بعد سلسلة من الهزائم المتلاحقة، أعلن اللواء الليبي خليفة حفتر أخيراً استعداده لإنهاء الحرب الدائرة في ليبيا، بعد فشله على مدار 14 شهر في الحصول على طرابلس الواقعة تحت سيطرة حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
وكان القائد الليبي المدعوم من روسيا، التي عانت قواته من سلسلة من الخسائر في ساحة المعركة في الأيام الأخيرة، قد أعلن يوم السبت أنه مستعد لوقف القتال والدخول في محادثات لإنهاء الحرب الأهلية في بلاده الغنية بالنفط.
من غير المرجح أن يضع هذا الإعلان نهاية فورية للقتال، ومع ذلك فإنه قدم أدلة واضحة على الحجم الحقيقي لقوات حفتر، وكذلك على نفوذ تركيا الحاسم على الجانب الآخر من الحرب الليبية، والتي أدى تدخلها لصالح الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس إلى إحباط طموحات روسيا وغير مسار النزاع.
قدم القائد الليبي خليفة حفتر عرض وقف إطلاق النار في القاهرة وهو يقف إلى جانب حليفه المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان من أبرز الداعمين له في حربه، إلى جانب روسيا والإمارات، ليصبح هذا الإعلان بمثابة محاولة مصرية للحد من خسائر حفتر بعد الانهيار الدراماتيكي لحملته التي استمرت 14 شهرًا للاستيلاء على طرابلس.
أدهش حجم وسرعة خسائر حفتر الليبيين، ويقول المحللون إن التراجع لا يمثل نهاية هجومه على طرابلس فحسب، بل من المرجح أن يعيد تشكيل المشهد العسكري والسياسي في البلاد.
قال المحلل طارق مجريسي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “جميع نقاط التحمل لدينا تتغير… من غير الواضح كيف ستبدو الأمور بمجرد أن تهدأ الأمور، لكنها المرة الأولى التي نرى فيها حفتر يقدم تنازلات منذ عودته إلى ليبيا في عام 2014. “
وتعاني ليبيا، التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا، من الفوضى منذ الإطاحة بديكتاتورها العقيد معمر القذافي من قبل تحالف مدعوم من أمريكا خلال الربيع العربي عام 2011، والذي أعقبه اندلاع للقتال بين الفصائل الليبية المختلفة، لتتصاعد الأمور بصورة كبيرة عام 2014 إلى حرب بالوكالة الإقليمية تغذيها القوى الأجنبية التي ضخت الأسلحة والأموال والمرتزقة في القتال.
على مدار السنوات الماضية، انقسمت البلاد بين الشرق والغرب، حيث سيطر حفتر على الشرق واستقر في بنغازي، بينما سيطرت الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة على الغرب واتخذت من طرابلس مقراً لها.
المشهد بدأ يتغير بعد التدخل التركي في يناير/كانون الثاني المنصرم، حيث لم تجد تركيا بداً من التدخل لحماية مصالحها المهددة بتقدم حفتر، لتسجل القوات المدعومة من تركيا سلسلة من الانتصارات الكبرى في الأيام الأخيرة، وهزمت قوات السيد حفتر بالكامل في غرب ليبيا ودفعتها على بعد مئات الأميال إلى الشرق.
بعد الاستيلاء على مطار طرابلس الدولي في وقت سابق من هذا الأسبوع، استولى مقاتلو الحكومة على ترهونة، آخر معقل للسيد حفتر في غرب ليبيا، يوم الجمعة، وترك المقاتلون الفارون ]مقاتلو حفتر[ وراءهم طائرات هليكوبتر وأنظمة أسلحة باهظة الثمن من صنع روسي ومتاجر كبيرة للذخيرة.
بحلول مساء السبت، وصلت القوات الحكومية إلى حافة مدينة سرت، على بعد 230 ميلاً شرق طرابلس، حيث اندلع قتال عنيف بين الطرفين، وتعرض مقاتلو الحكومة لضربات جوية من طائرات بدون طيار وطائرات حربية، تسببت في مقتل ما لا يقل عن 19 مقاتلا حكومياً، وفقا لتقارير إخبارية ليبية.
