ترجمة العدسة عن معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية الفرنسي
يسلط النزاع الليبي الضوء على نقاط ضعف المنظمات الدولية مثل منظمة حلف شمال الأطلسي ومنظمة الأمم المتحدة التي لا يبدو أنها تسيطر على الأحداث، في حين أن الخلاف الأخير بين السفن الفرنسية والتركية في البحر الأبيض المتوسط أثار مرة أخرى التوترات بين أنقرة وباريس، المتعارضتان في تسوية هذه الحرب.
فيما يلي استعراض لوجهة نظر ديدييه بليون نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية حول هذا الموضوع.
أوشكت مواجهة عسكرية على الحدوث بين تركيا وفرنسا في السابع عشر من يونيو، عندما حاولت سفينة فرنسية في مهمة لحلف شمال الأطلسي التدقيق مع سفينة تركية يشتبه في أنها تنقل أسلحة إلى ليبيا.. ماذا يكشف هذا الحدث عن العلاقات بين أنقرة وباريس، وبشكل أعم بين أنقرة و”الناتو”؟
تشهد العلاقات الفرنسية التركية اليوم تدهوراً ملحوظاً بسبب تراكم النزاعات حول قضايا متعددة، وليست هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها توترات قوية بين البلدين، هناك خلافات مؤكدة، على سبيل المثال، فيما يتعلق بالتدخلات العسكرية التركية في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد التابعين لحزب الاتحاد الديمقراطي وأعضاء قوات “سوريا الديمقراطية”.
وقد كان الاستياء التركي حادا للغاية عندما استقبل الرئيس ماكرون، في عدة مناسبات، قادة قوات سوريا الديمقراطية.
وفي الواقع، بالنسبة لتركيا، فإن قوات سوريا الديمقراطية خاضعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يعتبر نفسه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي يشكل خطورة كبيرة على تركيا التي ضمن المنظمات الإرهابية.
في سياق متصل، نتذكر أن إيمانويل ماكرون اعتبر أن حلف “الناتو” كان في حالة موت دماغي لعدم قدرته على منع تركيا من زيادة تدخلاتها العسكرية في سوريا، وبعد بضعة أسابيع من ذلك كان رد رجب طيب أردوغان حادا، معتبرا أن ماكرون نفسه كان في حالة موت دماغي.
نعلم أن الرئيس الفرنسي يرى أنه من المستحيل تصور إمكانية اندماج تركيا في الاتحاد الأوروبي، واصفًا سياسة الرئيس التركي بأنها “مشروع وحدة إسلامية معادٍ لأوروبا”، خلال خطابه أمام السفراء يوم السابع والعشرين من أغسطس 2018.
أما العلاقات بين أنقرة و”الناتو” فهي ذات طبيعة مختلفة تمامًا، حيث يعتبر هذا الأخير تركيا عضوًا مهمًا ولا يريد أن يتعارض معها.
كما نتذكر، على سبيل المثال، أنه عندما تم نشر طائرات إس- 400 الروسية في تركيا في يوليو 2019، لم يتردد الأمين العام لحلف “الناتو” في القيام بمناصرة حقيقية لصالح أنقرة خلال افتتاح منتدى أسبن الأمني، الذي تم تنظيمه في كولورادو في السابع عشر من يوليو 2019، حيث قال إن “دور تركيا في “الناتو” أوسع بكثير من إف-35 أو إس-400″.
من جانبها، لا تسعى تركيا لكسر الجسور مع حلف شمال الأطلسي، وتعتبر هذا الأخير تحصينا أمنياً لا غنى عنه في هذه المرحلة.
ما هي مصالح تركيا في دعم حكومة الوفاق الوطني في حين أن الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي منعا التدخل في ليبيا؟
قبل الحديث عن المصالح، دعونا نتذكر أن حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج هي الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، وفي هذه النقطة بالتحديد، تجد تركيا نفسها ضمن الشرعية الدولية.
