في تطور خطير لقضية سد النهضة، أعلنت إثيوبيا عن بدئها الفعلي في عملية تعبئة السد الذي أقامته علي النيل الأزرق، وذلك بعد فشل مفاوضاتها مع كلاً من مصر والسودان حول الجوانب الفنية والقانونية المتعلقة بآلية تخزين المياه.

ورغم التراجع الإثيوبي عن هذا الإعلان لاحقاً، إلا أن شواهد عديدة تؤكد صحة ما ذكره وزير الري الإثيوبي بخصوص بدء إثيوبيا لعملية ملأ السد، غير عابئةٍ في ذلك بالتهديدات المصرية التي تتردد بين الحين والآخر.

 

إعلان إثيوبي 

ونقل التلفزيون الإثيوبي -الأربعاء -في صفحته على فيسبوك عن وزير الري سيليشي بقلي إعلانه بدء عملية تعبئة سد النهضة.

وقال وزير الري الإثيوبي “تم الآن تحقيق رغبة الشعب الإثيوبي الذي انتظر هذه اللحظة”. وأكد أن “عملية تعبئة السد مستمرة، وأن المشروع يتجه الآن نحو تحقيق أهدافه “.

كما أكد بقلي صحة صور الأقمار الصناعية التي نشرت حديثا للسد وتظهر امتلاءه بالمياه، مشددا على أن تعبئة سد النهضة لا بد أن تبدأ في هذا الوقت الذي يتسم بغزارة الأمطار.

وبحسب بقلي، فإن “ما وصلت إليه أعمال البناء في السد تمكن من بدء ملئه. وتسمح تلك المرحلة ببدء عملية التخزين الأولي بـ4.9 مليارات متر مكعب، من أصل 74 مليار متر مكعب هي السعة الإجمالية للبحيرة خلف السد”.

وبعد تداول سريع للإعلان الإثيوبي في وسائل الإعلام، تراجع بيكيلي في تصريح لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية عن تصريحه السابق عن بدء الملء.

وأوضح أن حديثه كان مرتبطا بصحة الصور التي نقلتها الأقمار الصناعية قبل أيام للسد، مشيرا إلى أن الصور تشير فقط إلى “الأمطار الغزيرة وليس الملء”.

والثلاثاء، نشرت أسوشيتد برس صور أقمار صناعية رصدتها وكالة الفضاء الأوربية بتاريخ 9 يوليو/ تموز الجاري، تشير إلى بدء ملء خزان السد الإثيوبي.

وبعد التراجع، قالت هيئة الإذاعة الإثيوبية الوطنية (التلفزيون الحكومي)،  في بيان على صفحتها بفيسبوك “نعتذر عن الخطأ الذي ارتكبناه في تفسير تصريحات وزير الري والمياه والطاقة بشأن سد النهضة”.

وأضافت أن سوء التفسير كان “بالخطأ”، وغير متعمد.

ومن جانبه، قال المتحدث باسم الخارجية المصرية إن القاهرة طلبت توضيحا رسميا عاجلا من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة بدء ملء خزان سد النهضة.

ونقلت سائل إعلام مصرية أن القاهرة تبحث اللجوء لمجلس الأمن بعد إعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة.

 

تأكيد سوداني

وفي تأكيد سوداني لبدء إثيوبيا عملية ملأ السد ، ذكرت الحكومة السودانية الأربعاء أن مستويات المياه في النيل الأزرق تراجعت بنحو 90 مليون متر مكعب يوميا بعدما بدأت إثيوبيا ملء خزان سد النهضة الضخم.

وقالت وزارة الري والموارد المائية في بيان “اتضح جليا من خلال مقاييس تدفق المياه في محطة الديم الحدودية مع إثيوبيا أن هناك تراجعا في مستويات المياه بما يعادل 90 مليون متر مكعب يوميا، مما يؤكد إغلاق بوابات سد النهضة”.

وأضافت الوزارة في البيان أن السودان يرفض أي “إجراءات أحادية الجانب يتخذها أي طرف خصوصا مع استمرار جهود” التفاوض بين الدولتين ومصر.

وقالت مصادر محلية في السودان أن منسوب مياه نهر النيل الأزرق سجل انخفاضا كبيرا عند أول نقطة قياس في محطة الديم خلف بحيرة سد الروصيرص التي تبعد عشرين كيلومترا فقط عن سد النهضة.