وفي الجنوب، استأنف إنتاج النفط في حقل نفط شرارة العملاق بعد أن هجرته قوات حفتر، حسبما ذكرت رويترز.
قال ولفرام لاتشر، المحلل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن السؤال الرئيسي الآن هو “ما الذي سيفعله الروس؟”.
تراجع مئات المرتزقة الروس التابعين لمجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة بالكرملين، لعبت دوراً حاسماً في هجوم طرابلس الذي قاده حفتر، وحققت له لفترة طويلة أماناً نسبياً دعمه للتقدم إلى الأمام.
وبحسب لاتشر فالاحتمال الأول أن الروس قد يقومون باستخدام قوتهم الجوية لمنع تقدم الحكومة من الوصول إلى امتداد شكل هلال من الخط الساحلي الذي يعد مركز صناعة النفط في ليبيا ويسيطر عليه حاليًا خليفة حفتر.
واحتمال الآخر -بحسب لاتشر-: أن وقف إطلاق النار المفترض المعلن عنه في القاهرة يمكن أن يكون ذريعة للضربات الجوية المصرية أو أي عمل عسكري آخر لدعم حفتر الأسبوع المقبل.
وأشار لاتشر إلى إمكانية استعانة حفتر بالقوات المصرية رغم إعلانه الأخير، حيث قال “أرى ذلك كتحذير للقوات الحكومية من أن مصر قد تتجاوز خطوط حمراء إذا لم توقف تقدمها… يريد المصريون إبقاء الهلال النفطي تحت سيطرة حفتر”.
وأوضح السيد لاتشير “هناك الكثير من القوى واللاعبين في ساحة المعركة…. قد يرى بعض الموالين لحفتر فرصة لتحسين موقفهم، خاصة وقد تم تنفير آخرين أو نفيهم خارج شرق ليبيا، وقد يرونها فرصة للعودة إليه… إنه مزيج قابل للاشتعال “
وأضاف أن العامل الرئيسي في إبقاء هذه القوات تحت السيطرة “هو الخوف من عدم الاستقرار الذي قد يأتي مع زوال حفتر”.
منذ شن أول هجوم له في عام 2014، اكتسب خليفة حفتر (76 عاماً) سمعة كقائد صلب بقبضة حديدية قام برفض الحلول السياسية، ولعب حلفاءه الأجانب ضد بعضهم البعض، وتفاخر بانتظام بنيته في الاستيلاء على السلطة بالقوة، ومع ذلك، ظهر في القاهرة يوم السبت بمظهر مختلف تماماَ عن طبيعته، حيث بدا شخصاً هادئاً يميل للحلول السلمية، يقف متواضعاً بجانب السيسي مقترحًا تنفيذ وقف لإطلاق النار يبدأ صباح الاثنين.
وفي خطابه، دعا حفتر جميع المقاتلين الأجانب المساندين لكافة الأطراف بالانسحاب من ليبيا مع معداتهم العسكرية، في تصريح واضح لرفضه التدخل الأجنبي في بلاده -أو هكذا صرح- وهي دعوة مذهلة بالنظر إلى مدى اعتماده على الأسلحة الخارجية طوال فترة الحرب وخاصة هجومه على طرابلس التي دعمه فيها عدد من القوى الأجنبية بالمال والنفوذ والسلاح.
يُذكر أنه قبل الموافقة على نشر جيشه، وقع اتفاقًا مع حكومة طرابلس لمنحه حقوقًا أكبر في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، مركز استكشاف الغاز الطبيعي، لكنه لم يلتزم بهذا الاتفاق بعد عروضاً مغرية من الإمارات ظهر تأثيرها في الأشهر التالية، إلا أنه أصيب بخيبات متتالية بعد التدخل التركي الذي كلل كل مساعيه بالفشل.
ويقول محللون إن تركيا وروسيا من المرجح أن تتجنبا الاشتباكات المباشرة بين قواتهما في ليبيا، ويمكنهما إبرام صفقة بشأن ليبيا.
الاحتمال الآخر هو أن حفتر سيواجه تحديًا في قاعدته في شرق ليبيا، حيث قام بتهميش المنافسين بلا رحمة لسنوات.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا