لطالما وُصفت مصر بأنها “سجن مفتوح” لما تعانيه من تضييق كبير من قبل الأجهزة الأمنية والحكومية على حرية الرأي والتعبير لم تشهد له البلاد مثيل قبل العهد الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي.
والآن، وبعد تفشي وباء كورونا في البلاد، أصبحت مهمة النظام المصري “السيسي” في فرض إجراءات قمعية على المواطنين أسهل، حيث نجح في الترويج له باعتباره “بُعبُع” يجب الخوف منه والانصياع لأوامر السلطات لمساعدتها في القضاء عليه، ليتحول الفيروس بذلك إلى سلاح جديد يمنح النظام العسكري المزيد من القوة لفرض سيطرته على المجتمع المدني مع مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان.
واجهت مصر إدانة واسعة في 14 مايو / أيار بعد اقتحام قوات أمنية منزل هيثم حسن محجوب مراسل صحيفة المصري اليوم اليومية، وألقوا القبض عليه بتهمة نشر “أخبار مزيفة”، كما تم اعتقال المصور المستقل معتز عبد الواحة بتهم مماثلة.
هذه ليست الموجة الأولى للاعتقالات التي طالت صحفيين أو عاملين في المجال الإعلامي بسبب نشر أخبار مخالفة للتصريحات الرسمية حول تفشي فيروس كورونا.
في تعليقه على الأمر، قال شريف منصور – منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في لجنة حماية الصحفيين: “بينما تعفو بعض الحكومات في جميع أنحاء العالم عن السجناء في محاولة للحد من انتشار كورونا، فإن مصر مصممة على إبقاء سجونها مليئة بالصحفيين بدلاً من السماح لهم بتغطية أخبار الجائحة وغيرها من الأحداث الإخبارية بحرية”.
اعتقال محجوب جاء بعد أن صادق السيسي، في 08 مايو/أيار، على تعديلات جديدة مثيرة للجدل في قانون الطوارئ لعام 1958، والتي تم تبريرها باعتبارها استراتيجية لمكافحة جائحة كورونا، وهو ما اعتبره الكثيرون أن هذه الإجراءات وغيرها قد يتم إساءة استخدامها من قبل الجيش المصري، خاصة بعد حظر الاحتجاجات والتجمعات.
منظمة هيومان رايتس ووتش أصدرت بيان في أبريل/نيسان قبل التصديق على هذه التعديلات، قالت فيه إن “خمسة فقط من التعديلات الـ 18 المقترحة مرتبطة بشكل واضح بتطورات الصحة العامة.. إن جعلها جزءًا من قانون الطوارئ يعني أنه يمكن للسلطات تطبيق الإجراءات كلما أعلنت حالة الطوارئ، بغض النظر عما إذا كانت هناك حالة طوارئ صحية عامة”، وحذرت المنظمة من أن هذه التغييرات قد تؤدي إلى قمع أكبر في حالات الطوارئ في المستقبل.
في الواقع، كانت مصر تحت حالة الطوارئ لمعظم العقود الأربعة الماضية، إلى حد كبير بذرائع مكافحة الإرهاب، لذلك من الواضح كيف سيتم استغلال هذه السلطات الجديدة، بل يمكن للنظام أن يمددها أكثر لمنع معارضة حكمه.
بعد فترة وجيزة من إعلان منظمة الصحة العالمية في 11 مارس/آذار أن فيروس كورونا هو جائحة عالمية، قامت مصر بتكثيف حملتها المستمرة ضد الصحفيين وضد حرية التعبير، حيث شكك الكثير من الناقدين والمعارضين في الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها البلاد حول عدد المصابين، حيث قالت البلاد إنهم مئات، في حين اشتبه الكثير من النقاد والتقارير العالمية
في إصابة عدة آلاف أو حتى عشرات الآلاف في وقت مبكر من بداية مارس/آذار.
الصحفية بجريدة الغارديان البريطانية – روث مايكلسون، كانت إحدى المشككين في التصريحات الرسمية حول أعداد الإصابة بالفيروس، وكنتيجة لدراسة نشرتها حول ذلك، أجبرت السلطات المصرية مايكلسون بعد ذلك على المغادرة في 26 مارس / آذار.
بطبيعة الحال، تم التضييق على المصريين الذين نشروا مواضيع مشابهة تنتقد الحكومة المصرية في التعامل مع الأزمة، بل واجه المصريون معاملة أقسى، حيث تم اعتقال مروة عرفة وخلود سعيد وتعريضهما للاختفاء القسري بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي.
