هل تساهم زيارة الكاظمي للموصل في ترميم بقايا المدينة وإعادة الحياة إليها؟
غادر رئيس الوزراء العراقي الجديد في طائرة هليكوبتر تابعة للجيش العراقي MI-17 للقيام بجولة في الموصل، المدينة الأكثر تضرراً من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، حيث المباني محطمة في كل مكان، والمجتمعات المحلية ممزقة، بالإضافة إلى الخسائر البشرية المهولة.
جولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي (54 عاماً) استمرت لمدة 12 ساعة قبل عودته إلى بغداد، أجرى فيها عشرات اللقاءات مع عائلات المتضررين، أو عائلات المفقودين وهم الأشخاص الذين تم اختطافهم من قبل تنظيم الدولة ولم يُعثر على أثر لهم أبداً، أو الذين قتلوا أو سجنوا على أيدي القوات والميليشيات العراقية، والذين لا تعلم عوائهم ما حدث لهم أيضاً.
في تصريح له حول الزيارة قال الكاظمي “رأيت محنة المجموعات المكونة والنازحين… الناس هناك يتحملون عبء شيء لم يتسببوا في حدوثه”.
في الموصل، ثالث أكبر مدينة في البلاد، “المجموعات المكونة” هي شريحة عرضية من البلاد – العرب السنة والشيعة العرب والأكراد والمسيحيين واليزيديين والتركمان، ويشعر الجميع بسرقة شيء منهم، كالحياة مثلاً، مرة عند استيلاء داعش على المدينة، ومرة عند طردهم منها.
كان من بين محطاته الأولى متحف الموصل، ومسجد النوري الكبير، معلم عراقي شهير مع مئذنة منحوتة بدقة، وهي معالم تأثرت بصورة كبيرة بالاحتلال الداعشي للمدينة بعد توغل التنظيم في سوريا والعراق، وقيام أبو بكر البغدادي بتنصيب نفسه “خليفة” للمسلمين.
إذا كان هناك مكان تتحدث فيه الأحجار، فهو الموصل بلا شك، كل ركن في المدينة يشهد على الدمار والخراب الذي حل بالمكان، فالكتل الكاملة تحولت إلى أكوام من الحطام، والمباني ذات الثلاثة والأربعة طوابق أصبحت أكواخ يتم ربطها معًا من خردة المعادن والقماش، هذا هو شكل المنازل في الموصل اليوم.
لمح رئيس الوزراء هذه الفوضى، على الرغم من جولته داخل سيارات عسكرية وسط موكبه، إلا أن ما أثر بالفعل في الكاظمي هو لقاءاته مع السكان المحليين، والتي أوضحت له حجم المشاكل التي تواجه إدارته الجديدة
بعد لقائه مع قادة الأجهزة الأمنية، عقد الكاظمي منتدى في مبنى المحافظة، والتي حضرها العديد من رموز “المجموعات المكونة”، وبدأ اللقاء بشيوخ السنة والذي رحبوا بالحضور على لسان الشيخ صالح الخالدي الذي قال “باسم مجلس عشائر نينوى نحييكم”.
ثم سرد الخالدي احتياجات الموصل: جسور جديدة لتحل محل تلك التي دمرتها داعش؛ تعويض أصحاب المنازل والشركات الذين دمرت ممتلكاتهم أو تضررت بشدة في معركة استعادة المدينة؛ استئناف الإصلاحات في قبر يونان، إعادة بناء المستشفيات والعيادات، وكذلك كل المساجد والكنائس التي دمرتها داعش.
استمع رئيس الوزراء لكافة المطالب، ثم ذكّر الناس بالحقائق التي يجب ألا يغفلوا عنها، حيث قال “نشهد أسوأ وضع اقتصادي منذ تشكيل الدولة العراقية”، وأضاف “لقد اعتمدنا فقط على النفط في عائداتنا… تأتي نسبة 94٪ من عائداتنا من النفط؛ ولهذا السبب لا يوجد قطاع خاص”.
وفي كلمته، تحدث رئيس الوزراء عن قائمة الاحتياجات الخاصة به: المال، وهو شيء لا تملكه الحكومة الجديدة؛ روح إعادة الإعمار الخالية من الفساد، والتي ستستغرق بعض الوقت لوضعها موضع التنفيذ؛ والمصالحة بين القبائل والطوائف والمعتقدات والأعراق، الأمر الذي يتطلب جهدًا من الجميع.
