في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة حقيقية تتمثل في فشل مفاوضات سد النهضة ووصولها إلى طريق مسدود وبدء إثيوبيا فعلياً في إجراءات ملء خزانات السد، مما يهدد بكارثة مائية قد تحل بمصر خلال فترة ليست بالبعيدة، خرج عبد الفتاح السيسي منذ أيام بتصريحات غريبة هدد فيها بالتدخل عسكريا في دولة ليبيا ووضع ما أسماه خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها.
ويري مراقبون أن تصريحات السيسي تأتي تنفيذا لرغبات الدول الداعمة لحفتر وعلى رأسها الإمارات التي تسعى من خلالها لإدخال الجيش المصري كمرتزقة يقاتلون بجانب حفتر في معاركه، لا سيما بعد الخسائر الفادحة التي تعرض لها الأخير إثر محاولته الفاشلة الهجوم علي العاصمة الليبية طرابلس.
تلويح بالتدخل
وكان السيسي قد لوّح، لأوّل مرة، بالتدخل العسكري المصري المباشر في ليبيا، ووصف سرت والجفرة بأنهما “خط أحمر بالنسبة لمصر”، داعياً إلى “التزام القوى المتصارعة بالخطوط التي وصلت إليها، والبدء في محادثات لوقف إطلاق النار”.
وفي كلمة متلفزة عقب تفقده وحدات من القوات الجوية بمحافظة مطروح (غرب)، المتاخمة للحدود مع ليبيا، السبت، ألمح السيسي إلى إمكانية تنفيذ جيش بلاده “مهام عسكرية خارجية إذا تطلب الأمر ذلك”، وقال السيسي مخاطبا قوات الجيش: “كونوا مستعدين لتنفيذ أي مهمة هنا داخل حدودنا، أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا”.
وزعم السيسي، في خطاب بثه التلفزيون المصري مسجلاً، بأنّ “أي تدخّل مصري مباشر في ليبيا باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء في إطار ميثاق الأمم المتحدة، بحق الدفاع عن النفس، أو بناء على السلطة الشرعية الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي متمثلة في مجلس النواب”، وأضاف أنّ التدخل العسكري المصري في ليبيا يهدف إلى “تأمين العمق الاستراتيجي للدولة المصرية” ضد تهديدات ما وصفها بـ”المليشيات الإرهابية والمرتزقة”، كما يهدف إلى “فرض الأمن والاستقرار على الساحة الليبية، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري والعربي”، على حد قوله.
ومع تراجع ميليشيا حفتر وخسارتها كامل الحدود الإدارية لطرابلس وأغلب المدن والمناطق في المنطقة الغربية أمام الجيش الليبي، طرحت مصر مؤخرا، ما يسمى “إعلان القاهرة لحل الأزمة الليبية” ، والتي رفضته حكومة الوفاق واعتبرته محاولة لإيجاد مخرج لحفتر بعد هزائمه المتتالية.
وتعد مصر داعما رئيسيا لحفتر وحاولت خلال الأسابيع الماضية إيجاد مخرج لهزائمه التي مني بها خاصة في محيط طرابلس وترهونة وغرب ليبيا على يد قوات الحكومة الليبية.
استنكار ليبي
ولاقت تصريحات السيسي رفضا واستنكارا شديدا من الحكومة الليبية، التي اعتبرتها “بمنزلة إعلان حرب”، وقالت في بيان، إن “التدخل في الشؤون الداخلية والتعدي على سيادة الدولة، سواء كان من خلال التصريحات الإعلامية لبعض الدول كما حدث من الرئيس المصري، أو دعم الانقلابيين والمليشيات والمرتزقة، أمر مرفوض ومستهجن”، وأكدت أن ذلك الأمر أيضا يعد “عملا عدائيا وتدخلا سافرا وبمنزلة إعلان حرب”.
وأوضحت الحكومة في بيان أن “التدخل في الشؤون الداخلية والتعدي على سيادة الدولة سواء كان من خلال التصريحات الإعلامية لبعض الدول ، أو دعم الانقلابيين والمليشيات والمرتزقة أمر مرفوض ومستهجن”، وأكدت أن ذلك الأمر أيضا يعد “عملا عدائيا وتدخلا سافرا وبمثابة إعلان حرب”.
وشددت الحكومة على أنها “تذكر الجميع بأنها الممثل الشرعي الوحيد للدولة الليبية ولها وحدها حق تحديد شكل ونوع اتفاقياتها وتحالفاتها”.
وقالت الحكومة الليبية: “لقد كنا ومنذ سنوات ندعو للحل السياسي السلمي للأزمة. ومع بدء العداون الغاشم (على طرابلس) كانت تقف عديد دول موقف المتفرج، وعندما انهزم مشروع الاستبداد نجد تلك الدول تتحدث عن الحوار والحلول السياسية بل وتهدد علنا بالتدخل العسكري”.