مع زيادة اكتظاظ السجون في مصر، ومنهم عشرات الآلاف من السجناء السياسيين، يواجه المعتقلون أيضًا مخاطر انتشار الفيروس خاصة بعد ظهور أعراض مشابهة لأعراض المرض على العديد من المعتقلين، ومع ذلك، قامت السلطات باعتقال بعض النشطاء في مارس / آذار أثناء مشاركتهم في وقفة احتجاجية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين.
منذ انقلاب يوليو/تموز 2013 ضد محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، ويحاول الجيش المصري تعزيز سلطته، حيث واصل الجيش سيطرته على الحكومة والاقتصاد والتي بدأها منذ الانقلاب على الملك فاروق عام 1952، وكان كل حاكم منذ ذلك الحين جنرالًا عسكريًا، باستثناء مرسي.
ومع الدعم الخارجي الهائل وضمان الإفلات من العقاب، عزز السيسي سلطته الاستبدادية أكثر من أي زعيم سابق وقد يظل في السلطة حتى عام 2034 بعد التغييرات الدستورية التي أجراها العام الماضي، ليتم بذلك ترسيخ سلطته الاستبدادية التي بدأت مع بداية الانقلاب، وخاصة مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية، حيث قُتل أكثر من 1000 معتصم ضد الانقلاب في يوم واحد، مما كشف الوحشية التي يستطيع النظام المصري القيام بها.
الصحافة وحرية الصحافة من بين الضحايا الرئيسيين للثورة المضادة في مصر، مع عدد لا يحصى من الصحفيين والنشطاء الذين يواجهون الموت أو السجن منذ ذلك الحين.
وفاة المخرج الشاب شادي حبش داخل مقر احتجازه في 03 مايو/أيار كان بمثابة تذكير مؤلم للواقع المرير الذي تعيشه حرية الرأي والتعبير في مصر، حيث تم اعتقال شادي قبل عامين بعد مشاركته في إخراج أغنية ساخرة من السيسي.
على الرغم من تجدد الاحتجاجات في سبتمبر/أيلول الماضي، ظهر للعالم أن النيران التي أشعلت احتجاجات ميدان التحرير الضخمة في ثورة يناير 2011 لم يتم إخمادها بعد، إلا أن أزمة فيروس كورونا منحت الحكومة الآن المزيد من الأدوات لقمع أي معارضة؛ بحجة مكافحة الوباء.
لم يكن للنظام المصري الحالي أن يرسخ حكمه الاستبدادي دون دعم ومساندة من قوى خارجية مختلفة، وهو ما وجده النظام من السعودية والإمارات وعدد من حلفائهم الغربيين الذين دعموا الثورة المضادة في مصر بكل الأدوات الممكنة.
الولايات المتحدة تُعتبر شريك أساسي أيضاً في انتهاكات النظام بسبب المساعدات العسكرية التي لا زالت تقدمها للجيش المصري منذ عام 1979، لمنع استسلامها للاتحاد السوفييتي، ولمنع الصراع المستقبلي مع خصمها السابق إسرائيل.
يوصي تقرير من “مشروع مراكز الفكر حول الديمقراطية في الشرق الأوسط (بوميد) ومركز السياسة الدولية (CIP) ” ومقره واشنطن بأن الولايات المتحدة يجب أن تقطع المساعدات العسكرية للحكومة المصرية، حيث وأن الدعم الواسع لواشنطن، والذي يعتمد عليه الجيش المصري بشكل كبير، يخلق “شعورًا بالاستحقاق” بين قادة البلاد.
إن سحب المساعدة العسكرية الأمريكية من شأنه أن يبعث برسالة حازمة إلى السيسي بأن هذا الدعم ليس “غير مشروط”، وأن انتهاكاته لحقوق الإنسان غير مرحب بها، وهي ذات الرسالة التي ستصل للنظام المصري إذا قامت قوى غربية أخرى مثل بريطانيا وفرنسا، بقطع دعمها.
في نهاية المطاف، سيتطلب ذلك إعادة توجيه مهمة للسياسة الخارجية داخل الغرب ككل، قد يعوق عصر ترامب مثل هذه الإصلاحات، بالنظر إلى دعم واشنطن القوي لمصر؛ خاصة وأن ترامب وصف السيسي بأنه “الديكتاتور المفضل”
.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا