للوهلة الأولى، قد يكون منطقيا اعتبار أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وجهان لعملة واحدة، نظرا لفرط التشابه بينهما، وتشابك مصير الرجلين وارتباطه ارتباطا وثيقا، فضلا عن أن كليهما يتحكمان في مصير بلديهما رغم كونهما وليي عهد فقط، لكن كل منهما لديه أحلام وهوس بالسلطة بالإضافة إلى تبنيهما مشروعا استبداديا جديدا في المنطقة يقوم على أنقاض القومية العربية وما يعرف بالإسلام السياسي.

محمد بن زايد آل نهيان، 59 سنة، ولي عهد أبوظبي، الإمارة الرئيسية لدولة الإمارات العربية المتحدة، ومحمد بن سلمان، 34 سنة ولي العهد السعودي، يشكلان أكثر ثنائي سياسي مغامر وربما متهور في الشرق الأوسط، حيث يهدف الأميران إلى فرض نظام إقليمي جديد على غرار العداء المشترك تجاه إيران الشيعية والإسلام السياسي الذي يجسده الإخوان المسلمون، وذلك من خلال الاستفادة من الدعم القوي لهما من ترامب.

تهور مشترك في اليمن

من بين المشروعات التخريبية المشتركة التي جمعت بين المحمدين هو خوضهما غمار حرب اليمن، التي ربما خاضاها لأغراض متباينة ففي حين كانت لدى بن زايد أطماع في ثروات اليمن وموانئها، كان محمد بن سلمان يهدف إلى صد ميليشيات الحوثيين التي يُنظر إليها على أنها حصان طروادة لإيران وتشكل خطرا على حدود السعودية الجنوبية. 

ويقول يوسف العتيبي، السفير الإماراتي في الولايات المتحدة، في رسالة بريد إلكتروني مسربة بعد وصول بن سلمان لسدة الحكم: “مهمتنا الآن هي بذل كل جهد ممكن لضمان نجاح محمد بن سلمان”.

ورغم أن الإمارات عادت وتخلت عن السعودية في منتصف الطريق، وعمدت إلى خفض قواتها وسحب جزء كبير منها، وهو ما عده محللون أن الإمارات تهدف من وراء هذا الانسحاب إلى توريط السعودية في اليمن بشكل أكبر وتركها وحدها في بحر من الرمال المتحركة، ما يضعف من قوتها شيئاً فشيئاً لتتمكن الإمارات من تعظيم نفوذها في المنطقة على حساب السعودية المنشغلة بحروب ونزاعات.

لكن فارع المسلمي خبير الشؤون اليمنية بمعهد تشاثام هاوس للعلاقات الدولية في بريطانيا يعتقد أن هذه التحليلات غير واقعية، “فمن المعروف أن الإمارات لديها طموح ونفوذ في المنطقة لكنها وبكل تأكيد تعمل مع السعودية بتنسيق عال، فالدولتان لهما حدود مشتركة والسعودية بالنسبة للإمارات دولة كبيرة للغاية واستراتيجية ومهمة في المنطقة وعلاقة الاثنين ببعضهما مهمة للطرفين”

ويتابع أنه فيما يتعلق بالمسألة اليمنية فيمكن القول إن الطرفين لم يعودا على الدرجة نفسها من الاتفاق مضيفا أن “الإمارات أذكى من أن تتخلى عن السعودية، ليس من أجل اليمن وإنما للأهم من ذلك وهي أزمة قطر التي تعتبرها أبو ظبي أكبر مشاكلها في الوقت الحالي بالتالي فهي لن تتخلى عن السعودية من أجل مقاربات مختلفة في اليمن وهي تحتاجها في الأزمة الأكبر مع قطر”.

تشابه لافت

وفي تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية، يشير إبراهيم فريحات، خبير العلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إلى أن “الأزمة الحالية في الخليج تدين بالكثير للتقارب الحاصل بين الأميرين، مما يعطينا انطباعا برغبتهما في إعادة تشكيل المنطقة بأيديهما”. 

ويعتبر سيمون هندرسون، المتخصص في شؤون الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنه “قد يكون بن زايد وبن سلمان المهندسين المعماريين لكارثة مستقبلية بسبب تهورهما واستهتارهما”. 

ويعتبر محمد بن زايد الوصي الفعلي والمتحكم الرئيسي في سياسات دولة الإمارات العربية المتحدة منذ إصابة الرئيس الرسمي، أخوه غير الشقيق خليفة، بسكتة دماغية سنة 2014 واختفائه من المشهد السياسي، ولم تتوقف سيطرته على المؤسسات عن التوسع من خلال منح أقربائه مناصب رئيسية، مثل ابنه خالد الذي تم تعيينه رئيسًا لجهاز أمن الدولة ونائبا لمستشار الأمن الوطني. 

أما محمد بن سلمان، فقد ظل لفترة في المرتبة الثانية في ترتيب خلافة المملكة العربية السعودية خلف ابن عمه، وزير الداخلية محمد بن نايف، قبل أن يحل محله في ترتيب الخلافة وينصبه والده وليا للعهد في منتصف 2017، بعد دعم كبير وثابت له كابن مفضل للملك جعله يترأس عدة مناصب حساسة وبارزة من بينها وزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ورئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، ورئيس المجلس الأعلى لأرامكو.

