يعتزم النظام المصري إبرام عدد من صفقات الأسلحة مع إيطاليا تتجاوز في مجموعها 10 مليارات يورو، لتصبح مصر بذلك من أكبر مستوردي السلاح الإيطالي على مستوى العالم، يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه مصر من أزمة اقتصادية طاحنة جراء تفشي فيروس كورونا، ما دفع الحكومة إلى اللجوء للاقتراض مجددا، وزيادة إجراءات التقشف والتي كان آخرها رفع تسعيرة الكهرباء.

صفقات مليارية

وذكرت وسائل إعلام إيطالية أن حكومة البلاد وافقت خلال اجتماعها الذي عقدته، الخميس، على بيع مصر فرقاطتين من طراز “فريم”، وتبلغ قيمتهما 1.2 مليار يورو.

وكانت وزارة الدفاع المصرية عبر صفحتها على “فيسبوك” قالت في 2019 إن شركة “Fincantieri” الإيطالية عرضت على البحرية المصرية شراء الفرقاطة الإيطالية ” فريم برجاميني FREMM Bergamini ” خلال فعاليات معرض #EDEX2018.

وأشارت صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية إلى أنه إضافة إلى الفرقاطتين، فإن مصر تعتزم شراء 20 زورقا مطاطيا، و24 طائرة تدريب من طراز “إم 346″، و24 طائرة من طراز “يوروفايتر تايفون” متعددة المهام بقيمة 10 مليارات يورو.

ووصفت الصحيفة تلك الصفقة العسكرية بأنها حساسة للغاية، لأنها دليل جديد على العلاقة السياسية والتجارية القوية بين روما والقاهرة رغم أن الأخيرة لم تكن خلال الأعوام الماضية متعاونة من أجل الكشف عن الأطراف المتورطة في مقتل الطالب ريجيني.

ونقلت لاريبوبليكا قبل أيام عن مصدر في رئاسة الوزراء الإيطالية قوله إن تلك الصفقة تعد بمثابة “مهمة القرن”، لما تمثله من قيم سياسية وتجارية وصناعية.

وأفردت الصحيفة في خبر مستقل معلومات عن حجم إنفاق عسكري كبير لمصر وصفقات وقعتها مع دول أخرى،.ذكرت أن القاهرة وقعت صفقة لشراء 20 طائرة من روسيا من طراز SU-35  بقيمة 10 مليارات يورو، ومع فرنسا صفقة لشراء فرقاطة وطائرات رافال الفرنسية التي اشترت مصر منها 24 مقاتلة في صفقة  بقيمة 8 مليارات يورو، وصفقات سلاح مع الولايات المتحدة بقيمة 2.5 مليار يورو، ومع ألمانيا بقيمة بقيمة 4.5 مليارات يورو لشراء فرقاطة ومعدات بحرية.

وفي عام 2018 كانت مصر قد حققت رقماً قياسياً على مستوى مشتريات الأسلحة والذخائر والأنظمة المعلوماتية الإيطالية بقيمة تتخطى 69 مليون يورو، وكان هذا أكثر من ضعف أكبر مبلغ دفعته مصر نظير الأسلحة الإيطالية في عام واحد على الإطلاق، وبرقم يفوق بكثير سعر مشترياتها من الأسلحة والذخيرة في كل الأعوام من 2013 إلى 2017.

ووفقا للأرقام الأخيرة الصادرة عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري)، احتلت مصر المرتبة الثالثة عالميا في استيراد الأسلحة في الفترة من 2015 إلى 2019، حيث بلغت وارداتها نحو 5.58% من السوق العالمي، بعد السعودية التي جاءت بالمرتبة الأولى 12%، والهند 9.2%، وتربعت فرنسا وروسيا على رأس الدول الموردة للسلاح إلى مصر بواقع 35%، لكل منهما، في حين تراجعت الولايات المتحدة إلى المركز الثالث بنسبة 15%.

ريجيني .. كلمة السر؟

ويرى مراقبون أن كلمة السر وراء هذه الصفقات المليارية التي يبرمها النظام العسكري في مصر هي محاولة السيسي التغطية والالتفاف على القضية الحقوقية الشائكة القائمة بين البلدين منذ مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني علي يد ضباط من جهاز الأمن الوطني بعد اختفائه في القاهرة في 25 يناير/ كانون الثاني 2016، ولتعويض عدم تحقيق أي تقدّم ملموس في التعاون الأمني والقضائي بين البلدين لكشف الحقيقة.

وفي وقت سابق، دعا النائب الإيطالي إيراسموس بالازوتو رئيس اللجنة البرلمانية التي تحقق في مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مصر رئيس الوزراء جوزيبي كونتي إلى توضيح حيثيات صفقة السلاح الكبيرة مع مصر، فيما قال والدا الطالب القتيل إن الحكومة الإيطالية خانتهما.

