كان من المقدر أن يكون معرض إكسبو دبي الدولي المقرر انعقاده بين شهري أكتوبر/ تشرين أول 2020 ومارس / آذار 2021 أحد أكبر المعارض العالمية في التاريخ المعاصر بحسب الترويج الإعلامي الذي رافق إعداده.

واعتبر ملاحظون أن تأجيل موعد انعقاده إلى سنة تالية يعد ضربة قاسية للإمارات بعد أن كلفها الإعداد المادي واللوجستي أكثر من 12 مليار دولار رغم أن البلاد تحتكم على مقدرات مالية ضخمة، وتصل مدخرات صندوقها السيادي إلى 100 مليار دولار.

وكان معرض إكسبو 2020 الذي منح تنظيمه إلى الإمارات العربية سنة 2013 مثل فرصة لها لتحقيق بعض المقبولية التي يمكن أن تغطي على سياساتها العدوانية التي تمارسها في المنطقة وفي عديد من دول الربيع العربي عبر إظهار وجهها الناعم في محاولة للتعمية على وجهها البشع بعد أن احتفلت خلال سنة 2019 بما أسمته “عام التسامح”، بقصد التعتيم بشكل خاص على الحرب المأساوية التي تشن ضد الحوثيين في اليمن، والتي تسببت في مقتل أكثر من مئة ألف شخص خلال خمس سنوات فقط.

وقد عملت الإمارات خلال السنوات الأخيرة على محاولة توجيه الأنظار عبر تضخيم قضايا هامشية هزيلة الفائدة مثل ما أطلقت عليه “زهور التسامح” الذي حرصت فيه على دخول موسوعة غينيس، بأكبر سجادة من الزهور الطبيعية في العالم، بمساحة 5426.65 متر مربع 2، متخطية الرقم القياسي السابق لإيطالية.

وحرصت الإمارات على التركيز على مثل هذه الأشكال الفلكلورية مثل أكبر سجادة منسوجة يدويًا، وأكبر عدد من الأشخاص يتنكرون في شكل مومياوات في ثلاث دقائق، وأكبر كرة ثلج أعياد الميلاد، وأكبر صورة لوعاء قهوة بشري يمتد على مساحة ملعب لكرة القدم، وأكبر مظلة على كوكب الأرض بألوان العلم الإماراتي ……، وغير ذلك كثير من المسائل العبثية التافهة التي تفخر بها وتقيم لها المهرجانات المدوية.

وتبدو الأيام القادمة حالكة السواد ليس للإمارات فحسب بل كذلك لبقية البلدان المشاركة في المعرض وخصوصا العربية التي تجد نفسها في وضع اقتصادي صعب بسبب الأزمة العالمية التي خلفتها جائحة الكورونا وما تبعها من انحدار في أسعار النفط.

ولكن أخطر المخاوف ما تتعرض له إمارة دبي، التي كافحت كثيرا للتعافي من الأزمة العالمية سنة 2008، والتي سيتعين عليها أن تواجه أزمة جديدة ربما تكون أكثر عنفاً.

فالمدينة الرمز ليست مجرد واحة وجنة للسياح من جميع أنحاء العالم، بل تحولت إلى مقصدا لأباطرة المال والترف وتحولت شيئًا فشيئًا نتيجة الانحرافات في التشريعات المالية إلى ملاذً ضريبيًا تغيب فيه أدني قواعد الشفافية، مما أثر على سمعتها كمركز دولي لتبييض الأموال، ويتم الإبلاغ عنها بانتظام من قبل الاتحاد الأوروبي.

ومع أزمة الرهن العقاري التي أصابت سوق دبي العقاري بالشلل في عام 2008 استنفدت الأموال المخصصة لإتمام بناء برجي دبي خليفة المشهورين، وكافحت الإمارة من أجل الانتهاء من أشغال البرجين الذين أريد لهما أن يكونا رمزي دبي، ولذلك تم الاضطرار إلى طلب المعونة من إمارة أبو ظبي، وزاد الطين بلة خسارة البنوك للمليارات من اجل استثمارات فاشلة في الولايات المتحدة.

ومع ملامح الوضع الاقتصادي المتأزم الذي يلقي بظلاله على جميع دول العالم، فمن المحتمل أن يضطر محمد بن زايد ولي العهد إلى إدخال يده إلى جيبه مرة أخرى لإنقاذ لؤلؤة الاتحاد.

وحتى مع صندوق الثروة السيادي المريح الذي يبلغ 100 مليار دولار، فإن انخفاض أسعار النفط يوجه ضربة قاسمة إلى إمارة أبو ظبي كما أنه منذ بداية أزمة جائحة الكورونا، انهارت السياحة، وأثرت بدورها على تجارة العقارات، إضافة إلى المشاكل الناتجة عن الحصار المفروض على قطر والأزمة مع إيران مما أدى إلى هروب أكبر عدد من الأجانب من دبي فبعد أن كان عددهم يتجاوز أربعمائة ألف عام 2011 نزل إلى سبعين ألفا فقط اليوم.

إن المشاكل الاقتصادية الرئيسية للإمارات المتحدة ناتجة أساسا عن النهج العدواني المحموم الذي تمارسه بشكل دموي في ليبيا وسوريا واليمن علاوة على محاولة للتأثير في السياسة الداخلية وإبطاء مسار الديمقراطية في عدد من البلدان مثل الجزائر والسودان ومصر تحت عنوان فرض الاستقرار، وهو ما يكلفها مع صحبة شريكها الاستراتيجي العربية السعودية أموالا طائلة.

ويسعى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد بكل الوسائل إلى ترك بصمته على المنطقة، من خلال إعادة رسمها كما يحلو له، تحقيقا لحلم التربع على عرش إمبراطورية الشرق الأوسط بأكمله، لكن الأزمة العالمية الجديدة قد تنتهي إلى كبح جماح رغباته الوهمية أو على الأقل إلى تغيير استراتيجيته إلى وسائل أخرى أكثر رصانة وواقعية.

اقرأ أيضاً: تحليل ألماني.. أحلام “دبي” تتحول إلى كوابيس بعد تأجيل “إكسبو 2020”