الأزمة الخليجية

وتعتبر الأزمة الخليجية أحد أبرز المغامرات المتهورة التي قادها المحمدين معا في 2017، وتجمع الشواهد حاليا على أن دولة الإمارات تقف حجرة عثرة أمام إنهاء الأزمة الخليجية، ويؤكد مراقبون أن أبوظبي تلعب دورا مشبوها في زيادة حدة الخلاف الخليجي الداخلي وعرقلة مساعي إنهائها خدمة لأطماعها.

ونهاية العام الماضي، ظهر حديث حول ذوبان الجليد في الأزمة الخليجية في أعقاب سلسلة من التطورات بين دول الحصار وقطر، بدأت بحضور رئيس الوزراء القطري اجتماعا طارئا لمجلس التعاون الخليجي في شهر مايو/أيار الماضي في مكة، كما أجرى وزير الخارجية القطري، “محمد بن عبدالرحمن آل ثاني”، بزيارة غير معلنة للسعودية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

لكن على الفور، تدخلت الإمارات لوقف إتمام المصالحة، وواصلت مؤامراتها لتخريب أي محاولات لحل الأزمة الخليجية عقب الحديث عن قرب التوصل لاتفاق بين السعودية وقطر.

وذكر الكاتب ديفيد هيرست في مقال نشره موقع “ذي ميدل إيست آي” البريطاني أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يستميت لإفشال اتفاق الرياض والدوحة وأي جهود لحل الأزمة الخليجية، وأضاف أن بن زايد يحتاج إلى صراع حتى يبقى يتمتع بنفوذ، وإنه من دون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيصبح قوة ضعيفة.

وفي وقت سابق، كانت هناك ثمة محادثات للتصالح بين السعودية وقطر، ومهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمكالمة هاتفية بين أمير قطر وولي العهد السعودي قبل أن تتهم السعودية قطر بعدم التعامل بجدية وتقوم بتجميد الاتصالات بين الطرفين، بعد أن تدخل بن زايد سرا وأقنع بن سلمان بوقف ذلك الحوار.

ويضيف أن محمد بن زايد ما زال يمسك بزمام محمد بن سلمان ويقوده، وأنه على الرغم من أن بن زايد هو العقل المدبر الذي يقف خلف سياسات ولي العهد السعودي، فإن الدولة السعودية هي التي تتحمل العبء الأكبر، فقبل كل تدخل قام الإماراتيون بتنظيمه وتمويله، كان اللاعبون الإقليميون يسعون للحصول على مباركة السعودية.

المعلم والتلميذ 

وتقترن شهية هذين الرجلين للسلطة بتصميم على منح دولتيهما دبلوماسيةً هجومية، خلافا لما تم نهجه في الماضي. 

فخلال عهد الشيخ زايد، والد محمد بن زايد، ما بين سنة 1971 و2004، مارست الإمارات سياسة خارجية توافقية تقوم على الوساطة ودعم القضية الفلسطينية، أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية المنطوية تقليديًا، فقد كانت تكافح من أجل تولي مركزها كقوة إقليمية. 

وفي سياق عدم الاستقرار السائد في الشرق الأوسط، الذي يتسم بالضغط المتزايد لإيران، تحول هذان البلدان إلى “قوة خشنة”، لدرجة الاقتراب سرا من أكثر دول المنطقة نشاطا في هذا المجال، وهي إسرائيل.

على الرغم من أوجه التشابه هذه، فلا يمكن النظر إلى الوريثان بشكل متساو، فإلى جانب كونه الأخ الأكبر، يتمتع بن زايد بمكانة متميزة بفضل تجربته كطيار مقاتل ولقبه نائب قائد الجيش الإماراتي الأمر الذي يجعله يتفوق على محمد بن سلمان، المبتدئ في الشأن العسكري. 

ويقول أندرياس كريج، أستاذ في كلية كينجز كوليج في لندن: “العلاقة بين الاثنين تشبه علاقة المرشد مع تلميذه، فمحمد بن زايد آل نهيان هو بمثابة نموذج ومعلم لمحمد بن سلمان.”

وهو ما جعل بن سلمان يحاول أن يتبع خطا معلمه بن زايد لاسيما في البرنامج الاقتصادي، فعمد إلى إطبلا برنامج “رؤية 2030″، على شكل استثمارات ضخمة تهدف إلى علاج المملكة من إدمانها على الذهب الأسود وأيضًا تخفيف القيود المحافظة للمجتمع السعودي ودفعه نحو المزيد من الانفتاح على غرار أبوظبي ودبي.

وتحدث مراقب أجنبي مقيم في المملكة لصحيفة لوموند الفرنسية مؤكدا أن “هذه الخطة هي نسخة مطابقة لخطة تنمية أبو ظبي، حيث أن السعوديين يعملون بنفس الطريقة ومع نفس شركة الاستشارات الأمريكية”.

على كل، يبدو أن الأمير السعودي الشاب سيظل يتبع خطى معلمه الإماراتي المتهور الذي يكبره سنا ويتلاعب به بنجاح حتى إشعار آخر.

اقرأ أيضاُ: صحيفة فرنسية: السعودية تشتري وسائل إعلام أوروبية كبرى لتلميع صورتها المشوهة