الحديث عن المفقودين أو المختفين كان لهم نصيب في ذلك اللقاء، حيث أكد السيد الكاظمي على أن ملفهم يشكل أولوية قصوى. تقدر منظمات حقوقية عراقية ودولية أن هناك آلاف المفقودين في العراق خلال عصر داعش.
ذهب الكاظمي إلى سهول نينوى الشهيرة، وهي الأراضي الزراعية المسطحة العظيمة التي انتشرت شمال وشرق الموصل، ويقول علماء الآثار إن الحقول الآشورية القديمة التي لا تعد ولا تحصى تقع تحت الحقول السلمية، ويعود تاريخها إلى ما يقرب من 3000 عام.
فوق الأرض، القرى والمزارع هي موطن لبعض المجتمعات التي لا زالت على قيد الحياة والمرتبطة بالطوائف التي سكنت هذا الجزء من العالم في السنوات الأولى من المسيحية – المسيحيون الأشوريون والسريان الأرثوذكس، وكذلك غير المسيحيين من اليزيديين والكاكاي، ولكن كما هو الحال في الكثير من مناطق العراق، لم تنج تلك السهول من الأضرار التي لا حصر لها.
قبل أقل من 75 عامًا، كان المسيحيون يشكلون 12٪ من سكان العراق، ولا يزال هناك يهود في البلاد، أما اليوم، بالكاد يمثل المسيحيين في العراق 1٪ من السكان، قام الكاظمي بالتواصل معهم، وزار قريتين مسيحيتين، برطلة والحمدانية، وهي زيارة حملت العديد من رسائل الطمأنينة.
قال نيقوديموس داود شريف، الأسقف الأرثوذكسي في الموصل، الذي التقى بالسيد الكاظمي في الحمدانية: “للمرة الأولى منذ عام 2003، نشعر بالأمان”، لكنه أضاف: “مع ذلك ليس لدينا ثقة في الحكومة”.
وتابع الأسقف: “لقد غادر شعبنا يا صاحب السعادة”، ونقل قول العراقيين المسيحيين “ذات يوم، ذهب السبت، وبالتأكيد سيتم التخلص من الأحد”، في إشارة إلى اليهود ]السبت[، والمسيحيين ]الأحد[.
وقال: “أقول، إذا ذهب الأحد، لن يكون هناك جمعة”، في إشارة إلى يوم المسلمين المقدس، مؤكداً أن “يوم الجمعة يحصل على قوته من الأحد، كما يستمد الأحد قوته من السبت”.
في الاجتماع المُشار إليها، الذي ضم المسلمين والمسيحيين، أرسل السيد الكاظمي رسالة دعم لا لبس بها، وقال “هذا المكان هو رمز للتعايش… إخواني، من حق كل فرد أن ينتمي إلى هنا… يجب أن ندافع عن هذا التراث.
وكانت المحطة الأخيرة للسيد كاظمي مخيم للنازحين في المرتفعات جنوب شرق الموصل، كان الجو حارا ولم يكن هناك ظل في وقت متأخر من بعد الظهر عندما تجمع الرجال وهم يرتدون الثياب التقليدية والتراثية، لكن الجميع كانوا قلقين، خائفين من أن يتفاءلوا ثم ينقلب عليهم هذا التفاؤل.
نظر السيد كاظمي إلى الرجال الذين بدا عليهم تأثرهم بحرارة الجو المرتفعة، أحدهم كان على كرسي متحرك دفعه قريب شاب، والآخرون متكئون على العصي، وعدد قليل منهم يقف منتصبا بوجوه متجهمة.
قال: “لقد قامت عصابات داعش بخيانة الناس”، مؤكداً أن واجب الحكومة الحفاظ على كرامة المواطن.
كان من أوائل المتحدثين الشيخ محمد كفاش، الذي يمثل المواطنين من بلدة البعاج، في أقصى غرب المحافظة، بدا يائسا، وكأن الكرامة شيء يكاد يكون مستحيل.
قال كفاش موجهاً حديثه للكاظمي “مطلبنا الوحيد هو العودة إلى الوطن… بعضنا هنا ليس لديه حتى منزل للإيواء، محصولنا يرقد في الميدان ولا يوجد من يجمعه… نحن محظوظون لأنك جئت إلينا… يرجى إعادتنا جميعاً إلى منازلنا”.
وتابع: “أرجوكم، مطلبنا الثاني هو المفقودين، وأفراد عائلاتنا الذين اختطفتهم داعش وبعضهم اختطفتهم قوات الأمن العراقية… ولا نعلم مصيرهم حتى الآن”
.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا