إن ضم إسرائيل الوشيك للضفة الغربية أعاد حل الدولتين – أو بمعنى أدق موته – إلى تصدر عناوين الأخبار مرة أخر، ومع ذلك لا زال الحل قائماً ولو بنسبة ضئيلة، حيث لم ينجح إعلان بنيامين نتنياهو عن نواياه للضم، ولا خطة ترامب “للسلام” في قتل فرص إقامة دولتين، على الرغم من اختفاء هذا الحل عن الساحة منذ فترة طويلة.

ما تدور حوله الدراما العظيمة للضم في الصحافة الأنجلو أمريكية – في جزء كبير منه بسبب استبعاد الأصوات الفلسطينية – هو ما إذا كان الصهاينة الليبراليون سيتصالحون مع هذا الواقع أم سيستمرون في إنكاره.

في حين أن بعض الصهاينة الليبراليين، مثل محرر التيارات اليهودية “بيتر بينارت”، يدركون الآن أنه، كما كتب الأسبوع الماضي؛ “الحل التقليدي القائم على دولتين لم يعد بديلاً مقنعًا لمسار إسرائيل”، ما يعني أن معظمهم يختارون طريق الانكار.

بالنسبة للعديد من الصهاينة الليبراليين – وكذلك أولئك الأكثر يمينًا – كان حل الدولتين على مدى عقود أقل اقتراحًا عمليًا “سياسياً”، حيث اعتبروه خيال سياسي تأسيسي مكنهم من التوفيق بين التزاماتهم المتناقضة تجاه كل من العرقية، والديمقراطية الليبرالية.

خدمت الفكرة المجردة لإقامة دولتين غرضًا استراتيجيًا قيمًا للحكومة الإسرائيلية والمدافعين “المحترفين” عن إسرائيل، كما أصبحت الإشارات إلى التزام إسرائيل المفترض بدولتين من الناحية النظرية طريقة لحماية إسرائيل من الانتقادات والعواقب التي قد تتربت على الممارسات التي جعلت حل الدولتين مستحيلاً عملياً.

في الواقع، في مواجهة خطط الضم المُعلن عنها، استخدمت الجماعات اليهودية الليبرالية حتى الآن ذات التحذيرات التي أصدرتها لعقود. بيان مشترك، أعلنت ثماني منظمات يهودية – بما في ذلك صندوق إسرائيل الجديد والأمريكيون من أجل السلام الآن – في مايو/أيار أن “الضم سيظهر، بما لا يدع مجالا للشك، أن حكومة إسرائيل لم تعد تسعى إلى تطبيق حل الدولتين”، كذلك في مارس/آذار الماضي، عندما انضم بيني غانتس إلى حكومة نتنياهو، حذرت صحيفة “وول ستريت جورنال” من أن الضم هو “خط أحمر مطلق” يجب على إسرائيل عدم تجاوزه.

ومع ذلك، كان من الواضح منذ سنوات أن حكومة إسرائيل لم تعد تسعى إلى تطبيق حل الدولتين، خاصة وأن الضم لم يكن الخط الأول الذي تجاوزته إسرائيل دون مواجهة أي عواقب وخيمة، ففي الواقع، منذ أن بدأت اتفاقية أوسلو عام 1993، وإسرائيل مستمرة في تجاوز خطوط حساسة.

عام 1982، حذر ميرون بنفينستي، النائب السابق لرئيس بلدية القدس من أنه مع اقتراب عدد المستوطنين في الضفة الغربية من 100000 نسمة، فإن إسرائيل ستعبر عتبة الماضي التي ستجعل من التسوية الإقليمية أمراً مستحيلاً، وهو ما حدث فعلاً عند تجاوز عدد المستوطنين الرقم المُشار إليه، حيث قامت إسرائيل بعدها برسم خطوط جديدة لسياساتها حتى جاوز عدد المستوطنين نصف مليون نسمة، لتعلن إسرائيل عن خطط ضم لمناطق جديدة لاستكمال بناء مستوطنات إسرائيلية.

في كل مرة كان يتم فيها تجاوز خطوطاً جديداً، كان المؤمنون بحل الدولتين يجدون أعذارًا جديدة لتجاهل الأمر الواقع، هذا ينطبق بشكل خاص على الصهاينة الليبراليين، الذين يتمسكون -منذ 1967- بأسطورة أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية هو أمر مؤقت.

