حرب الأسعار النفطية التي نشبت بعد قرارات محمد بن سلمان ضد روسيا أثرت بصورة سلبية على السعودية في وقت حرج، ليس فقط في تاريخها، بل في تاريخ العالم أجمع، حيث كانت جميع الدول تواجه وباء كوفيد-19 الذي أثر بدوره على الطلب العالمي على النفط.
كان لتلك الحرب تداعيات خطيرة على الاقتصاد السعودي، اقتصاد يعاني بالفعل من استراتيجيات ولي العهد السيئة ويعتمد على حوالي 90 ٪ من النفط، حيث أعلنت شركة النفط السعودية “أرامكو” بالفعل عن انخفاض أرباحها بنسبة 25٪ في الربع الأول من عام 2020، والتي حققت 16.6 مليار دولار مقابل 22.2 مليار دولار في 2019، وألقى “أمين حسن الناصر” أمين عام “أرامكو” باللوم في الخسائر على انخفاض الطلب العالمي الناجم عن وباء كوفيد-19.
راهن ولي العهد على خصخصة 2 ٪ من “أرامكو” للحصول على ما بين 22 و23 مليار دولار، إلا أنه كان رهاناً فاشلاً بسبب انخفاض أسهم “أرامكو”، حيث كانت تقدر قيمة “أرامكو” بـ 2000 مليار دولار، وكان عليها تعديل الرقم إلى 1700 مليار دولار.
يرجع هذا الفشل إلى عدم الثقة المستثمرين الأجانب في السوق السعودي وعدم حماسهم للاستثمار فيه، بسبب عدم استقرار المنطقة في أعقاب هجمات الطائرات بدون طيار ضد مجمعات “أرامكو” في بقيق والخريص، هذه الهجمات التي قال الحوثيون أنها تسببت في خفض إنتاج المملكة النفطي إلى النصف.
كما لم يعد المستثمرون يؤمنون برغبة ولي العهد في الإصلاح، بعد اغتيال الصحفي “جمال خاشقجي” في تركيا في أكتوبر 2018.
تسببت أزمة وباء كوفيد-19 المستجد، حتى الآن في إصابة أكثر من 120 ألف شخص ووفاة أكثر من 900 شخص، وأدت إلى تباطؤ حاد في نمو الاقتصاد السعودي، كما أدى إغلاق الأماكن المقدسة “مكة والمدينة”، بعد انتشار الفيروس، إلى حرمان المملكة من أحد مصادر الدخل الرئيسيين من بعد إيقاف “العمرة”.
من المرجح أن يؤدي هذا الإغلاق إلى حرمانه من الدخل الكبير الذي يولده الحج السنوي، الذي سيقام في نهاية يوليو وبداية أغسطس 2020، حيث تستقبل المملكة حوالي خمسة ملايين حاج من جميع أنحاء العالم، وقد أكد صندوق النقد الدولي هذا التباطؤ الذي يعاني منه الاقتصاد السعودي، الذي توقع في أبريل 2020 انكماش الناتج المحلي الإجمالي السعودي بنسبة 2.3 ٪ وانخفاض بنسبة 4 ٪ في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
أعلنت المملكة بالفعل عن عجز في الميزانية بلغ حوالي 9 مليارات دولار للربع الأول، وهو رقم من المرجح أن يتسع أكثر، ولتعويض هذا العجز، الذي ينمو منذ عام 2014، قررت الحكومة السعودية اعتماد مجموعة من الإجراءات التقشفية، خاصة مع تزايد الدين الخارجي باستمرار، بعد اقتراض 58 مليار دولار من الأسواق الدولية، ويتزامن ذلك مع تآكل احتياطي النقد الأجنبي للمملكة بسبب سياسات ولي العهد.
كما أعلن وزير الاقتصاد السعودي “محمد الجدعان” في 11 مايو 2020 عن خطة تقشف غير مسبوقة لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد السعودي، تشمل هذه الخطة زيادة معدل ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، بدءًا من يوليو 2020 من 5 إلى 15٪.
إن زيادة معدل ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف سيترتب عليه إحداث ارتفاع في الأسعار، سيكون له تداعيات على القوة الشرائية للسكان السعوديين، كما تتضمن الخطة إلغاء البدل المخصص لموظفي الخدمة المدنية من أجل تغطية ارتفاع تكاليف المعيشة اعتبارًا من يونيو 2020، تقدر قيمة البدلات بحوالي 267 دولارًا، والتي يستفيد منها نحو مليون ونصف من موظفي الخدمة المدنية.
وأخيرًا تنص هذه الخطة على خفض الإنفاق العام، المخصص للعديد من القطاعات العامة وبعض المشاريع التي تقع في إطار “رؤية 2030″، بما فيهم مشروع “نيوم”، والتي تم تخفيض الأموال المخصصة لها بالفعل بمقدار 8 مليارات دولار، هدف المملكة هو توفير 26 مليار دولار للتعامل مع عجز الموازنة.
