تواصل دولة الإمارات تدخلاتها السافرة وغير المبررة في دول عربية وإسلامية لاسيما التي اندلعت فيها ثورات الربيع العربي، وتهدف الإمارات من وراء هذه التدخلات إلى خلخلة الأوضاع في تلك الدول، وخلق حالة من الفوضى عن طريق دعم الانقلابات العسكرية كما الحال في مصر ومؤخرا في ليبيا، وكذلك تمويل الميليشيات والمرتزقة الأجانب في حربهم ضد حكومات منتخبة لاستبدالها بأخرى استبدادية تضمن من خلالها الامارات تطبيق أجندتها في المنطقة كتونس والمغرب.

دولة المؤامرات

وأصبح معروفا عن الإمارات سلوكها الذي يقوم على تدبير المؤامرات وبث القلاقل في المنطقة العربية عموما وفي الدول التي تستهدفها بشكل خاص، ويري مراقبون أن الإمارات تهدف من وراء مشاريعها إلى تطوير علاقات منسقة ومستقلة مع القوى العالمية، وإيجاد نفوذ لها في المنطقة لبناء نظام إقليمي جديد.

وتحتاج الإمارات إلى حلفاء إقليميين لبناء النظام الإقليمي المأمول، لكنها في الوقت نفسه تجد نفسها في كل جولة مهزومة أمام تركيا، القوة الإقليمية المهمة بالمنطقة، ولهذا تسعى إلى بذل جهود نشطة في المناطق التي تشهد نشاطاً تركياً، ويمكن قراءة أنشطة أبو ظبي في ليبيا والأزمات ذات الصلة بهذه الطريقة.

كما تركز أبوظبي على استهداف الجهات الفاعلة، التي لا ترغب في أن تكون جزءاً من مشاريعها في اليمن وليبيا وغيرهما، أو حتى الجهات الفاعلة التي تعمل على تطوير سياسات محايدة وعلاقات وثيقة مع أنقرة، كما هو الحال في الهجمات الإماراتية، التي تستهدف جهات فاعلة في المغرب وتونس.

وتقيم الإمارات تعاوناً ملحوظاً مع الروس في ليبيا، عبر تمويل مرتزقة تابعين لشركة “فاغنر” في البلد العربي، لدعم الجنرال الانقلابي، خليفة حفتر، ضد حكومة الوفاق الليبية.

 وتعتبر الإمارات هي الشريك الأكثر أهمية للتحالف العسكري العربي في اليمن، حيث تقدم دعماً للقوى الانفصالية جنوبي اليمن، وكذلك دعماً مالياً ودبلوماسياً لدكتاتورية الأسد في سوريا، ومن خلال التعاون مع نظام الأسد في سوريا، تحاول أبو ظبي موازنة علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين بهدوء، وذلك على المستويات الاقتصادية والثقافية والدبلوماسية.

كما تدعم أبو ظبي وولي عهدها، محمد بن زايد “مشاريع قذرة” تهدف إلى بيع فلسطين لإسرائيل، على يد مهندس هذه المشاريع، محمد دحلان، ورغم أن هذه السياسة الخارجية العدوانية والطموحة للإمارات تتجاوز قدراتها، إلا أن الطموحات السياسية تمنع التفكير العقلاني للنخبة السياسية في أبوظبي.

حراك مفبرك

وفي إحدى تجليات سياسة خلق الفوضى في المنطقة ودعم الثورات المضادة التي تقودها الإمارات، ظهر في تونس دعوات إلي ما يسمي ” حراك الإخشيدي” ، وهي صفحة تونسية على فيسبوك، تُعالج حصريًا الشأن التونسي وبلهجة محلية وتضع هذه الصفحة صورة الرئيس التونسي قيس سعيّد في واجهتها بما يوحي أنها تتبع أنصاره، وتعتمد في تسميتها “الإخشيدي” وهي كنية للرئيس سعيّد، الذي اعتاد الاستشهاد بمقولات للإخشيدي خاصة خلال حملته الانتخابية.

