تمثل عادة 70 ٪ من الإيرادات العامة، وقد كان الانخفاض في الأسعار نتيجةً للزيادة الحادة في الإنتاج التي قررتها كل من روسيا والمملكة العربية السعودية ذلك الشهر، وانهيار الطلب خلال فترة الحجر الصحي.

يزداد نزيف الميزانية بسبب توقف السياحة الدينية، حيث أن تكلفة تعليق العمرة أو “الحج الصغير”، الذي يستقطب في رمضان العديد من الزائرين إلى الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، تبلغ مليارات الدولارات، وسيكون النقص أكبر إذا تخلت الرياض، كما هو متوقع، عن تنظيم الحج الكبير المقرر في نهاية يوليو.

وقد صرح محمد الجدعان أن ” المملكة لم تواجه مثل هذه الأزمة الحادة منذ عقود”، وتحدث فرانسوا عيسى طوازي، المتخصص في دول الخليج، أن هذا يشكل “تحديا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لمحمد بن سلمان، الذي فرض نفسه من خلال الوعد بجزيرة عربية أكثر حداثة”.

تظل الحقيقة أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بمدة الكساد، مع استفادة البلدان الكبيرة المستهلكة للنفط من انخفاض الأسعار من أجل التخزين الزائد، ومع انتهاء الحجر الصحي تدريجياً، قد تستغرق العودة إلى الوضع السابق سنة أو أكثر، وهذا ما تحدث عنه الجدعان قائلا “لا أعتقد أن العالم أو المملكة سيعودان إلى الوضع الذي كان سائداً قبل الإصابة بفيروس كورونا”.

ومع ذلك، خلال مارس وحده، خسرت السعودية 27 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية، وهو ما يعادل 5 ٪ من المبلغ الذي يحتفظ به البنك المركزي السعودي.

ومن هنا بدأت نقطة التحول الصارمة التي ستكون صعبة للتفاوض بالنسبة لمحمد بن سلمان، فقد أدى إلغاء سلسلة من المكافآت، التي تم الإعلان عنها في سبتمبر 2016، والتي تسمح لموظفي الخدمة المدنية بتحسين رواتبهم، إلى إثارة الغضب على الشبكات الاجتماعية، ولاحظ فرانسوا-عيسى طوازي “إنه تحد خطير لـمحمد بن سلمان، بسبب ما كان قدمه من وعود للنساء والشباب والطبقة الوسطى بجزيرة عربية أكثر ثراء وحداثة”.

 

التوترات مع واشنطن

في نفس الوقت، يجب على ولي العهد حل موضوع فتور علاقاته مع واشنطن، فقد كشفت وكالة رويترز أنه خلال محادثة هاتفية مع محمد بن سلمان في 2 أبريل، هدده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن في حال لم تقلل الرياض من مستوى إنتاجها النفطي، سيتم حرمان المملكة من الحماية العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، ويعد التأثير المدمر لانخفاض أسعار النفط على صناعة الغاز الصخري الأمريكي تهديدا كبيرا لأحلام دونالد ترامب باستقلال الطاقة”.

بعد عشرة أيام من هذا التحذير، اتفقت روسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض تاريخي في إنتاجها، بمقدار 9.7 مليون برميل في اليوم، و2.5 مليون برميل لكل من موسكو والرياض.

لم يكن لهذا القرار التأثير المطلوب لأنه، في غضون ذلك، شل فيروس كورونا جزءًا من أهم الاقتصادات في العالم، وأكد تصريح صحيفة وول ستريت جورنال في أوائل مايو، على التوتر الحاصل بين الرياض وواشنطن، حيث أن الولايات المتحدة سحبت أربع بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ والتي استخدمت لحماية مواقع النفط السعودية.

وقد أكد ستيفن هيرتوغ، أخصائي شؤون المملكة العربية السعودية في كلية لندن للاقتصاد: “أعتقد أن بطاريات باتريوت كانت ستسحب على أي حال، لكن من الواضح أن العلاقة لم تعد جيدة كما كانت، من المرجح أن هذا سيسرع من توجه السعودية إلى الاعتماد على الصين، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية ستواصل الاعتماد على الولايات المتحدة لسنوات عديدة قادمة على المستوى الأمني”.

 

استراتيجية التنويع

العديد من القطاعات التي تم تأسيسها كبدائل للهيدروكربونات، مثل الترفيه والسياحة، تتأثر بشكل خاص بوباء كورونا، مثل قطاع الطيران، وهو قطاع يفضله جيران الرياض، مثل قطر ودبي وأبو ظبي.

يقول فرانسوا عيسى طوازي “يجب أن تشجع الأزمة دول الخليج على إعادة التفكير في استراتيجية التنويع، من مصلحة المملكة العربية السعودية أن تهتم بالاستثمار أكثر في القطاعات الأكثر مرونة وربحية مثل الصحة والتعدين”.

وللحفاظ على دعم الطبقات الوسطى، التي تستمر قوتها الشرائية في الانخفاض، من المحتمل أن يضطر ولي عهد المملكة إلى تسريع إصلاحاته المجتمعية، مثل تعزيز الحرية الأخلاقية في غياب الحريات السياسية، وهو ما لن يرضيه.

أخيرًا، مع أزمة الصحة العالمية، أصبح من الملحّ أكثر من أي وقت مضى إحياء هيئات تنسيق متعددة الأطراف مثل مجموعة العشرين، والآن لدى الرياض الفرصة لجعل قمة رؤساء الدول في نهاية العام لحظة مهمة في مشروع العالم القادم

.

للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)