ورفضت حكومة “الوفاق” في وقت سابق دعوة مصر لعقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية وأبلغت الرئاسة بقرارها رسميا، إلا أن الجامعة لم تلتفت وتصر على عقد الاجتماع غدا، ليطرح بعض الاستفسارات عن سر هذا الإصرار وعلاقته بتصريحات “السيسي” ونفوذ “مصر” داخل الجامعة.
من جانبه استنكر المجلس الأعلى للدولة لليبي تصريحات السيسي واصفا إياها بأنها بأنها “تنم عن حقد تجاه ليبيا الجديدة، وتمثل تهديدا لأمنها واستقرارها وانتهاكا صارخا لسيادة دولة عضو بالأمم المتحدة والجامعة العربية”.
وأكد المجلس أن المادة 30 من اتفاق الصخيرات المعتمد من مجلس الأمن تقضي بوجوب سيطرة حكومة الوفاق على كامل الأراضي الليبية.
وأوضح أن “شماعة الأمن القومي المصري التي طالما تم التلويح بها كمبرر لأي تدخل مصري بالشأن الليبي، يكفي لحلها أن تغلق حدود دولتك من ناحيتنا، إلا إذا كان الخطر على أمن نظامكم هو في حرية الليبيين وبناء مؤسساتهم المدنية واستقرار نظامهم الداخلي”.
وتابع المجلس “نربأ بالجيش المصري أن ينجر للدخول في مغامرة سيكون مصيرها مثل مصير المغامرات السابقة باليمن”، في إشارة لتدخل الجيش المصري في اليمن في ستينيات القرن العشرين.
واعتبر المجلس أن “دعوة السيسي لتجنيد أبناء القبائل الليبية وتسليحهم هي “مزيد من إذكاء الفتن والزج بالليبيين لقتل بعضهم بعضا “
استعداد ميداني للوفاق
ولم تؤثر تصريحات السيسي علي حالة التجهيز والاستعداد التي تجريها قوات الجيش الوطني التابع لحكومة الوفاق علي الأرض في محاور سرت –الجفرة، حيث بحث القائد الأعلى للجيش الليبي فائز السراج، الأحد، مع قائد “غرفة عمليات سرت الجفرة” العميد إبراهيم بيت المال، سير العمليات العسكرية، وترتيبات حماية المدنيين.
وجاء ذلك خلال اجتماع عقده السراج، وهو رئيس المجلس الرئاسي للحكومة الليبية، مع العميد “بيت المال”، وفق بيان نشرته الحكومة عبر صفحتها على “فيسبوك”.
وأفاد البيان، أن “بيت المال” أطلع السراج على تقرير سير العمليات في المنطقة العسكرية “سرت – الجفرة”، كما استعرض المسؤول العسكري، آليات التنسيق مع مختلف المناطق العسكرية الأخرى والترتيبات المتخذة لحماية المدنيين.
وقال العميد إبراهيم بيت المال، إن السيسي “مجنون” وكلامه غير ذي جدوى، وأضاف خلال لقاء مقابلة مع برنامج المسائية على شاشة الجزيرة مباشر، الأحد، إن السيسي نفسه منقلبٌ على الشرعية في مصر، وأطاح بحكومة رئيس مدني، وأن عليه أن يواجه الأزمات في مصر وألا يتهرب منها بتصعيد نبرة الخطاب حول ليبيا، واستطرد: “يمكننا لي ذراع نظام السيسي من خلال تسريح العمالة المصرية في ليبيا، وسيؤلب ذلك ملايين المصريين على السيسي ونظامه، حتى على الحدود بين ليبيا ومصر”
وأضاف -آمر الاستخبارات العسكرية الوسطى وآمر غرفة تحرير سرت والجفرة- إن مواجهة العدوان من أربع دول بينها دول كبرى ليس بالأمر السهل، ومع ذلك سنرد بكل ما لدينا على أي قوة معادية، كما أن القوات المصرية لا تستطيع دخول المنطقة الشرقية من بلادنا، وهناك قوات عسكرية وقوات مساندة في المنطقة الشرقية ستمنع دخول أي قوات مصرية.
وعن تأخر قوات حكومة الوفاق في تحرير سرت من مليشيا حفتر، قال بيت المال إن السبب يعود إلى الدعم الروسي لمليشيا حفتر، وكذلك الدعم الإماراتي لحفتر بالطيران المسير، وأضاف أن ترتيبات -بالتنسيق مع تركيا- تجري الآن على قدمٍ وساق لتحرير سرت والجفرة.
وحقق الجيش الليبي، مؤخرا، سلسلة انتصارات، أبرزها تحرير طرابلس (مقر الحكومة)، ومدينة ترهونة، وكامل مدن الساحل الغربي، وقاعدة الوطية الجوية، وبلدات بالجبل الغربي، ويتأهب لتحرير مدينة سرت.
اقرأ أيضاً: ازدواجية السيسي: تدخلنا في ليبيا بات شرعيًا .. وفي “سد النهضة” حريصون على التفاوض دبلوماسيًا! .. !
اضف تعليقا