ويعود تأسيس الصفحة إلى 19 مايو/ أيار الماضي، وهي بالتالي صفحة حديثة التأسيس ومنذ ذلك تختص في الدعوة للتظاهر في تونس، ومن ذلك الدعوة لمظاهرات يوم 14 جوان/ يونيو القادم في تونس، ضد المنظومة الحاكمة، كما تُروج.

ولطالما نفى الداعون لعدد من التحركات الاحتجاجية الأخيرة في تونس أي علاقة لتحركاتهم بدول أجنبية، وخاصة بأي تمويل إماراتي سعودي، رغم اشتراكهم كلياً أو جزئيًا مع ساسة هذه الدول في ذات الخطاب المناهض للثورة التونسية والداعي للفوضى والعنف، لكن منصة فيسبوك تُثبت من جديد عكس ذلك.

وبالتثبت والعودة لتفاصيل الصفحة المتاحة من قبل فيسبوك، يتبين أنها تُدار من شخصين في الإمارات العربية المتحدة. ويُثير ذلك شبهات عديدة حول حجم التدخل الإماراتي في الشأن التونسي ومن ذلك محاولات التأثير على قناعات التونسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر صفحات مشابهة لهذه الصفحة “حراك الاخشيدي”. 

المتثبت أيضًا في هذه الصفحة يُلاحظ أن اسمها المختصر، في أعلى الصفحة، هو bdidathameur123 ما يُحيلنا على اسم ناشط يُدعى ثامر بديدة، وهو ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة، عُرف بإدارته عدة صفحات على فيسبوك وكان من بين أبرز الداعمين لقيس سعيّد خلال الانتخابات الأخيرة 2019 ثم أعلن في عدد من الفيديوهات أنه غيّر موقفه ونسب لسعيّد عدة اتهامات لا إثباتات عنها. وقد ذكر بعض النشطاء أنه كان يعمل في الأمن سابقًا قبل أن يتم فصله.

ولا يُمكن تحديد إن كانت الصفحة تعود بالأساس للناشط ثامر بديدة أو أنها اعتمدت اسمه أيضًا للربط من جديد بين التحركات التي تدعو لها وبين الرئيس قيس سعيّد، وبالتالي مزيد توظيف شعبيته ورصيده الرمزي. يُذكر أن المكلفة بالإعلام في رئاسة الجمهورية كانت قد أوضحت سابقًا أن ليس للرئيس أي صفحات على منصات التواصل الاجتماعي، ومن ذلك حساب تويتر شهير حمل اسمه وتناقلت عنه حتى مؤسسات إعلامية معروفة لكنه لم يكن يتبع الرئيس، وفق تأكيدها.

على الصفحة كذلك، يبدو جليًا توفير رقم هاتف لشخص يُدعى فتحي الورفلي، بوصفه “ناطقًا باسم حراك 14 جوان” كما يسميه. والورفلي رئيس لحزب غير معروف تمامًا في تونس، ترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة دون أن يكون معلومًا لدى عموم التونسيين أو حتى النشطاء في الشأن الإعلامي والسياسي بالبلاد.

وينشر الورفلي في حسابه، بشكل علني، عديد المداخلات خلال الفترة الأخيرة في عدد من القنوات الإماراتية والليبية، المقربة والممولة غالبًا من الإمارات، يدعو في جميع هذه المداخلات لتنظيم احتجاجات ويروج لمعطيات، دون الاستناد إلى أي أدلة، مع العلم أن لا حضور له في الإعلام التونسي أو الأجنبي بشكل عام، ما عدا هذه القنوات إماراتية التمويل.

 اقرأ أيضاً: تؤجج الصراعات وتدعم المرتزقة.. الغنوشي ينتقد أجندة الإمارات التخريبية في تونس