وأفادت المصادر أن منسوب المياه بلغ عشرة أمتار وسبعة وخمسين سنتمتراً، مقارنة بأحد عشر مترا وستة وتسعين سنتمترا في نفس الفترة من العام الماضي، أي بانخفاض بلغ متراً وتسعة وثلاثين سنتمترا.

ووفقا لوزارة الري السودانية فإن ايراد النيل الأزرق ليوم أمس سجل نقصا بما يعادل تسعين مليون متر مكعب، وأن هذا الانخفاض لم يحدث من قبل في مثل هذا التوقيت

ويأتي هذا التطور بعد فشل مصر وإثيوبيا والسودان في التوصل لاتفاق في جولة جديدة من المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي حول تنظيم تدفق المياه من السد العملاق.

وأقيم السد على بُعد حوالي 15 كيلومترا من الحدود مع السودان على النيل الأزرق، الرافد الرئيسي لنهر النيل.

ويسعى السودان ومصر لاتفاق ملزم قانونا قبل ملء السد، وهو ما تقول إثيوبيا إنها ستشرع فيه هذا الشهر مستغلة الأمطار الموسمية.

 

مصر لا تعلم شيء

وفي تصريح يدل علي ما تعانيه مصر من مأزق حقيقي إزاء هذه القضية، قال المتحدث باسم الخارجية المصرية إن القاهرة طلبت توضيحا رسميا عاجلا من الحكومة الإثيوبية بشأن مدى صحة بدء ملء خزان سد النهضة.

ونقلت وسائل إعلام مصرية أن القاهرة تبحث اللجوء لمجلس الأمن بعد إعلان إثيوبيا بدء ملء سد النهضة.

من جانبه، قال وزير الري المصري إن ما تردده إثيوبيا بشأن استحواذ مصر على حصة الأسد من مياه النيل، هو محض افتراءات تكذبها الأرقام الرسمية.

وأوضح الوزير أن لدى إثيوبيا ودول حوض النيل بحيرات وسدودا تحتجز كميات هائلة من المياه فضلا عن مياه الأمطار، وأن قطعان الماشية في إثيوبيا وحدها تستهلك ما يعادل حصتي مصر والسودان مجتمعتين.

وأكد أن القاهرة لم تقف يوما ضد التنمية في أفريقيا ولكنها ضد الإضرار بمصالحها وحقوقها.

وتأتي تصريحات الوزير المصري بعد يومين من ختام المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان بشأن سد النهضة دون التوصل لاتفاق.

في السياق ذاته، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تدعم اتفاقية عادلة ومنصفة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة بما يوازن بين مصالح مصر وإثيوبيا والسودان.

وأضاف أن الحوار والتعاون البناء يمهد الطريق للنجاح، مؤكدا التزام واشنطن مع الدول الثلاث حتى التوصل إلى اتفاق نهائي.

كما أشاد المتحدث باسم الخارجية الأميركية بالمحادثات الأخيرة التي قادها السودانيون، وقال إنها كانت محاولة بحسن نية للتوصل إلى حل مقبول لجميع الأطراف.

وكان موقع بلومبيرغ الأميركي قال في وقت سابق بشأن الوساطة الأميركية لحل الأزمة، إن محاولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فشلت في تحقيق اختراق لحل نزاع قائم منذ فترة طويلة بشأن السد.

وأضاف الموقع أن ترامب وافق في سبتمبر/أيلول الماضي على طلب عبد الفتاح السيسي للتوسط في النزاع مع إثيوبيا بشأن سد النهضة.

وحسب بلومبيرغ، فإن مديح ترامب للرئيس المصري علنا بأنه “دكتاتوره المفضل” بعث إشارة إلى القادة الأفارقة بأن الولايات المتحدة لن تكون وسيطا نزيها.

وذكر الموقع كيف أن رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا تحدث باستخفاف عن تدخل ترامب في أزمة سد النهضة.

ووفقا للموقع، فإن رامافوزا قال إن الرئيس الأميركي قد يكون بحاجة إلى زيارة أفريقيا للاطلاع على الأمور بشكل شخصي، لكنه لن يفعل.