ككل البلدان في كل الأزمان يوجد خيرون وأشرار، ويوجد أطهار وفجار وتلك سنة الحياة القديمة التي لن تتغير حتى يرث الله الأرض ومن عليها، والغريب أن رفاق السوء يلتقون دوما على نفس الهدف وينجذبون إلى بعضهم بعضا كما ينجذب ذباب المزابل حول الجثث المتعفنة.
أبشع عناكب الشر مازالت تنغص مناخ الحرية في تونس الخضراء، البلد الذي حمل آمال أهله في الديمقراطية والانتصار على الاستبداد بعد أن دفع الدماء أنهارا من خيرة أبنائه طيلة عقود، فما تقوم به منذ شهور عديدة رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى (أحد أبرز أيتام نظام بن علي) ومن ورائها عدد ضخم من لصوص الليل وعملاء الاستبداد والاستعمار معا بدعم مباشر من صانعي الفوضى في كل البلاد العربية وعلى رأسهم الإمارات المتحدة لا يمكن أن يُفهم إلا ضمن سياق صراع الثورة والثورة المضادة، ولا يمكن إدراك خطره إلا بعد النظر إلى المأساة المصرية بعد الانقلاب العسكري.
لفتت النائبة في البرلمان التونسي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي الأنظار خلال المدة الأخيرة وتحولت إلى حديث وسائل الإعلام داخل تونس وخارجها خاصة في سكاي نيوز والعربية والحدث والغد وشبيهاتها من قنوات الكذب والتضليل المسبحة بحمد الأنظمة الدكتاتورية القمعية، بعد أن شنت حملة واسعة النطاق ضد رئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ووجهت له ولحزبه اتهامات كثيرة دأب الجميع على سماعها منذ عقود الاستبداد، ولم يقتصر الأمر على هذا الحزب فقط بل تعداه إلى الثورة ذاتها فصبت جام حقدها على كل ما تحقق من حرية تعبير وانتخابات حرة ودستور جديد ومسار ديمقراطي كامل .
لم يكن غريبا سماع كل هذه الاتهامات والتشويه والترهات والكم الهائل من الحقد الأسود التي تظهرها هذه المرأة المريضة فتاريخها مليء بالتذلل المهين لأسيادها الذين فروا وخلفوها وراءهم فلا هي تمكنت من اللحاق بهم ولا استطاعت ابتلاع جرعة الكرامة التي تشفيها من دائها العضال.
من يعرف تاريخ عبير موسي لا يستغرب وضعها الحالي فقد نشأت منذ الصغر على أحلام طافحة بالأطماع، خاصة أنها وجدت نفسها داخل أسرة مفككة إذ كان والدها يعمل ضمن زبانية الرئيس الحبيب بورقيبة ويمضي وقته في السهر على حماية الاستبداد بعيدا عن هموم أهل بيته.
درست عبير القانون وأمكنها الانخراط في حزب التجمع الدستوري – الذي كان يجسم على أنفاس البلاد – من تسلق المناصب بسرعة بحكم خدماتها الخاصة جدا علاوة على تزوجها من أحد ضباط الأمن الفاسدين للرئيس الهارب زين العابدين بن علي.
وقد اشتهرت بين المحامين بترؤسها لشعبة الحزب الحاكم في قطاع العدالة وتسييرها لشرذمة من المرتزقة أمثالها نصرة لأسيادها وخدمة لكل ملفات الفساد لبطانة الرئيس بن علي وعائلته وأصهاره كما كانت تكتب التقارير الأمنية ضد زملائها من المحامين والقضاة الشرفاء ونكلت بالكثير منهم وكل ذلك لقاء حفنة تافهة من الأوراق المالية أو بعض المواقع الهزيلة أو غير ذلك مما نعف عن ذكره.
غابت عبير موسي بعد الثورة عن الأنظار كدأب صغار اللصوص حين يغيب عنهم أسيادهم من زعماء العصابات ويتركونهم في لحظة ذهول وخوف، ولكن قريحة عرابي النظام القديم انتبهت إلى أن الثورة التونسية لم تكتمل خاصة أن هيكل النظام الاستبدادي لم يسقط بأكمله فقام بتلميع صورته من جديد بإزالة الوجوه المهترئة خاصة بعد أن فر رئيس السلطة تاركا الجمل بما حمل.
اقتضت الخطة الإماراتية الخائبة إرجاع الوجوه الوسطى لحزب التجمع المنحل من غير المعروفين لدى عامة الشعب وإعطاء مقود الحزب لأكثر الوجوه صفاقة وتبجحا عساه ينجح في فتح طريق بين بقية الأحزاب خاصة بعد توظيف قطيع هام من المرتزقة في عدد من القطاعات الحساسة من رجال الأعمال ووجوه إعلام العار وبقايا البوليس السياسي البائس.
ودخل على الخط عرابو الثورات المضادة من الدول التي تمتلك ثروات خيالية ألقتها الأقدار أمامها دون كبير عناء ولم تسعفهم عقولهم الخاوية إلى استثمارها في مواطن الصلاح فاستثمروها في بناء كل المفاسد واعتمدوا في توطيد أركان ملكهم بالعمالة لإسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة الأمريكية.
على رأس هؤلاء كانت الإمارات العربية سباقة في كل ما لا يمت للإنسانية بصلة أو للقيم الأخلاقية او الدينية بقرابة، فالتقى الباذخ بالنافخ وتولدت تحالفات الأفاعي السامة بعد أن حضر سفير الإمارات بتونس في إحدى أمسيات الإعداد للانتخابات للحزب الدستوري، وأظهرت بذلك حكومة الإمارات أنها الداعم الرسمي لحزب البوليس التعيس خاصة بعد أن ظهرت معالم المال الفاسد في الإنفاق الخيالي لشراء أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية واستغلال المحرومين والمغرر بهم.
وعلى الرغم من ضخ كم ضخم من مال الإمارات الحرام، استطاع الحزب التعس كسب عدد محدود من المقاعد في مجلس النواب، ولكن هذا النقص في العدد تم تعويضه بكثير من الركاكة وقلة الأدب والتنطع، فترى أعضاء الحزب وزعيمتهم عبير يتقلبون بين الصراخ والعويل وإصدار الأصوات الغريبة والضرب على المقاعد بهدف وحيد يتمثل في ترذيل مشهد الديمقراطية وتنغيص حلم التونسيين في بلد حر ومتقدم.
لقد خبر الشعب التونسي كثيرا من الشطحات ومر عليه طيلة عقود لصوص كثيرون ومعاول للهدم تستعملها فرنسا الاستعمارية مرة ومرات أخرى سلاطين الإمارات والسعودية منتفخو الكروش والأرداف ولم يعد يخيفهم ولا يهمهم صبيان الداخل أو قرود الخارج.
اقرأ أيضاً: الأزمة الخليجية… من يحاصر من؟!
اضف تعليقا