في حين اختارت معظم الدول دفع المساعدات للسكان، من أجل دعم قوتهم الشرائية وتجنب انهيار الاستهلاك فجأة، اختارت الحكومة السعودية سياسة تقشف شديدة سيكون لها تأثير اجتماعي ضخم؛ سيكون للتباطؤ الاقتصادي، إلى جانب سياسة التقشف، تأثير خطير على سوق العمل في المملكة العربية السعودية وهي دولة ذات معدل بطالة مرتفع ويبلغ عدد الشباب فيها أكثر من نصف السكان.
هذه الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها المملكة، تعرض “رؤية 2030” “لمحمد بن سلمان” للانهيار، ولا سيما مشروعه لبناء مدينة “نيوم” على البحر الأحمر، وهي مدينة مستقبلية سيكلف تشييدها أكثر من 500 مليار دولار.
كما تخاطر حرب اليمن بتفاقم الأزمة الاقتصادية التي تواجه المملكة، هذه الحرب، التي شنها ولي العهد السعودي عام 2015 والتي تكلف المملكة ما يقدر بنحو 5 مليارات دولار شهريًا، تشكل الهاوية المالية للمملكة.
على الرغم من هذا الوضع، يرفض ولي العهد وضع حداً لهذا الصراع الذي أحدث فوضى حقيقية وأزمة إنسانية خطيرة، وانطلاق هذه الحرب دون أي هدف حقيقي، من المرجح أن يكلف المملكة ثمناً باهظاً.
إن عدم قدرة الجيش السعودي على تحقيق نصر حاسم ضد الحوثيين، الذين لا يترددون الآن في ضرب أهداف استراتيجية في قلب المملكة، يشكل تحديًا أمنيًا كبيرًا، على الرغم من المبالغ الهائلة التي تم انفاقها لعقود في شراء أسلحة دون فعالية حقيقية على الأرض.
تأتي الأزمة الاقتصادية التي تواجه المملكة في سياق يتميز بتعزيز قبضة ولي العهد على السلطة، وتشديد القمع ضد خصومه، قمع يؤثر الآن على العائلة المالكة السعودية، التي لم تعد محمية من القبضة الحديدية للأمير الشاب.
أمر “محمد بن سلمان” أيضاً، في 9 مارس 2020، في لفتة مفاجئة ووحشية باعتقال ثلاثة أمراء سعوديين، وهم الأمير “أحمد بن عبد العزيز” شقيق والده الملك سلمان، وكذلك اعتقال ولي العهد السابق وابن عم ولي العهد الأمير “محمد بن نايف” وشقيقه “نواف بن نايف”، الذين اتهموا بـ “بالخيانة العظمي”، والتخطيط للإطاحة بالملك وولي العهد، حيث يعدون منافس محتمل للعرش السعودي، ومعرضون للسجن مدى الحياة أو حتى عقوبة الإعدام.
الأمير “أحمد بن عبد العزيز”، معروف بانتقاده لسياسات ولي العهد الجديد، خاصة فيما يتعلق بالحرب في اليمن.
بعد نفي قصير في إنجلترا، عاد الأمير “أحمد” إلى المملكة في وقت كانت فيه قضية “خاشقجي” هي الأهم على الساحة، وقد تم تفسير عودته إلى المملكة العربية السعودية على أنها رغبة الأمير في إظهار دعمه للنظام الملكي، الذي كان يواجه انتقادات واسعة بسبب اغتيال الصحفي السعودي في تركيا.
من خلال القبض على هؤلاء الأمراء الثلاثة، كسر “محمد بن سلمان”، بشكل لا يمكن إصلاحه، الإجماع التاريخي لتوازن القوى التقليدي، الذي ميز الملكية السعودية، منذ تشكيلها عام 1932، بينما كان يسعى لإزالة العوائق الأخيرة قبل مسيرته نحو العرش، أراد أن يحذر العائلة المالكة من أنه لن يتسامح مع أي انتقاد أو معارضة لسياسته وأنه لن يتردد في استخدام القوة ضد أي مجرم، كما كان الحال مع الأميرة “بسمة بنت سعود بن عبد العزيز”، هذه الأميرة، التي انتقدت علناً سجل المملكة بشأن حقوق المرأة، ليتم اعتقالها مع إحدى بناتها في فبراير 2019.
لقد دفعه ]محمد بن سلمان[ التعطش إلى السلطة التي تدفعه منذ ظهور والده على العرش السعودي وصعوده السياسي النيزكي، إلى الرغبة دائمًا في تعزيز موقعه، سعيًا إلى التركيز في يديه على جميع مقويات السلطة.