ونقلت صحيفة لاستامبا عن النائب بالازوتو قوله إن الحكومة الإيطالية نكثت الوعود التي قدمتها لعائلة ريجيني الذي عثر عليه مقتولا في مصر قبل حوالي أربعة أعوام ونصف، وتعهدت روما مرارا لوالديه بالعمل على كشف الحقيقة وتقديم الجناة للمحاكمة.

وفي محاولة من السلطات المصرية لغسل يدها من الاتهامات بقتله، قدمت وزارة الداخلية في 25 مارس/آذار 2016 رواية ثبت زيفها لاحقا زعمت فيها أنها قتلت عصابة مكونة من 5 أشخاص في تبادل لإطلاق النار بإحدى ضواحي القاهرة وعثرت بحوزتها على متعلقات ريجيني.

ومنذ ذلك التاريخ توترت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيطاليا، وتلقفت الصحف ووسائل الإعلام الإيطالية والدولية قضية مقتل ريجيني، وتبنتها منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية بهدف الضغط على السلطات المصرية لكشف ملابسات القضية.

من جهة أخرى، نقلت صحيفة لاريبوبليكا عن باولا وكلاوديو ريجيني -وهما والدا الطالب جوليو ريجيني- قولهما إن حكومة بلادهما خانتهما عندما قررت إبرام صفقة تسلح كبيرة مع مصر، وقالا إن تلك الأسلحة ستكون أداة في يد السلطات المصرية لانتهاك حقوق الإنسان.

وأضاف والدا ريجيني: “نشعر بالخيانة وأيضا بالإهانة والغضب من الاستخدام الذي تقوم به الحكومة لملف ريجيني، في كل مرة يتم إبرام اتفاق تجاري مع مصر ووصف حكومة السيسي بأنها صديقة فإن ذلك يعتبر بمثابة إطلاق رصاصة على اسم ريجيني وكأنهم يريدون التخلص من قضيته”.

من يدفع الثمن؟

وتأتي صفقات النظام المليارية في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري أزمة حقيقية، وتزداد فيه معدلات الفقر في مصر، حيث ارتفعت لتصل إلى 32.5% من عدد السكان بنهاية العام المالي 2018/2017، مقابل 27.8% لعام 2016/2015، مما يعني وجود أكثر من 32 مليون فقير في مصر، وفق آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وارتفع الدين الخارجي لمصر نهاية سبتمبر/أيلول 2019 إلى 109.4 مليارات دولار، مقابل 93.1 مليارا نهاية سبتمبر/أيلول 2018، في حين ارتفع الدين العام المحلي إلى 4.186 تريليونات جنيه (نحو 266 مليار دولار)، مقابل 3.887 تريليونات جنيه (نحو 247 مليار دولار) خلال نفس الفترة، بحسب البنك المركزي المصري.

وأكد وزير المالية المصري محمد معيط أن مصر ما زالت تسعى للحصول على قروض من مؤسسات عالمية أخرى بخلاف صندوق النقد الدولي، وأعلن البنك المركزي المصري أن مصر اقترضت الثلاثاء الماضي 509.3 مليون دولار عبر إصدار أذون خزانة مقومة بالدولار.

وحصلت مصر الشهر الماضي على قرض عاجل بقيمة 2.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وتوصلت إلى اتفاق مبدئي مع الصندوق أيضا للحصول على قرض بقيمة 5.2 مليار دولار ضمن اتفاق الاستعداد الائتماني، وفقا لما صرح به معيط.

كما أعلنت وزارة المالية المصرية نهاية مايو/ أيار الماضي عن حصول مصر على قرض جديد بقيمة 5 مليارات دولار عبر طرح سندات دولية، تصل آجال سدادها إلى 30 عاما.

وبحسب بيان لوزارة المالية المصرية يعد هذا أكبر إصدار دولي للسندات الدولية تقوم به مصر في تاريخها، وقال أحمد كجوك نائب وزير المالية المصري إن الطرح هو أكبر قيمة طرح للسندات الدولية تقوم به دولة أفريقية.

وقدم بنك التنمية الأفريقي قرضا عاجلا لمصر الشهر الماضي بقيمة 500 ألف دولار، ويبحث البنك تقديم قرض جديد لمصر ومن المقرر أن يتخذ قرارا بهذا الشأن قريبا، وفق ما قالته مالين بلومبرغ، الممثلة المقيمة للبنك في مصر.

شاهد أيضاً: صفقة سلاح بملايين الدولارات لإسكات الأصوات المطالبة بالكشف عن قتلة ريجيني!