عقب هزيمتها النكراء على الأراضي الليبية، باتت دولة الإمارات تبحث لها عن بلد آخر تختبئ فيه خلف ستار الدسائس والمكائد التي تجيدها، في محاولة منها لستر خيبتها أو لعلها تواري به سوأتها التي انكشفت عقب هزيمة حليفها الاسترايتجي في ليبيا “خليفة حفتر”.

فلم تجد الإمارات أقرب من تونس، لتبخ فيها سمها وتنشر فيها قذراتها الإعلامية المعهودة، فكانت الحملة الإماراتية المشوهة الجديدة.

استهدفت من خلالها رئيس حركة “النهضة” التونسية “راشد الغنوشي” في شخصه، من خلال حملة إعلامية ممنهجة تديرها وسائل إعلام سعودية وإماراتية ومصرية، سعيا لتشويه صورة رئيس البرلمان التونسي والثأر من التقارب مع الثورة الليبيبة.

جاءت الحملة الإماراتية في الوقت الذي أصبحت هزيمة مشروعها الخاص بالثورة المضادة في ليبيا أمرًا واقعًا، عقب سلسلة من الهزائم التي تكبدها اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، الذي تدعمه عدة عواصم عربية وغربية في مقدمتها أبو ظبي والقاهرة.

أوكار الإمارات الإعلامية بدأت بقذف سمومها داخل البيت التونسي من خلال قناتي “سكاي نيوز”، و”العربية” (السعودية/تبثان من الإمارات)، إضافة لموقع “اليوم السابع” المصري (شبه رسمي).

بعد أن زعمت في تقارير لها أن “الغنوشي”، حقق ثروة مالية ضخمة، منذ عودته إلى تونس عقب انتصار الثورة عام 2011، وصلت إلى 8 مليارات دولار، رغم أن موازنة البلاد لا تزيد عن 16.5 مليار دولار.

ويرى مراقبون، أن الحملة تهدف إلى إحداث وقيعة بين مجلس النواب والرئاسة بتونس، وإثارة معارك جانبية في المجلس بين الكتل، رغبةً في تفكيك مؤسسات الدولة عبر ضربها ببعضها البعض.

تغطية على الفشل

اللافت أن الحملة تتزامن مع بدء اتضاح ملامح هزيمة مشروع الثورة المضادة في ليبيا، بعد أن تكبدت مليشيا “حفتر” خسائر فادحة، عقب تلقيها ضربات قاسية في كافة مدن الساحل الغربي، وصولا إلى الحدود مع تونس، إضافة إلى استعادة الجيش الليبي قاعدة “الوطية” الاستراتيجية، ومدن بدر وتيجي والأصابعة (شمال غرب).

ويرى خبراء في توجيه الدفة الإعلامية من قبل جهات محسوبة على الإمارات ومصر باتجاه الغنوشي، محاولة للتغطية على الفشل الجديد والتدخل الخاسر في ليبيا.

“عمار فايد”، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، قال إن “ليبيا هي كلمة السر في توجيه الإمارات لشن هذه الحملة الضارية ضد الشيخ راشد الغنوشي”.

وأضاف: “رغم سهولة دحض التهم حول ذمة الغنوشي المالية، وإعلانها من قبله للجهات المختصة مؤخرا، إلا أن التجربة تخبرنا بأنه مهما كانت الاتهامات ساذجة ومضحكة، فإن كثافة الضخ الإعلامي سيجعلها مؤثرة، خاصة إذا واكبتها تحركات للنخب السياسية والإعلامية التونسية الموالية للإمارات”.

وتابع أن “الغنوشي بذل جهدا في إبعاد حزب النهضة وتونس عموما عن حالة الاستقطاب الحادة في المشرق العربي، وكان محقا في هذا وحاسما فيه، لكن فيما يبدو أن محور الثورة المضادة لا ينوي السماح لأي تجربة ديمقراطية بالتقدم إلى الإمام، خاصة إذا كان الإسلاميون جزءا منها”.

واستطرد: “لا شك أن خسائر محور الثورة المضادة مؤخرا في ليبيا لها تأثير مباشر على استهداف الاستقرار السياسي في تونس، والغنوشي بصورة شخصية، والذي أغضب اتصاله بـ(رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا فائز) السراج مؤخرا، القاهرة وأبوظبي”.