الهدف النهائي لولي العهد هو أن يصبح مركز القوة الوحيد، ولتحقيق هدفه، قام بقمع شرس ضد أي معارضة لقوته وطموحاته، مهما كان أصله، بينما كان يسعى إلى الظهور كأمير إصلاحي في أعين حلفائه الغربيين.
امتدت قبضته على السلطة حتى إلى شبكات التواصل الاجتماعي داخل السعودية، التي يمارس عليها رقابة صارمة للغاية، ولا يقبل أي انتقاد، وهذا يفسر موجات الاعتقالات التي شنها بانتظام ضد خصومه من كافة التيارات السياسية داخل السعودية، اعتقالات أثرت منذ عام 2017 على العديد من الشخصيات البارزة في حركة الصحوة الإسلامية، مثل الشيخين “سلمان العودة” و”عوض القرني”.
انتشر القمع الذي يمارسه ولي العهد أيضًا على شخصيات في التيار الليبرالي السعودي، وكذلك على نشطاء حقوق الإنسان وحقوق المرأة، مثل الناشطات “إسراء الغمغام” و”لجين الهذلول” و”سمر البدوي” وهي أخت المدون السعودي رائف البدوي، المعتقل منذ عام 2012.
إن اعتقال هؤلاء النشطاء، المحتجزين في ظروف سيئة للغاية، يوضح الطريقة الوحشية لولي العهد في ممارسته للسلطة، والتي تسببت في وفاة الأكاديمي والناشط الحقوقي السعودي الكبير “عبد الله الحامد”، في 24 أبريل 2020، وتوفي نتيجة الإهمال الطبي، بعد اعتقال دام سبع سنوات.
حساب تويتر “معتقلو الرأي” الذي يدافع عن المعتقلين في السعودية أكد وفاة “عبد الله الحامد” في أحد سجون المملكة، واتهم الحساب النظام السعودي بالإهمال الطبي المتعمد، زاعمًا أن إدارة السجن تركته في غيبوبة لعدة ساعات قبل نقله إلى المستشفى، مما أدى إلى وفاته.
يواجه “محمد بن سلمان” أيضًا تحديًا قبليًا هذه المرة بسبب مشروع مدينة “نيوم”، والذي أثار بناء هذه المدينة المستقبلية في محافظة تبوك، شمال غرب المملكة، على البحر الأحمر، موجة من الاحتجاجات، عقب قرار السلطات السعودية المضي قدما في التهجير القسري لقبيلة الحويطات، هذه القبيلة، التي سكنت هذه المنطقة لقرون، هي قبيلة سعودية كبيرة لها أيضًا فروع في الأردن ومصر وفلسطين..
تكثف هذا الاحتجاج في الآونة الأخيرة، واتخذ منعطفًا دمويًا بعد اغتيال قوات الأمن السعودية “عبد الرحيم الحويطي”، وهو ناشط قبلي معارض لمشروع “نيوم”، ووفقًا للرسائل ومقاطع الفيديو المنشورة على الشبكات الاجتماعية، فقد عبر “الحويطي” عن رفضه الإخلاء من منزله لبناء المدينة الضخمة، المطلوب من قبل ولي العهد، وقد أدى اغتيال هذا الناشط إلى زيادة التوترات المحلية حول مشروع “نيوم” وأدى إلى ظهور حملة تضامن مع “الحويطي” على الشبكات الاجتماعية، حيث انتقد رواد صفحات التواصل الاجتماعي بشدة هذا الاغتيال وكذلك قرار الحكومة السعودية بنقل سكان قبيلة الحويطات.
تواجه المملكة العربية السعودية تحديات اقتصادية هائلة، من المؤكد أن لها عواقب اجتماعية كبيرة، وأن المملكة في فجر تغيرات اجتماعية واقتصادية هائلة ربما يكون لها تأثير على المستوى السياسي.
الأزمة في المملكة في خطر الإخلال بالعقد الاجتماعي السعودي الشهير، عقد تعهد من خلاله النظام السعودي بتقديم الخدمات للسكان مثل التعليم والصحة والإسكان ووظائف القطاع العام، في مقابل استمرار الشعب السعودي في التعهد بالولاء للنظام الملكي المملكة العربية السعودية، من خلال نبذ أي شكل من أشكال المشاركة السياسية في السلطة.
من المرجح أن يتفاقم هذا الوضع بسبب سياسات “محمد بن سلمان” وطريقته الوحشية في ممارسة السلطة الذي يهدف إلى الاستقرار على العرش السعودي، ولكن بأي ثمن؟
ترجمة العدسة عن صحيفة لاريف جوبوليتيك الفرنسية للاطلاع على المقال الأصلي اضغط هنا
اقرأ أيضًا: صحيفة فرنسية: السعودية تواجه أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها
اضف تعليقا