أما فرنسا، من ناحية أخرى، من خلال إظهار تعاطفها وقربها من اللواء المتمرد، خليفة حفتر، تضع نفسها في منطق مختلف، وهذا يثير بعض التساؤلات بالنسبة لعضو دائم في مجلس الأمن.
وتعيدنا أسباب التدخل التركي إلى البناء الجيوسياسي الإقليمي، وهذا يشمل قضية استكشاف الرواسب الهيدروكربونية البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ولمواجهة الشراكة بين قبرص اليونانية، وبين اليونان وإسرائيل ومصر، وقّعت تركيا اتفاقية مع حكومة فايز السراج الليبية لتعيين حدود المياه الإقليمية والمناطق البحرية الخالصة في نوفمبر 2019.
ومقابلُ هذا الاتفاق هو الدعم العسكري لأنقرة، الذي أصبح ممكناً من خلال تصويت البرلمان التركي في أوائل يناير 2020، ومنذ هذه اللحظة بدأ التواجد التركي في ليبيا، سواء معدات عسكرية فنيين متخصصين في مراقبة المجال الجوي والطائرات بدون طيار.
كان عملهم حاسماً في الأسابيع الأخيرة، ويوضح إلى حد كبير نجاح القوات التي تدعم حكومة السراج، وذلك بالتزامن مع انتكاسات اللواء حفتر.
من الضروري أيضًا التأكيد على أن الشراكات التي تم عقدها لدعم القوى الموجودة في ليبيا هي أيضًا تعبير عن إعادة رسم الخارطة السياسية الإقليمية.
على صعيد آخر، تدعم كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وروسيا اللواء حفتر -رغم أن دعم هذين البلدين الأخيرين أصبح نسبيا بشكل واضح- وفي المقابل هناك تركيا وقطر، اللتين تدعمان الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
أخيرًا، يمكننا القول إنه إذا كانت تركيا وروسيا تدعم طرفين متعارضين، فإن كلاهما يبحثان عن طرق للتسوية التي ستحافظ على المسار السلس لعلاقاتهما الحالية.
يبدو أن سيطرة حلف كل من “الناتو” والأمم المتحدة على هذا الصراع محدودة، ماذا يكشف هذا من عجز؟
في الواقع، تبدو المنظمتان عاجزتين.
ويمكن أن يكون “الناتو” العمود الفقري للعمليات العسكرية، هذه هي وظيفته، لكننا نعلم أن الحلول السياسة والدبلوماسية هي المطلوبة من أجل حل النزاع الليبي في النهاية، وهذا يثير مسألة استدامة “الناتو”، الذي نشأ خلال الحرب الباردة، ومن المشروع أن نسأل عن أسباب الاحتفاظ به حتى يومنا هذا.
أما فيما يتعلق بالأمم المتحدة، فإن عملها في ليبيا هو أحد المظاهر العديدة لضعفها، وبالتالي استقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا من منصبه في مارس الماضي، دون أن يتم استبداله منذ ذلك الحين.
دليل ضعف الأمم المتحدة قوي، والوضع مقلق لأن هذا تعبير عن انهيار التعددية ناهيك عن عدم القدرة على حل النزاعات عن طريق التفاوض والوسائل السياسية، ويعتبر هذا اعترافا رهيبا بالفشل.
في حالة ليبيا بالتحديد، يحيلنا هذا بلا شك إلى الظروف التي تم بموجبها تصفية نظام معمر القذافي، ويُذكر أنه لم يتم احترام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1973، الصادر في السابع عشر مارس 2011، من قبل أطراف النزاع الرئيسيين للعمليات العسكرية في ذلك الوقت، أي فرنسا والمملكة المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، استمرت البلاد في الانزلاق إلى أزمة لا نهاية لها وتحولت تدريجياً إلى دولة فاشلة. وتتحمل الأمم المتحدة مسؤولية ثقيلة عن ذلك.
للاطلاع على المقال الأصلي (اضغط هنا)
شاهد أيضاً: تصاعد حدة التوتر بين فرنسا وتركيا المتراشقتين دائمًا، وهذه المرة في الأبيض المتوسط إليكم التفاصيل..
اضف تعليقا