مع بداية السنة الرابعة من الأزمة الخليجية، استعرض سفير دولة قطر لدى تركيا “سالم مبارك آل شافي” 3 سنوات من الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وعما سبقه أيضا، متطرقا إلى الحملة الممنهجة التي استهدفت بلاده بهدف عزلها، ودور دبلوماسيتها الهادئة والحازمة في تجاوزها.

وخلال مقابلة معه، أكد السفير القطري، أن الدوحة منفتحة على أي مبادرة صلح حقيقية لرفع الحصار المفروض عليها من جيرانها.

وبشأن المفاوضات الجارية في إطار بعض الخطوات المتبادلة لحل الأزمة الخليجية حسب ما تداولته تقارير إعلامية، قال “آل شافي”، إن قطر “لطالما أكدت، في جميع المناسبات، على أن وحدة دول الخليج محورية في مواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة”.

مشيرًا إلى تداعيات الأزمة على مجلس التعاون الخليجي، والموقف القطري منها. ومضيفًا أن الدوحة “تواجدت في كل المؤتمرات والمحافل الإقليمية والعالمية، مشددة على أهمية الدور الدبلوماسي والحوار في الحد من النزاعات وتقريب وجهات النظر”.

كما أكد “آل شافي” على أن: “أبواب قطر دوماً مفتوحة أمام أي بادرة صلح حقيقية ترفع الحصار أولاً، وتحترم سيادة الدولة، وتمتنع عن التدخل في شؤونها الداخلية، وتحترم القانون الدولي ومبدأ المساواة بين الدول”.

وفي الوقت ذاته، شدد على أن “أي مبادرة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن دولة قطر لا يمكن أن تقبل تقويض سيادتها ولا تقبل أي وصاية أو إملاءات من أي طرف”.

فيما أشار السفير القطري إلى: “نحن منفتحون دائماً للنقاش والحوار الحضاري غير المشروط والمبني على أسس المساواة واحترام السيادة والقانون الدولي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”.

أضاف “آل شافي”، أن “المنطقة الآن بحاجة إلى التماسك والتعاون أكثر من أي وقت مضى، وما حدث (الأزمة) أثّر بشكل مباشر على حياة المواطنين ومزق الروابط الاجتماعية للعديد من الأسر، وحرمهم من ممارسة الشعائر الدينية”.

كما اعتبر أن ما حدث “ضيق عليهم (المواطنين) حين طلب منهم المغادرة بشكل فوري من دول الحصار دون أي اعتبار أو إنسانية، ودون مراعاة لحقوق المرضى وكبار السن والأقارب والطلاب، وسلب حقوق الكثيرين وممارسة أبشع أنواع التمييز ضدهم وجرّم التعاطف معهم”.

وبالنسبة للسفير، فإن ما تقدم “أمور من الصعب نسيانها أو تجاوزها، لكننا بالتأكيد بحاجة للتوحد والتضامن والتركيز على المصالح المشتركة”.

حملة ممنهجة

وتطرق “آل شافي”، إلى أن قطر واجهت “حملة ممنهجة” لتهميشها ووصمها بالإرهاب وعزلها، لكن الدبلوماسية القطرية الهادئة الحازمة الواثقة تغلبت على هذه الأفعال المشينة الصغيرة.

دبلوماسية هادئة أبقت من خلالها الدوحة، وفق سفيرها، “الأبواب مفتوحة أمام أي حوار أو محاولة لإنهاء الخلاف، ومن جهة أخرى، واجهت حملات التضليل هذه بالأدلة والشواهد عبر القنوات الرسمية والدبلوماسية المعتمدة”.

ومستعرضا حيثيات ما قبل الحصار، قال “آل شافي”: “لاشك أن فرض الحصار في شهر رمضان كان له وقع مباغت، خاصة أنه جاء ممن كنا نعتبرهم جيراناً لنا، إلا أن ذلك كان نتاج محاولات أخرى سبقته، وكانت تلك المحاولات بمثابة إرهاصات وإشارات لما سيحدث فيما بعد”.

وأوضح أن ما حدث سبقته محاولة غزو قطر عام 1996، تلتها أزمة عام 2014 عندما سحبت نفس الدول سفراءها لدى الدوحة، وتبع ذلك حملات إعلامية خبيثة مضللة كاذبة تروج لحدوث انقلاب في دولة قطر قبل ذكرى الحصار الثالثة.

مؤشرات يقول السفير، إنها دفعت بلاده لـ”التأهب والعمل على تنويع اقتصادها واستثماراتها لمواجهة أي تحرك مقبل، وكنا على بينة من أنهم لا يضمرون لنا الخير، وأن الامر لن يطول قبل أن يقوموا بخطوة جديدة، وقد أعلنت دول الحصار آنذاك عن بعض الدول الداعمة لها في موقفها، لكن سرعان ما تراجعت تلك الدول باكتشاف زيف الادعاءات والنوايا المبيتة وراءها

منحازون للشعوب

وأكد “آل شافي”، أنه لا يمكن إسكات صوت الحق وطمس الحقائق، مشيرا إلى أن “العالم بأكمله يعلم اليوم من هي الدول التي تمول الإرهاب وتدعمه، وتستثمر فيه سواء في ليبيا أو اليمن أو سوريا أو الصومال أو في غيرها، ناهيك عن محاولات التأليب التي يقومون بها والقرصنة”.