مكنت الفترة الزمنية المفترضة للاحتلال الصهاينة الليبراليين من رؤية أنفسهم ليبراليين حقيقيين، لتعريف إسرائيل على أنها “ديمقراطية”، بسبب استمرار تواجدهم، أما الضم، الذي يؤكد أن الاحتلال دائم ولا ينفصل عن كينونة “إسرائيل”، سيجبر الصهيونيين الليبراليين من الناحية النظرية على الاختيار بين الدعم لدمقرطة واقع الدولة الواحدة، أو دعم سياسات “الفصل العنصري”.

على الرغم من ذلك، يبدو أن تحول الصهاينة الليبراليين إلى صهيونية بدون دولة، أو بدون معاداة الصهيونية أمر غير مرجح، وبعد كل شيء، وعلى مدار أكثر من عقد من حكومات نتنياهو المتعاقبة، اعتاد الصهاينة الليبراليون على التناقض بين قيمهم وتلك التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية.

لكن فكرة الدولتين ستستمر في تجاوز أي احتمال واقعي لحل الدولتين لليمين الصهيوني /الليبرالي أيضًا، حيث تدرك وزارة الخارجية الإسرائيلية والمدافعون “المحترفون” عن إسرائيل على حد سواء أن حل الدولتين كان بمثابة وسيلة مفيدة لتجاهل الانتقاد للتوسع الإقليمي الإسرائيلي، وبعد أن وقع ما يقرب من اثني عشر ممثلًا ديمقراطيًا في الكونجرس على رسالة، بقيادة أوكاسيو كورتيز، دعت فيها إلى فرض شروط على التمويل العسكري الأمريكي لإسرائيل في حالة الضم، ردت إيباك بأن القيام بذلك من شأنه “أن يقلص من فرص تطبيق حل الدولتين”!

نتنياهو وحلفاؤه في الولايات المتحدة يبررون خطط الضم بعبارات مماثلة، في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست، جادل رون ديرمر، سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة، بأن الضم في الواقع “سيفتح الباب أمام حل واقعي يقوم على دولتين ويخرج عملية السلام من الطريق المسدود الذي كانت عليه”، وبالمثل، حرص مؤلفو “خطة السلام” لإدارة ترامب، ليس فقط على تفسيرها على أنها أداة لتحقيق حل الدولتين، بل على أنها استمرار منطقي لاتفاقية أوسلو.

على الرغم من عدم وجود درجة صغيرة من السخرية هنا، إلا أنها تعكس أيضًا التزامًا أيديولوجيًا حقيقيًا؛ معظم الصهاينة الأمريكيين، حتى اليمين منهم، لا يدعمون صراحة إقامة دولة واحدة تقوم على الفصل العنصري، على عكس المستوطنين الإسرائيليين المتشددين الذين يعارضون خطة ترامب لأنها تنص على مناطق من الحكم الذاتي الفلسطيني، وبهذا المعنى، فإن الموقف الذي اتخذه ديرمر وإدارة ترامب لا يختلف عن الدولة الصهيونية الليبرالية: فكلاهما يتصوران “دولة” فلسطينية كأرخبيل من البانتوستانات المعزولة وغير المتجاورة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية.

ولكن طالما أن الصهاينة خارج إسرائيل لا يزالون غير مرتاحين للدفاع علناً عن نظام الفصل العنصري من حيث يعكس الواقع على الأرض، فإن خطاب فكرة الدولتين سيكون بمثابة وسيلة لا تقدر بثمن لحجب التداعيات الفعلية لموقفهم – ليس فقط من الجمهور، ولكن من أنفسهم أيضاً.

تستغرق الروايات السياسية ذات الأهمية الوجودية وقتًا طويلاً حتى تموت، إذا ماتت بالكامل بالفعل، وعدم وجود حل قائم على دولتين لا يعني أن الصهاينة الليبراليين سيتوقفون عن الإيمان بتطبيقه يوماً ما.

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا

اقرأ ايضًا: قيادي صهيوني:”العقوبات ضد إسرائيل ستكون أسوأ من الضم”