والثلاثاء، هنأ “الغنوشي”، “السراج”، باستعادة السلطات الشرعية قاعدة “الوطية” العسكرية القريبة من حدود تونس.

ووفق “فايد”: “يرجح أن يكون العامل الليبي عجل فقط بهذه الحملة التي فيما يبدو كان يتم الإعداد لها بغض النظر عن تطورات ليبيا”.

وأكد أن “محور الثورة المضادة خاصة الإمارات، يعيش منذ عام على الأقل، حالة تراجع إقليمي على مستويات سياسية وعسكرية وحتى اقتصادية؛ وتغيّر المعادلة في ليبيا مؤخرا أضاف انتكاسة جديدة لأجندة هذا المحور الإقليمية”.

وختم بالقول: “من الخطأ تصور أن استهداف الغنوشي وتونس هو علامة قوة لهذا المحور، بل هي مؤشر على الخسائر في ساحات أخرى أكثر أهمية واستراتيجية”.

آخر الأعمدة

من جهته، قال الإعلامي المصري “أسامة جاويش”، إن “سياسة الاغتيال المعنوي للشخصية هي سياسة معروفة ومتداولة، ولكنها تصبح أكثر خطرا عندما تتبناها دول بمؤسساتها وأجهزتها ووسائل إعلامها، فيصبح صدى صوت التشويه والكذب والطعن أعلى وانتشاره على نطاق أوسع”.

وأوضح “جاويش”، أن “السؤال هو لماذا قرر محور الثورة المضادة في هذا التوقيت تحديدا محاولة الاغتيال المعنوي للغنوشي؟!.. باختصار شديد كلمة السر هي ليبيا”.

وتابع: “يبدو أن محور الشر لم يتحمل هزيمة ذراعه في ليبيا خليفة حفتر على يد الحكومة الشرعية”.

وأشار إلى أن “تونس هي آخر أعمدة التجارب الناجحة من ثورات الربيع العربي، ما يعطي بصيص أمل لجيرانها في مصر وليبيا ودول الجوار الأخرى”.

وتعتبر تونس نموذجا للنظام الديمقراطي المفتوح الذي لا تهيمن قوة بعينها على تحديد بوصلته، وهو ما لا يتناسب مع التصور الإماراتي للحكم، خاصة بعد أن فازت حركة “النهضة”، بأول انتخابات عقب الثورة المندلعة، نهاية 2010.

كما أن فوز النهضة بالانتخابات البرلمانية، وصعود “قيس سعيّد”، المؤيد للثورة، إلى الرئاسة عام 2019، وبأغلبية ساحقة في الدور الثاني، أمام مرشح الثورات المضادة “نبيل القروي”، شكل إحدى هزائم الإمارات في مهد الربيع العربي.

وكثيراً ما اتُّهمت الإمارات، بمعاداتها للتجربة الديمقراطية التونسية، وسعيها إلى إفشال هذا الانتقال الديمقراطي الذي تشهده البلاد منذ سقوط نظام “زين العابدين بن علي”، في يناير/كانون الثاني 2011.

ومنذ سنوات، تحاول الإمارات التدخّل في الشأن السياسي الداخلي التونسي، بقوة المال والإعلام، للتأثير في مسار الانتقال الديمقراطي والمشهد السياسي بصفة عامة، رغم مرور 9 سنوات على اندلاع الثورة التونسية.

ويتّهم سياسيون، الإمارات، باستعداء التجربة الديمقراطية التونسية والسعي إلى مصادرة القرار السيادي للبلاد، من خلال ضخ كثير من الأموال بالساحة ودفع الأمور في اتجاه يشبه ما حدث بمصر.

كما تعرضت أحزاب الثورة بتونس، وعلى رأسها “النهضة”، لهجوم قوي من أطراف عدة تدعمها الإمارات، عبر الإعلام والذباب الالكتروني، ما دفع “حمادي الجبالي”، رئيس الحكومة الأسبق (2011 – 2013)، إلى القول إن “الإمارات تخرق السيادة الوطنية بالإملاءات والمال والإعلام”.