العالم بأكمله يعلم اليوم من هي الدول التي تمول الإرهاب وتدعمه، وتستثمر فيه سواء في ليبيا أو اليمن أو سوريا أو الصومال أو في غيرها، ناهيك عن محاولات التأليب التي يقومون بها والقرصنة.

“لكن دبلوماسية المبادئ القطرية”، يتابع السفير، “تغلبت على دبلوماسية الفتن والإرهاب وشراء الذمم، واستمرت دولة قطر في ممارسة ما تؤمن به ومواصلة الانحياز للشعوب وعدم التآمر عليها، والاستثمار في التنمية والنهضة وإحلال السلام”.

واستشهد “آل شافي”، باختيار قطر من قبل الأمم المتحدة لتأسيس مكتب على أرضها لمكافحة الإرهاب، ما يؤكد موقف الدوحة المناهض للإرهاب ونفي ما تدعيه دول الحصار.

السفير القطري استشهد أيضا بـ”اتفاق السلام التاريخي الذي تم توقيعه في الدوحة بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، في فبراير/شباط الماضي، بعد جهود حثيثة من قطر لإنهاء هذا الصراع الذي استمر عقودا وأنهك أفغانستان ومزقها وحال دون أي تنمية حقيقية، رغم المحاولات اليائسة لبعض دول الحصار لإفشال هذا الاتفاق وعرقلته”.

وحتى في أزمة جائحة “كورونا”، يقول “آل شافي”، إن قطر، ورغم أنها محاصرة، إلا أنها أثبتت وجودها دائما في طليعة الجهود الإنسانية والتطوعية.

ولفت إلى إرسال الدوحة شحنات طبية وإنسانية إلى أكثر من عشرين دولة، كما قامت ناقلتها الوطنية بنقل 1.8 مليون راكب إلى أوطانهم في الوقت الذي توقفت فيه معظم شركات الطيران في العالم عن العمل.

ووفق السفير، أبرمت الخطوط القطرية مؤخراً اتفاقية مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، من أجل نقل المساعدات الإنسانية والإغاثية للنازحين حول العالم، وفي خضم ذلك كله، قامت دولة قطر بدعم الشعب الفلسطيني الشقيق مؤخراً بأكثر من 150 مليون دولار، والتبرع بقيمة 20 مليون دولار، دعما للتحالف العالمي للقاحات والتحصين.

مجلس التعاون

وفي معرض رده عن إمكانية انسحاب قطر من مجلس التعاون الخليجي في ضوء تداعيات الأزمة الخليجية، التي تعتبر الأسوأ بالنسبة للمجلس منذ تأسيسه عام 1981، قال “آل شافي” إن “الحصار الجائر فشل في تحقيق النتائج المرجوة منه، إلا أنه نال بشكل كبير من مصداقية مجلس التعاون الخليجي”.

وأضاف: “رغم ذلك، مازلنا ملتزمين بالمجلس الذي تم تفريغه من مضمونه، ولابد من إعادة تفعيله ليعمل على رأب الصدع بين دول الخليج”.

وتابع: “نحن بحاجة إلى ضمانات بأن تكون كل القواعد والضوابط ملزمة لجميع الأطراف في المجلس دون انتقائية”، معربا عن أمل الدوحة في أن يستعيد المجلس دوره الحقيقي، وأن يكون نواة تعاون وتكامل تلبي تطلعات جميع الدول الأعضاء (السعودية والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان إلى جانب قطر).

مونديال 2022

وبخصوص استعدادات الدوحة لتنظيم مونديال 2022، وما تروج له بعض التقارير الإعلامية من احتمال تعليقها بسبب الحصار، أكد “آل شافي”، أن “الاستعدادات جارية بهذا الخصوص، وقطعنا شوطاً كبيراً بالفعل، ويجري العمل حالياً لاستكمال المراحل النهائية من الملاعب المتبقية بحسب المعايير المقررة من الاتحاد الدولي”.

وأشار إلى أن قطر تسعى لـ”تقديم ملاعب صديقة للبيئة تتمتع بأفضل المواصفات والمقاييس، وسيكون مونديال 2022 في متناول الجميع من الناحية المادية، ولن يعوقنا استمرار الحصار عن مواصلة استعداداتنا لهذا الاستحقاق الهام، خاصة أن فوزنا به كان السبب الرئيسي لفرض الحصار علينا ومقاطعتنا”.

وأعرب السفير عن ثقته في أن “قطر ستنجح في تنظيم أفضل دورة لكأس العالم لكرة القدم، إذ يعلم الجميع أن لها باعا طويلا في استضافة الأحداث الرياضية، وقد أدى نجاحها في تنظيم مثل هذه الأحداث إلى مراكمة العديد من الخبرات والتجارب على كافة المستويات”.

وختم قائلا: “لا شك أن أهمية هذا الحدث الرياضي قد زادت حالياً باعتباره سيكون أول حدث ترفيهي يجتمع فيه محبو كرة القدم من كل أنحاء العالم بعد تفشي فيروس كورونا وما خلفه من خوف وعزلة”.